شجاعة أن ننتمي لأنفسنا

The school of life


حجم الخط-+=

ترجمة: ابتهال زيادة 

إننا نسلك في مسير حيواتنا أكثر الطرق المحيرة التي تستغرق منا وقتا طويلا جدًا كي نصل عبرها إلى تلك الحاجة التي تبقينا سعداء. قد نفترض أن مرحلة العبور هذه كانت مرحلةً بديهية: لكنها ليست أكثر بداهة من الرغبة ذاتها. فمثلًا كانت لدينا هذه الرغبة ظاهريًا منذ أن كنا في الرابعة من أعمارنا، إذ بدأ كل منا في مشروعه العظيم: تركيب قطار كهربائي أو مجموعة من حيوانات المزرعة. المسألة ليست منوطة بعدم رغبتنا بل بقدر استغراقها وقتًا طويلا لتصبح إما مسألة دقيقة وإما واقعية.

تبدأ رغباتنا في المقام الأول، حسبما أرادها لنا الآخرون لا كما أردناها نحن. بمعنى أننا -مراحل سنيَّة متفاوتة- نسعى للحصول على رغباتٍ عدة مثل شراء سترة ذات قماش منسوج ببطانة خفيفة، أو مجموعة أدوات الشواء، أو الزواج، أو الحصول على مجموعة من بناطيل الكتان، أو العمل في مجال التمويل، أو شراء عصارة كهربائية، أو الطلاق، أو تعلم دروس الباليه الأسبوعية، أو حتى قضاء رحلة بحرية مدة ستة أشهر حول المحيط الهادئ. قد ندرك في عقدنا الرابع أو الخامس، ونبدأ تدريجيًا ندرك على نحوٍ غير متوقع أن أذواقنا الشخصية وخصالنا ومطالبنا مميزة حقًا، حينها نتشجع لفعل أي شيء حيال ذلك التميز. قد ننضج بما يكفي ونكون صادقين أمام أنفسنا، فندرك أننا لن نكون سعداء مرة أخرى بلقاء معظم هؤلاء المتطفلين والمزيفين الذين كنا نحسبهم “أصدقاءنا”، إذ احتويناهم بكل حب طوال تلك السنين. على النقيض من ذلك، قد نقرر أننا نريد الآن أن نصاحب فقط تلك الفئة من الأشخاص ممن تعرضت في حياتها لنوبات انهيار عصبي، أو من أمضت مدة من حياتها في السجن، تلك الفئة التي تعرف الانهيار والسقوط دونما اكتراث لما قد يعتقده الآخرون عنها. قد ندرك في الوقت ذاته أننا نمقت ما تفعله الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي بعقولنا -مثل أخيرا خروف جبان يركل المزارع- نحذف كل شيء، إلى أن تنطفئ هواتفنا وحينها بالكاد نعرف كم أمضينا من الوقت. يمكننا التباهي بكل تلك التفاهات التي لم يعد لازمًا علينا معرفتها أو حتى تجنبها. سيمضي العالم غارقًا بمتعه على طريقته، فلن نظل على إطلاع على كل جزء من القصة التي تشغلنا سطحيتها على أوقاتٍ دقيقة. وقد نتوقف أيضًا عن محاولة إقناع من لا نحب. لقد اهتمت أمهاتنا اهتمامًا كبيرًا بالمكانة الاجتماعية والصيت، وتحت اهتمامهن بذلك قد تخلى كل منا عن سنوات عديدة من حياته. هذا الاهتمام كان انعكاسه رائعًا لهن، وفي المقابل كان مأساويًا لنا، إلا أننا تجاوزنا ذلك الآن قد نجد ثلاثة أصدقاء غريبين، يكنون الكراهية الشديدة للجميع ميالون للانعزال داخل أكواخهم. سنهلك قريبًا جدّا لأن هذه السيناريوهات المهلكة توجهنا في اتجاه واحد لا غيره: يجب ألا تكن جبانًا، ولا إمعة، ومن جهة ثانية لا تكن خدومًا خجولًا ولا تابعًا للقطيع. يجب أن نخلص أنفسنا من كل تلك الأعباء المنصوص عليها اجتماعيا، ونكرم تلك الشخصية المميزة الرائعة التي بداخلنا قبل فوات الأوان. لعلنا بعد عمر من التبعية والخوف والخضوع أن نستند أخيرًا على أنفسنا، ونصبح مُنتمين انتماءً حقيقيًا لها.

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى