كيف نكتشف ما يشغل بالنا حقا

The school of life 


حجم الخط-+=

ترجمة: ابتهال زيادة

واحدة من أعظم مفارقات الحياة النفسية أننا غالبا ما نعجز عن إدراك مشاعرنا الحقيقية تجاه الأمور الحياتية المهمة. قد نفكر -مثلًا- في شخصية صديقٍ ما، أو باتخاذ الخطوة التالية الأفضل لمشوارنا المهني أو حتى مواقفنا تجاه حدث ما في أيام الطفولة- قد تظل جميع استنتاجاتنا مكبوتة داخلنا، جزءٌ فينا عاجز حتى عن الوصول إلى مستوى الوعي العادي. بدلًا من ذلك، نُظهر أهدافنا وتصرفاتنا داخل إطار سطحي ومضلل عن أنفسنا. قد نستقر على عجالة أو هربًا، إلى الإجابات الأوضح: صديقنا الجديد لطيف جدا، يجب أن نطمح إلى أعلى وظيفة أجرًا، كانت طفولتنا “حلوة”. نتجاهل حقائقنا من الأساس لأننا غير مدربين على التعاطف معها؛ لا أحد أخبرنا من قبل أننا بحاجة إلى أن نغرس في عقلنا الباطن صبر الصياد ودهاءه في أثناء انتظاره على ضفة النهر. لقد نشأنا على سرعة التصرف، وأننا يجب أن نعرف كل شيء فورًا، متجاهلين حقيقة أن الوعي طبقات متراكمة، وأن الطبقات الدنيا منه تخبئ أغنى المواد وأنقاها. ربما نتردد أيضًا لأن الإجابات التي تنبثق من أي رحلة نزول إلى أعماقنا والتواصل معها قد تتعارض مع توقعاتنا المستقرة في أذهاننا عن أنفسنا. قد يتضح أننا في الواقع اعتدنا وجود بعضها لا أكثر، أو تنتابنا مشاعر الريبة والشك من إلحاح شخص ما بأن نضع ثقتنا به أو تأثرنا بعمق -وتعاطفنا- تجاه مصاب شخص بالكاد نعرفه. إنها الطبيعة القاسية لاستنتاجاتنا التي تبقينا بعيدًا عن ملاذنا الداخلي. نعطي الأولوية للمشاعر الاعتيادية بدلًا من مشاعر الإدراك التي تصطدم بذواتنا الحقيقية.

أما الخطوات التي ينبغي اتخاذها كي نراجع أنفسنا فليست معقدة تعقيدًا خاصًا. ينبغي لنا تخصيص وقت، مرة واحدة في اليوم مثلا، نستلقي فيه بمفردنا في مكان ما، على السرير أو حتى في أثناء الاستحمام، بحيث نغمض عينينا ونوجه تركيزنا في إحدى المسائل المعقدة أو الغامضة التي تستحق الإمعان فيها: شريك، أو تحدٍ مهني، أو دعوة من شخص ما، أو رحلة قادمة، علاقة بطفل أو أحد الوالدين. نحتاج إلى تلك اللحظة لنحدد فيها مصدر قلقنا الحقيقي. بعدها، ننسحب من حال السكون المعتادة ونحيط أنفسنا في مساءلة بريئة غير مسبوقة: ’ما الخلاص؟ التمسك بالشريك، أم التحدي المهني، أم تلك الدعوة أو صبرنا على نزاعاتنا الداخلية.. علينا أن نهمس لأنفسنا: ما الذي يشغل بالنا فعلاً؟ ما المشكلة الحقيقية؟ ماذا يحصل معنا؟ ما الأمور التي على المحك؟‘. يجب علينا -أن نتحلى إلى حد ما بالحكمة- ونساءل أنفسنا على ماذا تدلنا قلوبنا أو ما بماذا يخبرنا حدسنا. إننا نسعى جاهدين للوصول إلى الجانب الحقيقي في عقولنا التي كثيرًا ما تخمدها زمجرة نفوسنا الأمَّارة التي ننصاع لها. وستكون في انتظارنا، بطريقة شبه غامضة، تلك الإجابات لتساؤلاتنا، سنكتشف أنها كانت تنتظرنا منذ وقت طويل مثل النجوم التي تتحين غروب الشمس كي تطل في الفضاء. لذا نعلم تمامًا -وإلى حد كبير- من يجب أن نصادق، وأين مواطن النفع والضرر لنا، وما هدفنا في هذه الحياة. إننا فقط بحاجة لبعض لحظات السكون الممتدة من آناء الليل إلى أطراف النهار كي نجول في أروقة العقل الباطن بمصباح الوعي مسائلين أنفسنا: ’ما الخلاص؟‘ وسنخرج منها بالحكمة والمعرفة التي في جوانحنا.

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى