ماذا يعلمنا الندم؟

The school of life


حجم الخط-+=

ترجمة: ابتهال زيادة 

يجعلنا الجانب المؤلم في التقدم بالعمر نعيد التفكير بمدى جهلنا في مرحلةٍ ما بأنفسنا، وبالثمن الذي يكلفنا إياه الجهل بالذات، وكيف يمكن أن تكون فكرة العودة بالزمن إلى الوراء فكرة رائعة حيث نصحح بفضلها جميع أغلاطنا. لم يكن لدينا في سن السابعة أدنى فكرة عن معقولية التصدي في وجه شخص بالغ، وعليه قد سمحنا لذاك البالغ أن يطأ علينا بسبب تسلط أحد الأبوين، ونتيجةً لتسلطهم أصبحنا ضحيةً للمتنمرين في معظم مراحل حيواتنا. كما أننا في عمر السابعة عشرة، كنا غير مُقدِّرين لقيمة أنفسنا لدرجة أننا لم نجد سبيلًا لإيقاع من نحب في غرامنا وقد يكون بعضنا قد أهدر أكثر سنيه الواعدة بمشاعر الوحدة وكراهية الذات. أما في الثلاثينات فلم نفهم كيف تشكلت ميولنا العاطفية التي نتجت من خلال تأثرنا بماضي عائلتنا لدرجة أننا قد نكون بسببه خضنا علاقاتٍ عاطفية غير مدروسة أفسدت حيوات أشخاصٍ عدة. حتمًا سنجد الإجابات الأنسب لهذه التساؤلات، بعدما ننجز بحثنا عنها أخيرًا، وستكون هذه الإجابات يسيرة جدًا وقاسية كذلك. لكنَّ أمرًا “يسيرًا” لا يمكننا أن نستهين بخطورته: ففقدان مسمار يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط طائرة بوزن خمسةً وخمسين طن! قد ندرك -بعد فوات الأوان- أننا بحاجة إلى الإيمان بأنفسنا، والتغلب على أنانية أبوينا، وتصحيح الصورة المشوهة التي قدمها عنا أبوان متسلطان، وألا نولي اهتمامًا بما يعتقده الآخرون عنا، وأن نحيا أحرارًا وفقًا لقيمنا نحن. وإذا تمكنا من الإمساك بآلة زمننا الثمينة، والعودة بها إلى زمن كنا فيه أصغر سنا، لإسداء هذه النصائح لأنفسنا: أن نغادرَ المكان وكرامتنا مُصانة، وأن نحصل على الحب الذي نتوق إليه، وأن نغني أنفسنا من شقاء العلاقات. ذلك أمر محير، ولا نستغرب أننا في كثير من الأحيان نسهر ونتخيل أننا قادرون على السفر بالزمن لمعرفة ما كنا سندركه الآن. 

لكن غفلتنا في عدم استقاء الحكم لم تكن غفلة عابرة. بمعنى أن تلك الحكم المستقاة كانت حولنا، إلا أننا لم نكن مستعدين لها. لقد كان سهونا عنها أمرًا حتميًا لا عرضيًا. ربما ضَحِكنَا تمنُّعًا حينما اقترح أحدهم زيارة المعالج النفسي في سن السابعة عشرة. لعلنا كنا نحسبُ الذكاءَ العاطفي خرافة نفسية. فقد كنا غارقين بعلّاتنا النفسية. قد نحاول أن نكون أكثر لطفًا مع أنفسنا بإعادة تقييم مدى سهولة بعض الخطوات العاطفية التي اتخذناها من قبل. بالتأكيد نستطيع استخلاص الدروس منها وتيسيرها. لكن معالجة الاعتلال النفسي ليست مسألة هيِّنة على الإطلاق. قد يستغرق العمل على علاجها عمرًا كاملاً، إلا أن تحقيق هذه الخطوة سيجعلنا فخورين أكثر بأنفسنا، حيث سنصبح يومًا ما قادرين على التصالح مع أنفسنا، ولن يسيطر علينا الخوف طوال الوقت، سنستطيع حينها التوفيق بين وظائفنا وذلك الشخص المفضل الذي نحبه ويحبنا. تبدو المسألة يسيرة: وواقعيًا لا يوجد في عالمنا مسائلُ معقدة جدًا.

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى