ما الذي يجعل البلدات الصغيرة مثالية جدا لأدب الجريمة؟

قضيت معظم سنوات بلوغي في المدن الكبيرة التي كانت منزلي، بيد أني قضيت كثيرا من طفولتي في بلدة صغيرة. وقد ازدادت حدة التناقضات بين الاثنتين كثيرا على مدى العقود الماضية. يمكن أن تكون الاختلافات شاسعة ومنتشرة، ورغم صحة أن الناس هم أناس وأننا نشترك في أمور أكثر مما نختلف فيه، بغض النظر عن أين وكيف نعيش، فثمة حساسية ومجموعة من العادات في هذه المجتمعات المعزولة تجعلهم متباعدين، واحد بمعزل عن الآخر.
وسواء أكانت في ريف الدنمارك أو في المناطق الريفية للولايات المتحدة أو في الطرق الوعرة في اليابان، فإن البلدات الصغيرة قد تبدو واضحة أو أقل غموضا في الأقل. الجميع يعرف الجميع، العائلات غالباً ما تعود لأجيال عاشت في ذات البلدة، وتواريخهم، وانتصاراتهم، وفضائحهم، بل حتى ملابسهم النظيفة والقذرة تعدُّ كتبا مفتوحة. على عكس المراكز الحضرية، حيث يكون من السهل والشائع أن تضيع بين الجماهير، بسبب وجود أعداد كبيرة من الناس وهجرة الناس من وإلى المدينة، في البلدات الصغيرة يكون الاختباء أمرا صعبا. أليس كذلك؟
دائما ما أعجبتني البلدات الصغيرة وانجذبت تجاهها لتكون حاكية قصص. أرى أنَّ كل أنواع الأسرار الكامنة تحت تلك الأرض، بعضها متفجر وخطر، حتى إنه يصعب إبقاؤها في أماكن قريبة. أنا مندهشة من الطبيعة الدرامية المتأصلة في الضغط المتزايد للتوافق؛ وفي أن تكون ذا تفكير متشابه، سواء أكان ذلك يتعلق بالميول السياسية والقيم أو بسهولة من الاندماج.
تقع أحداث روايتي الاخيرة ‘الفتاة الغارقة’  في بلدة صغيرة، وهي جماعة عرقية ذات سكان مسلمون متماسكون. لقد أحببت أن أحفر بعمق في تعقد الروابط الأسرية والمجتمعية والافتراضات المضللة غالباً للغرباء، في حين نستكشف في الحين نفسه الطبيعة المترابطة للسكان، لنجد حقيقةً ذات حدين.
شعرت أثناء القراءة أن الشدَّ نحو أدب الإثارة والجريمة يحدث في بلدات صغيرة. فيما يلي بعض من مفضلاتي. أحثكم على قراءتها:

رواية الراسخة لكارين سلوتر.

البارعة كارين سلوتر هي واحدة من كتّاب أدب الإثارة المفضلين لديّ. دائماً ما أنبهر بخيالها المفعم بالحيوية وشخصياتها الإنسانية المتقدة، التي تستنشق الهواء وتأتي إلى الحياة.
سلسلتها “غرانت كاونتي” يقودها التوتر الذي شيدته بخبرة (كيف تفعل ذلك؟).
أحب كل جزء منها (قرأتها كلها – يمكنك البدء بالأولى أو حتى بدون ترتيب، ستتمكن من الالتحاق بسرعة) ولكن تبقى رواية الراسخة Indelible برواية ذات مكانة خاصة في نظري.
إن أزمة الرهينة التي تقلب سلسلة جرانت كاونتي تذكرنا على نحوٍمخيف بإطلاق النار الجماعي الذي يحصل حاليا بتكرار ومأساوية في الأخبار.
سوف تدمنها عندما تتعرف على الطبيبة الشرعية سارا لينتون وضابط الشرطة جيفري توليفر، وستستحوذ على اهتمامك مغناطيسيا حين تنتقل سلوتر في الزمن بين الماضي والمستقبل، من اليوم الأول إلى نهاية الكابوس الذي سوف يسيطر على سارة.

مواد حادة لجيليان فلين.

في حين أن السلسلة المحدودة الأخيرة لـ HBO كانت مقنعة بنحوٍ هل مذهل، فإن مواد حادة Sharp Objects هي قراءة لا ينبغي تفويتها. فالمتألقة جيليان فلين، تلعب دور الساحرة مع الناس ومجتمع Wind Gap في ولاية ميسوري.
ستشاهد انفجارا الأسرار مثل الحمم من تحت السطح. زيارتك لهذه البلدة الصغيرة ستأسرك وتصيبك بالقشعريرة. الرقص المخيف للأم وابنتها الذي يظهر في هذه الرواية المثيرة والمشوقة هو السحر الخالص.

الحكي الوحشي للويز پيني.

تعرف البلدة الصغيرة في كيبيك التي تعد موطنًا لسلسلة لويز Chief Inspector Gamache هدوءا وسكينة مما يجعلها المكان الأمثل لإيجاد العزاء والطعام المنزلي اللذيذ. لكن هذا الحال لن يدوم بعد هجوم عملية القتل تهز كل شيء وجميع الناس. البحث الملحّ عن الأدلة والأجوبة أمر مثبت، واستكشاف پيني لهذه البلدة الهادئة والمترابطة آسر جدا.

الكرز الأسود لجيمس لي بورك.

الأفضل في السلسلة النجمية لروبيكو، هنا نرتبط جيدًا بـ Dave، الذي أصبح الآن مخبرًا سابقًا لجرائم القتل، ويناضل من أجل إعادة التجمع بعد عملية القتل العنيفة لزوجته. في حين يحاول إدارة أعمال الصيد الخاصة به، وتربية ابنه مثل أي أب عازب، والابتعاد عن إدمانه على الكحول، فإن ديف روبيكو، البطل المدهش، سيتهم بجريمة مروعة تُكتشف في بلدته الصغيرة يعدها موطنه. هذه الرواية ستجعلكم مستيقظين ليلا.

الحقيقة حول قضية هاري كيبرت لجويل ديكر.

من أكثر الكتب مبيعا، “الحقيقة حول هاري كيبرت”،  هذه الرواية ذكية ومبهرة، ولن تتمكن من وضعها قبل إنهائها. تجري أحداثها في بلدة “نيو هامشير” الصغيرة، وتدور هذه القراءة الحيوية والمُرْضِية حول مؤلف شهير يعاني من قفلة الكاتب، يُسحب وهو يصرخ الى تحقيق في جريمة قتل حينما كان يحاول جاهدا العثور على صوته السردي والبقاء في الساحة. هذه رواية كبيرة تستحق أن تغرق فيها.