نظرة على القصص الأدبية للأطفال 

الحلقة الأولى: قصّة علي بابا والّلصوص الأربعون 


حجم الخط-+=

فطيمة فرحي

       يا عزيزي كلنا لصوص.. وقتلة!

لا يختلف اثنان على أهمية القصص في تنشئة شخصية الطفل وصقلها، وإثراء الرّصيد اللغوي وتفتح الذّهن وطلاقة اللسان، وكذلك دورها في تعزيز عمليات التفكير العليا وتحفيز المشاعر المختلفة الناتجة عن الانفعالات التي يمر بها الطفل أثناء القراءة. لذلك كان من الواجب اختيار القصص التي يتغذى عليها عقل الطفل الباطن بعناية وحرص شديدين، ومحاولة فرز الأفكار التي لا تتلاءم ومختلف الأبعاد الدينية والأخلاقية وكذلك المنظومة القيمية للطفل. قد يكون من المستبعد ألّا يطّلع الأطفال على قصص من التراث الأدبي العربي والعالمي على حد سواء، وليس هذا ما ننادي به هنا من الأساس. إذ يبقى للموروث الأدبي مكانته وميزته بين الآداب، ولكن ما ننشده هو محاولة تسليط الضوء على بعض الأفكار المبثوثة في النصوص الأدبية الموجهة للأطفال التي لم تعد تتناسب ومستوى أفكار أطفالنا اليوم، ولم تعد مقبولة في عصرنا الحديث، وكشف الغطاء عن مدى خطورتها حين تتسرب إلى عقل الطفل ويتشربها وهو ابن الست والسبع سنوات. من بين هذه القصص المحببة إلى قلب الطفل: قصّة علي بابا الرجل الأسطوري الذي اغتنى بين عشية وضحاها، وأصبح من أكبر التجار يرتدي الحرير ويتنعم بالحلي والحلل. قصة نجاح مثيرة للتغلب على الفقر والخروج من العوز والانتقال من حال إلى حال؛ قصة مثالية لولا أنّها ينقصها عنصر أساسي ويبدو لي -كما أعتقد- مهما إنه: الحق! ترد قصة علي بابا في النسخة الفرنسية من ألف ليلة وليلة بترجمة أنطوان غالان المنشورة ما بين سني 1704-1717، وأخذها من الحكاواتي حنا دياب، وهي غير موجودة في النسخ العربية ولا يُعرف أصلها. هذه القصة في الأساس ليست للأطفال، لكن اقُتبست منها، وأخرَ غيرها، قصصٌ للأطفال دون مراعاة الغايات والمعاني المبثوثة في طيَّاتها مما قد يؤثرُ سلبًا في لا وعي المتلقي، وهنا نعني الأطفال، ويُوجِّهُ أذهانهم إلى ما لا يُحمدُ عقباه. وصار لزاما تسليط الضوء على مرامي القصة الخفيّة وإنْ كانت غير مقصودة. 

يذهب علي بابا يوميا للغابة من أجل الاحتطاب فهو يكسب قوت يومه ويسدد إيجار بيته من بيع الحطب. ثم صدفة وفي يوم ما يشهد على حادثة ستغير حياته وتكون امتحانا حقيقيا لأخلاق علي بابا وكشف معدنه الأصيل وعفّته، وكما يقول غازي القصيبي رحمه الله: “لا يجوز للإنسان أن يدّعي العفّة، ما لم يتعرض للفتنة”. ها هي ذي الفتنة تطرقُ بابَ علي بابا وهو يقف على التلة فيسترق النظر حين يسمع وقع أقدام كثيرة وضجيج ليرى مجموعة من اللّصوص تقف أمام صخرة عملاقة تحجب مغارة عجيبة، يستطيعون ولوجها وإزاحة الصّخرة بترديد عبارة سحرية يردّدها جميع أطفال العالم، وباتت رمزا لتحقق المعجزات: افتح يا سمسم! وهنا يفتح العالم الذهبي أوسع أبوابه أمام علي بابا مناديا إياه ليغترف منه ما يخرجه من وحل الفقر،  فيستجيب له صاغرا دون أن نرى أثرا لضميره أو أيّة أمارة لذلك الشخص العفيف الطيّب الذي ظلمه أخوه المستبد قاسم، فيدخل المغارة ويبدأ في اغتراف الذهب وملء الأكياس ثم تحميلها على ظهر حماره. وببراءة الطّفل نعتقد أنه سيبلّغ عن اللّصوص وأَخَذ الذهب للجنود دليلا على صدق شهادته؟ أم تُراه سيوزعه على الفقراء الذين نُهب منهم سلفا. ثم نكتشف ما يكسر كل آفاق التوقع لطفل صغير بريء يفرق بين الناس بخير وشر، ولا يعرف بينهما منطقة وسطى، لقد أخذه للاستعمال الشخصي ولمصلحته الخاصة، وبكل راحة بال يرسل مرجانة لتحضر له ميزانا حتى يزن مسروقاته من بيت أخيه قاسم، التاجر الجشع، والذّي سيؤدي به ذلك إلى الهلاك فيما بعد. يزن مسروقاته من الذهب ويعمد إلى تخزينها وإخفائها عن الأعين وتشاركه مرجانة في ذلك طبعا، ثم تتوالى الأحداث وصولا إلى ذهاب قاسم ليغتنم من مسروقات العصابة أيضا بعد أن دلّه علي بابا على المغارة تحت طائلة الإلحاح والتهديد، فتصور لنا القصّة مشهد موت قاسم المأساوي الذي مزقته العصابة بسيوفها لأنه احتجز في المغارة لما نسي كلمة السر الأسطورية بسبب جشعه وطمعه اللا متناهي لسرقة الذهب من المغارة. أما علي بابا الحذق النبيه فقد سرق باعتدال وفي وقت وجيز وحافظ على رباطة جأشه ولم يغالبه طمعه وهو يسرق فلم ينس كلمة السر ونجا بنفسه في النهاية. لنقف هنا عند هذه الأحداث تحديدا وقفة متأمل متسائل ما القيمة التي تُمرر للطفل من خلال هذا المقطع، هل قاسم هنا هو الشرير الوحيد السّارق المارق وقد نال جزاءه كما يستحق وأبشع، وعلي بابا الرجل الخيّر الطيب تمكن من السّرقة بأمان ولم يصبه أي مكروه، لأنه كان يعرف تماما كيف يرضع من الذئبة دون أن تعضه1. ماذا نريد أن يتعلم أطفالنا؟ اسرقْ ما دمت تستطيع أن تهرب!

إذا كانت العصابة أربعون لصًّا فإنّ علي بابا هو اللص الحادي والأربعون، ضعفت نفسه وذهبت همته وتلاشت إرادته أمام تلك المغارة، حيث إنه يعلم يقينا أنها أموال منهوبة إما من فقراء الشعب وإما حكام البلاد وإما من قطع طرق التجار، لكنّه أكل أموال الناس بالباطل وجاريته التي تعينه على الاثم والعدوان ويستحلون ما حرم الله والأعراف والتقاليد، مرجانة تلك الجميلة المخلصة التي تتقد ذكاءً، استطاعت أن تفتك بأربعين رجلا وتحرقهم بالزّيت المغليّ وهم أحياء يرزقون! لأنهم جاؤوا لاستعادة مسروقاتهم التي سرقها علي بابا وتسترت عليها هي وزوجة قاسم. ها هي ذي قيمة أخرى تمرر بصمت: القتل. 

قصة علي بابا على جاذبيتها وعجائبيتها وسحرها فهي قصّة عنيفة؛ قائمة على السّرقة والقتل. جملة من الاعتداءات وقتل موصوف مع سبق الإصرار والتخطيط، تصوّر علي بابا على أنه بطل تخلّص من العصابة التّي أرهقت المدينة باعتداءاتها المتكررة؛ فينشغل القارئ بهذه البطولة التي تصدت للعصابة، ويسعد لنهايتها المحتومة. ولكنه في غمرة انتشائه يغفل عن العصابة الجديدة التي تشكلت في بيت علي بابا، عصابة مقابل عصابة رئيسها علي بابا فعل ما هو أشنع من فعلهم إنه لص ومعتد وقاتل وخارج عن القانون. تمرر هذه القصة للطّفل رسالة مفادها «النهب من الناهب جائز»، وتخلق في مخيلته نموذجا للبطل الخاطئ. كما وتُصدّر له قائمة من الأفعال سيعتقد أنها مقبولة ما دامت صادرة عن هذا البطل المحبوب للصغار والكبار. فليست المشكلة في القصة الخيالية الموروثة ولا في الأحداث العجائبية التي تعزز مخيال الطفل، بل تكمن تحديدا في صورة البطل. ومما لا يخفى على أحد أن الطفل في سن مبكرة يكون انقياديا، ولذلك وجب تربويا تحضير هذه الصورة التي تكون قدوة للطفل سواء في العائلة أو المحيط المساعد من قصص وأفلام وبرامج. وتسهم هذه الأخيرة بنحوٍ كبير في رسم تلك الصّورة التي تعزز نظرة الطفل عن القدوة أو البطل. 

هذا لا يعني أنني لا أقرأ لأطفالي قصّة علي بابا، بل على العكس هم يحبونها مثل كل أطفال العالم، ولكني أعدُّها فرصة جيدة لمناقشة هذه الأفكار فلا أدعها تمر مرور الكرام وتستقر بعقولهم، إذ عند الانتهاء من قراءة القصص لا بد من طرح بعض الأسئلة وتبادل الأفكار مع الطفل، مثل: 

  • ما رأيك في تصرف علي بابا؟ هل تراه مقبولا؟
  • هل كان يستحق قاسم ما حصل له؟ فيما يختلف عن علي بابا؟
  • ما الذي كان يجب على علي بابا فعله حين اكتشف مغارة الكنوز المسروقة؟
  • كيف كنت تتصور نهاية العصابة؟ هل من العدل قتلهم دون محاكمة؟  
  • هل يملك علي بابا الحق في مصادرة الكنوز المنهوبة ووضع حد للعصابة؟

وغيرها من الأسئلة التي من شأنها تحفيز دماغ المتلقي وتفعّل الناقد الداخلي لكل طفل، وتخلق عنده رؤية سليمة للأخطاء التي تصدر حتى عن الأبطال، وتعيد إليه فطرته السليمة التي تتشوه تدريجيا بفعل تأثير القصص والرسوم المتحركة والألعاب والفيديوهات وغيرها. 

 

1- عنوان رواية للكاتب الجزائري عمارة لخوص

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. رائع حقا بكل المعايير علينا إعادة النظر والتدقيق في كل ما يقدم لأطفالنا …بوركتي⁦❤️⁩⁦❤️⁩

  2. أحسنت التحليل أستاذة فطيمة..
    لقد شجّتني لأقرأ القصة مع أطفالي برؤية جديدة.
    قصة علي بابا،وكثير من النصوص القديمة والحديثة قد تعالج واقعا،لكنها تروّج لقيم دخيلة ومنبوذة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى