ما كان الذنبُ ذنبَك

The school of life


حجم الخط-+=

ترجمة: ابتهال زيادة

يكشف لنا قانون طريف في علم النفس أن الأطفال الذين يعاملهم أبواهم معاملة سيئة سيظلون يلقون اللوم على أنفسهم باستمرار بدلًا من لوم أبويهم على ما ألحقوه بهم. وسيكرهون ذواتهم بدلًا من كره أولئك الذين تسببوا بالإساءة في حقهم. يلاحظ الأطفال فورًا مشاعر النفور بقدر احتياجهم إلى مشاعر الحب. لا يفهمون سببًا من أسباب قسوة القلب إلا أنهم يشعرون كثيرًا بألمها. رغم ذلك، يصبحون في حاجة ماسة إلى تحديد شكل من أشكال التفسير السريع المبني بآليّة حدسية على أكثر الأشخاص إقناعًا لهم: أن يقنعوا منهم أنهم قد ارتبكوا غلطة ما.

– لماذا ماما منفعلة جدًا؟ 

لأنك ارتكبت غلطة. 

– لماذا بابا قاسٍ جدًا؟ 

لأنك ارتكبت غلطة. 

– لماذا لا تعاملونني بلطف. 

لأنك ارتكبت غلطة. 

– لماذا يفضلون أختي الصغيرة عليّ؟ 

لأنك ارتكبت غلطة. 

بعد مدة وجيزة من سيل هذه التهم، تصبح شخصياتهم بأكملها غارقةٌ في الشعور بالذنب: فهم  -بأساليب يسيرة بدائية لا حصر لها- ‘أشرار’. 

في عالم الكبار، تظهر قليلًا في بعض المواقف على طول المشوار آثار ذلك الشعور، حيث الإحساس بتلك الأقوال والأفعال الفظيعة التي لم تبدر قط. ما مدى دقة ذلك الجرم الذي ارتكبوه وانتقل وفقًا لتغير الأحداث الحياتية والمزاج العام السائد: فمثلًا في عصر الهوس الديني، كان الشعور بأنهم مذنبون في حق الرب ملازمًا لهم. وفي عصر الهوس البيدوفيلي، كان الخوف من إلحاق الأذى بطفلٍ ما ملازمًا أيضًا. ومع تسليط الأضواء على العنصرية كونها خطيئة عامة كبرى، جاء الخوف من العقاب بسبب إضمار مشاعر العنصرية. 

تتزايد مع المقربين المخاوفُ -الخوف من مضايقة الشريك أو جرح مشاعر الصديق أو الإساءة إلى موظف ما. كما أن هذا الخوف يتفاقم مع كل صداقة جديدة تتوطد، لأنه سرعان ما سيكتشف هذا الصديق “مساوئهم”، وسيتخلى عنهم ويرحل. ما يجعل الشعور بالذنب أمرًا يصعب التخلص منه: عدم القدرة على تحديد منشأه بالضبط. إنَّ المزاج المنتشر والمخيم عليهم عنوانه بوضوح: ”أنا المذنب” لأن الحالة المزاجية معرضة بنحوٍ مُعيّن للنزول عند الشعور بالوحدة؛ إذ يزدهر مع العزلة الشعور بالذنب (إلا أنه يتلاشى تمامًا مع الحب). وعندما يصل هذا المزاج إلى حدته، قد يتخيل المصاب أنه ينبغي له التوجه إلى مركز الشرطة وتسليم نفسه.  قد يكون هذا الخيال مريحًا حيث أخيرًا سيقول المصاب للضباط: أنا بغيض ومذنب لأنني ارتكبت أغلاطا كثيرة. فتكبل يدي المصاب في الأصفاد ويقاد إلى الزنزانة، حيث هناك أخيرًا، سيجد ضالته ويرتاح من التوتر المخيف. لا حاجة لقول ذلك، إذ لا طائل منه على أرض الواقع: لأن الطريقة الوحيدة لعلاج الشعور بالذنب هي تفكيك جذوره ولا شيء عداها، أن ندرك أننا مطلقًا لسنا بغيضين، بالأصح ألا نظل عرضة لذلك التخويف المجحف بحقنا. في نهاية المطاف نحن بحاجة إلى تحويل رغبتنا في جلد الذات- إلى الغضب مما حل بنا.

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى