ندفات ثلج أم رواقيون

قصة شخصين من جيل الألفية


حجم الخط-+=

ميشيل بينينقر.

ترجمة: عبير علاو

تبكي وتشتكي أم تبقى هادئًا وتمضي قدمًا؟ في ما يلي نظرة على الارتفاع الأخير لفلسفةٍ قديمةٍ بين شريحةٍ سكانيةٍ غير محتملة.

لا يجب عليك النظر إلى أبعد من هذه الأيام لتجد أفرادًا من الأجيال الكبيرة سنًا يشيرون إلى جيل الألفية باستخفافٍ واصفينهم بندفات الثلج -وهو مصطلحٌ يستخدم لتمييز شباب اليوم عن الأشخاص الذين ولدوا قبل 1983م- وبالرغم من أن العديد من الأشخاص يهاجمون هذه الكلمة فإنه من الصعب تماما أن ينكر المرء وجود “جيل ندفات الثلج” في الوقت الذي تنفجر فيه الخزانات من البكاء في حرم الجامعات، إضافة إلى انزعاج بعض الطلاب من الفكرة السائدة بأنهم يشجعون استخدام الإيماءة المعروفة باسم “jazz hands” بدلًا من التصفيق. ومع ذلك، فإن العديد من جيل الألفية الواعين يعتنقون مبادئ فلسفة عمرها 2000 عام تدعى بِـ “الرواقية” تبدو وكأنها تلقي الضوء على بعد مختلف في أبناء العشرين والثلاثين من جيل اليوم. وفي حين أن كلمات مثل “رواقي” أو “المذهب الرواقي” قد تستحضر صورًا للأفراد المصرّين الذين لا يكترثون للعواطف ويتحملون المصاعب والتحديات دون أن يتذمروا أو يشتكوا، فإن الرواقية تتضمن في الواقع أمور أكبر بكثير. يعطي قدماء الرواقيين أهمية كبرى لخدمة مواطنيهم والاعتراف بإنسانيتهم كما يشجعون الأشخاص الآخرين على تعزيز المحبة ومد جسور الاهتمام بينهم وبين عائلاتهم وتذويب الفوارق بين الفردية والغرور في جهة والإنسانية ككل في جهة أخرى. بهذه الطريقة، تهدف الرواقية إلى تقديم منظور أوسع نطاقًا حول كيفية ملاءمة كل منا للصورة الأكبر في المجتمع، فهي أكبر من أن تقتصر فقط على الحفاظ على أولئك الذين يخفون مشاعرهم، بغض الظرف عن الظروف، والذين يطلق عليهم أشخاص “الشفة العليا الغليظة”.

بعد وفاة الإسكندر الأكبر قرابة عام 300 قبل الميلاد تأسست الفلسفة الهلنستية في أثينا والتي تدعو إلى المناقب، التي لا تتوفر في الصورة النمطية التي يضعها كبار السن لشخصية طلاب الجامعة هذه الأيام، كالشجاعة، وضبط النفس، والاستقامة والحكمة التطبيقية. ومع ذلك، لسبب أو لآخر، تجتذب الرواقية الآن المزيد من الأتباع أكثر من أي وقت مضى، والعجيب في الأمر أن كثير منهم لا يزالون على بعد سنوات من الوصول إلى سن الثلاثين. ويبقى السؤال: كيف وصلت الرواقية إليهم؟ وإجابة محتملة؛ فإن الكثير مما نعرفه عن الفلسفة اليوم قدم إلينا من مجموعة رسائل كتبها أحد الرواقيين، وهي سلسلة من 124 رسالة صاغها رجل دولة روماني يدعى سينيكا نحو عام 65 قبل الميلاد، قدم سينيكا في كتاباته المبدأ الجوهري للرواقية والذي يشجع على فهم أن بعض الأشياء في الحياة لا يمكن تغييرها، ثم لا تستحق تلك الأمور أن تقلق حيالها. مع ذلك، رغم أن كلمات سينيكا تُدولت منذ أن اختُرعت الصحافة المطبوعة فإن شعبية الرواقية لم تبلغ ذروتها إلا في هذه الوقت، وظل التساؤل قائمًا: لماذا أصبحت هذه المدرسة الفكرية فجأة منتشرة ومعتنقة بين شباب اليوم؟ أهي رد على تسمية ندف الثلج؟ أو ربما لأننا نعيش من خلال ما قد يكون أكثر الظروف الاقتصادية والاجتماعية صعوبةً على مر الأجيال؟ يجادل بعضٌ بأن تيم فيريس -يصنف مؤلِفًا، وصاحب مشروع ورائد في شؤون الحياة- له علاقة بانتشار هذه الفلسفة؛ فقد روج فيرس لفضائل الرواقية على مدونته منذ عام 2009 كما أنه قدم العديد من الخطابات البارزة حول هذا الموضوع. إضافة إلى أنه في ذات العام -2009- نشر البروفيسور ويليام ب. إرفين كتابًا بعنوان “دليل الحياة الطيبة: الفن القديم للبهجة الرواقية” والذي صفق له العديد من الأفراد المؤثرين منهم جايسون فريد الرئيس التنفيذي في Silicon Valley الذي ذكر بأن كتاب إرفين هو أكثر كتاب تأثيرًا على الإطلاق. وسواء كان هذا أو ذاك، فإن وجود الرواقية اليوم تحت محط الأنظار يمكن أن يعزى إلى أمر واحد، إذ لا يمكن إنكار أنها أضحت تحظى بأكبر قدر من الاهتمام طوال حقبة وجودها، ففي العقد الماضي نُشرت مجموعة كبيرة من الكتب التي تعنى بموضوع الرواقية، إضافة إلى المدونات والرسائل الإخبارية ومجموعات النقاش عبر الانترنت المتزايدة يومًا بعد يوم والتي تتناول هذا الموضوع. ففي العام الماضي فقط، تلقى كتاب “كيف تصبح رواقيا: الحكمة القديمة للحياة العصرية” للفيلسوف ماسيمو بيليغوتشي إشادة وتأييدًا واسعين، إذ عُرض فيديو عنه ضمن مشروع TED-Ed التعليمي ونال إثر ذلك أكثر من مليوني مشاهدة مما جعل الناس يرون أن الفلسفة القديمة ليست سيئة بل تحمل بداخلها الكثير من أساليب الحياة الفعالة. إضافة لذلك، لا يزال اسم المؤلف ريان هوليداي هو أكثر الأسماء التصاقًا بالرواقية في العصر الحديث، فهو مدير سابق للتسويق في American Apparel وناشط وراء العديد من الكتب التي تسمى eye-opening books -الكتب التي تغير حياتك وتزيد من إدراكك ووعيك لتفاصيل الحياة- التي كان من بينهم كتاب: “العقبة هي الطريق: الفن الخالد لتحويل المحنة إلى منحة”، ومؤخرًا صدر له كتاب: “الرواقية اليومية: 366 تأملًا في الحكمة، المثابرة وفن الحياة”. في “العقبة هي الطريق” استعرض هوليدي نضال الرموز التاريخية الذين أظهروا مرونة مذهلة من خلال توظيف العقلية الرواقية للتغلب على التحديات، ويوضح بالتفصيل كيف حوّل هؤلاء الأفراد الملهمين حواجز الطرق والعقبات التي صادفتهم إلى حجارة بنوا بها سلمًا لتحقيق نجاح باهر كما يشرح كيف يمكن لأي شخص استخدام نهج مماثل لتحسين حياته الشخصية والمهنية. وفي “الرواقية اليومية” -آخر إصدار لمكتبة Blinkist- قدم هوليدي 366 فكرة يومية ومثلها من التمارين المرتبطة بالرواقية، كما يضم الكتاب أيضًا ترجمات جديدة بالكامل وسير ذاتية للرواقيين القدماء مثل سينيكا، ماركوس أوريليوس، وعبد يدعى إبكتيتوس الذي تبنى الرواقية من أجل جعل حياته أكثر احتمالًا. سواء كنت تصنف من جيل الألفية وتكره مصطلح “ندفة الثلج” أو إذا كنت ترغب في معرفة المزيد عن الرواقية حتى تتمكن من اتباع منهج أكثر وعيًا بالقضايا التي تواجه المجتمع اليوم، فما عليك سوى أن تقوم بتشغيل تطبيق Blinkist الآن لتستكشف العديد من الأفكار والعناوين المتعلقة بالرواقية في أقل من خمس عشرة دقيقة.

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى