مأساة قراءة الكتابة المعاصرة عندما تكون كاتبًا معاصرًا

ويل سيلف 


حجم الخط-+=

ترجمة: مريم الدوسري

إنه تعذيب في نظري- نعم، حقًا إنه تعذيب. أفضل أن أعايش عاجلاً ألما جسديا عظيما على أن أتحمل هذا الألم النفسي. عمّا أتحدث؟ عن قراءة الأدب المعاصر بالطبع. في هذا المقال، آخر مقالاتي عن القراءة لـموقع Lit Hub، أود أن أتحدث عن القراءة من منظور كاتب. أنا كاتب- وأنا أقرأ؛ ولكن ما إذا كنت تعرف عملي أم لا، أو تظن أن لآرائي قيمة، ربما يكون أقل أهمية من تلك الآراء نفسها. أريد أن أقول شيئًا من قبيل «عندما يتعلق الأمر بعادات الكتاب القرائية، يوجد نوعان من الكتّاب» لأن وجود طرفين أو جانبين للأمر غالبًا ما يحفزنا… ما الذي تحفزنا له؟ قطعا لنؤكد لأنفسنا أننا الجانب المحق في هذه المسألة، وهذا ليس أمرًا مثيرًا للاهتمام على الإطلاق- أو حتى موثوقًا به. عندما يتعلق الأمر بعادات القراءة، فمن المحتمل أن يكون هناك من العادات بقدر ما هنالك من الكتّاب- ولكن بقول هذا في سياق ما سبق، يدهشني أقراني الذين يقضون قدرًا كبيرًا من وقت فراغهم في قراءة أعمال كتبها آخرون من أقراننا. (أو في الأقل: كما يزعمون- أن وحش الضغوط المستمرة للتسليع يظهر هنا ويجبرهم على التهليل لأعمال معاصريهم، وإلا لا يحق لأحد منهم الشكوى عندما تبقى أعماله دون تهليل). لكن التشبيه الذي يفسر موقفي شبه الراكد سيكون: القيام بالعمل المطلوب لجعل القراء يوقفون التكذيب -وهو بالتأكيد المطلب الأول للكاتب الروائي- وهو أمرٌ مرهق. تتمثل إحدى طرق التفكير في الأمر في أنه يتعين على الكاتب تقسيم نفسه نفسيًا إلى قارئ وكاتب مع الحفاظ على تجارة غريبة بين الاثنين: الكتابة كما لو كنت لا تعرف من هو هذا القارئ، والقراءة بالروح نفسها. ما ينطوي عليه ذلك هو نوع من الاغتراب الحيوي عن نفسك- ومن هذا، كما أزعم، إن الأهمية الحيوية اللازمة تظهر مطلوبة لجعل دعوات الحكم ضمنية في إنتاج نثر عالي الجودة. وأفضِّل وصفَ موقفي، شبه الجانبي، على أنه القيام بالعمل المطلوب ليعطل القارئ أحكامه المنطقية أثناء القراءة -وهو المتطلب الأول من كل من يكتب الأدب- وهو أمرٌ مجهد. يمكن أن نرى هذه المسألة على أنها تتطلب من الكاتب الانشطار نفسيًا إلى قارئ وكاتب والحفاظ على علاقة غريبة بين الاثنين: فيكتب الكاتب كما لو كان لا يعرف القارئ، وأن يقرأ وكأنه لا يعرف الكاتب. ما ينطوي عليه ذلك هو نوع من الاغتراب الضروري عن نفسك. وسأزعم أنه نتيجة لهذا الاغتراب تتبلور القدرة النقدية الضرورية لتحكم ضمنيا على جودة النص. 

وطريقة أخرى لتصور هذه الحالة الازدواجية هي أنها في حد ذاتها شكل من أشكال تعطيل المنطق: أنت تعرف جيدًا أن القارئ والكاتب هما الشخص نفسه: أنت. لكن على غرار الملكة الحمراء للويس كارول، فقد عززت عضلاتك الخيالية لدرجة أنه يمكنك تصديق ما يصل إلى ستة أشياء مستحيلة قبل الإفطار -بما في ذلك أن لديك كائنين منفصلين محصورين في عقلك، وكلاهما منخرط بشغف في الأدب. لكنه مرهق- هذا التعطيل، مرهق تمامًا مثل تعليق شيء مادي في الهواء فوقك. أفكر دائمًا في الفقمات- لا نراها تؤدي في السيرك بعد الآن، ولكن لدي ذكريات عن المخلوقات المسكينة محصورة في الحلبة، تُغرى بالأسماك لتعتلي منصة ستقعي عليها، وتوازن كرات الشاطئ ذات الألوان الزاهية على أنوفها الرطبة والمدببة. افترضْ أنك أنت الفقمة. (آمل أن تكون عضلاتك الخيالية قوية بما يكفي لترفع معرفتك بعكس ذلك عالياً). من المؤكد أن آخر شيء تريد القيام به بعد يوم شاق في السيرك هو مشاهدة فقمة مسكينة أخرى تفعل الشيء ذاته. هذا ما أشعر به عندما قرأت رواية شخص آخر بعد جلسة قضيتها في محاولة صياغة قصتي. خلّفتني التجربة بحس عميق من التعاطف مدركًا أن لنا ذات العضلات المشدودة ونتشارك الألم الدائم الذي تتخلله نوبات ألم حادة إن حاول زملائي البرمائيون كتابة شيء أكثر تكلفًا. هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك معاناة أخرى يمكن اكتسابها من تبني وجهة نظر القارئ (أو رواد السيرك)، دون أي تعطيل للمنطق. ماذا أعني بهذا، سيعرف أي شخص وقف في قاعة المسرح أثناء العرض أنه يمكن رؤية وجوه الجمهور تنتقل من خشبة العرض إلى أرضية القاعة غير مقتنعة بما شاهدته من مشاهد أنت تعرف أنها سمجة، ومشاعر يمكنك الجزم بتصنعها بالحكم على تعابير الممثلين المبالغ فيها وهم يغادرون خشبة المسرح. يبدو الأمر كما لو أننا طاردتنا الدببة -هذه هي رغبتنا في البقاء في الخيال، بدلاً من الوقوع مرة أخرى في شراك الواقع- لكن الكاتب، كما أجادل، مضطر إلى الالتزام بدقة بهذه الحالة المنقسمة: أن يعطل منطقه بسهولة، وأن ينهار تحت وطأة هذا المنطق. أهو الأدب المعاصر فقط ما يثير موقظا هذا الكابوس المنعكس كما لو في مرآة بداخلي؟ نعم، وأنا بالتأكيد لا أستبعد احتمال أن تكون غروري مرتبط بالأمر أيضًا. لأنه إذا كانت قراءة كتب معاصري تؤلمني -ويتفاقم هذا الألم بضغطين مقابلين- فإنه تتولد ردتا فعل عاطفيتان مزعجتان بالقدر نفسه. إن تسببت الفقمة بفوضى مريعة كإسقاط الكرة والزعيق بنحو مجنون أثناء انزلاقها الأخرق نزولا عن المنصة، فمن هذا الجانب، لا يمكنني تعطيل تفكيري المنطقي على الإطلاق، لأنني أمتلئ بسهولة شفقةً تجاههم، وتجاه نفسي، وتجاه كل من جرب حظه في الأدب. لكن من ناحية أخرى، إن كانت الفقمات توازن الكرة ببراعة -يلفونها، ويقلبونها، ويمسكونها بثقة فائقة- يغمرني أبشع إحساس بالحسد. في الأقل هذا ليس سيئًا مثل العبث الذي يمكن أن يشعر به المرء، مثلي أنا القارئ للأدب المعاصر، عند العودة إلى الكلاسيكيات التي قرأها من قبل، أو ما هو أسوأ من ذلك، قراءة أحد العظماء ممن لا غبار على سمعته أول مرة. مع هذه الأعمال، فإن مكانتهم يمكنها أن تُثقل القارئ، فلهذه الأعمال من الوزن ما يمكنه أن يهوي على القارئ ويسحقه بنصه المهول.

لا يسعني إلا التفكير في أن هذا -إلى جانب الاعتراضات السياسية الواضحة والمفهومة- هو الذي خلق الكثير من العداء ضد أمهات الكتب الأدبية: نوع من الاستياء المحموم الموجّه لأدباء يشعرون بأنَّ فرصَ مطالبتهم بشيء من التقدير من الأجيال القادمة واهيةٌ أمام حظوظ العمالقة الذين سبقوهم وضمنوا خلودهم. فلنواجه الأمر، حتى أفضل أعمال اليوم يَشُق عليها أن تصل إلى مكانة كلاسيكية. من الناحية الكمية المطلقة، هناك الكثير جدًا من الكتب المنشورة في الوقت الحاضر، فمن المنطقي أن نسبة الكتب التي يتوقع أنها ستقرأ خلال عقد من الزمان، ناهيك عن قرن، يجب أن تكون أصغر نسبيًا. وفي هذا السياق، عشت تجربة أعادتني إلى الواقع قبل عامين عندما اضطررت أنا وأولادي البالغين إلى إخلاء منزل العائلة القديم. عندما اشتريت أنا وزوجتي الراحلة المنزل في منتصف التسعينيات، كنت أظن فيه أننا مقبلون على “ذروة ورقية“. كنا نحن الصحفيون نشتري العديد من الصحف كل يوم، وكنا نتلقى دون أن نطلب العديد من مسوّدات لكتب جديدة كل أسبوع لنراجعها، وثمة المجلدات الموروثة مما جمعه الآباء، وتلك التي اشتُريت. ولأني عاشق للكتب (مقتنيا شَرِهًا لا ذواقًا)، كافأت نفسي حين بدأت أكسب دخلا معقولًا في الكتابة بقولي إني إذا أردت كتابًا، أي كتاب، فسأشتريه. رفضت زمنا طويلا التخلص من أي شيء -وأعني بأي شيء أن نسخة كتاب روزماري كونلي “حمية الأفخاذ والأرداف” التي مضغها الجرو وفقدت غلافها. كانت حجتي- ووفقًا لمقالي السابق حول ما يجب أن نقرأه -إن أطفالنا الأربعة يجب أن يكبروا محاطين بالأدب المختلط الذي كان يحيط بي. لن نضغط عليهم للقراءة، ولن نرفع من درجة الحرارة التربوية- بدلاً من ذلك، كانوا سيشربون النصوص لوجودها في حياتهم فقط لأنهم أينما ووجهوا أنظارهم في البيت وجدوا رفا مثقلا بالكتب. في النهاية، بعد نفاد مساحة الحائط، تمكنت زوجتي من إقناعي بالتخلص من النسخة المكررة من الكتب التي نملكها، ثم ظننت أننا سنبدأ بالتخلص من الفائض من الكتب، إلا أنه بحلول ذلك الوقت لم تعد الكتابة على الورق، بل على الشاشات، وأصبح من الواضح أنه لنحث الجيل الجديد على القراءة، لن يكون القرب الفيزيائي كافيًا لذلك. كان معيار الاحتفاظ بأي شيء أو رفضه هو: هل له قيمة دائمة؟ (بعبارة أخرى: هل استمرت بالفعل أو أننا اعتقدنا بثقة أنها ستستمر؟) أم هل كان أي منا يتوقع أن يقرأ ما يحفظ به خلال السنوات الخمس المقبلة؟ لم تكن العواطف معيارا جيدا للتفاضل، لا سيما بالنظر إلى أن كل كتب الثمانينيات وحتى التسعينيات ذات الأغلفة الورقية كان غراؤها قد تحلل وبدأت أوراقها بالتساقط. كنت أحسب بأننا طبقنا معايير الفرز إلى أقصى حد، ولكننا حين بدأنا العملية كانت هناك العشرات إن لم تكن المئات من الكتب التي لم تشملها هذه المعايير.

إنّ الوقت، كما لاحظ العديد من الأشخاص ذوي التفكير النقدي على مر السنين، هو أفضل حكم، وقد صدمت إلى أي مدى كان أداء معاصريي سيئًا، على وجه الخصوص، عندما تعلق الأمر بفرز الكتب. هل أردت قراءة هذه الرواية الحساسة عن نشأتي في ريف ويلز مرة أخرى؟ لا، لأنني نادرًا ما أتذكر أنني فهمتها في المرة الأولى. كلما استبعدت كتابًا كنت أزرع شجرًا مجازيًا عوضًا عن تلك التي قُطِعت ليصنع منها ورق الكتاب. كانت الفئة الوحيدة من الكتب التي عانت من تذبذب أكبر هي عدد كبير من الأعمال التي تهتم بروح العصر: تحليلات ذكية لهذه الثقافة الفرعية أو هذا الاتجاه، ومجموعات من المقالات الصحافة الفذّة التي لم تعد كذلك بمرور الوقت، ومذكرات السياسيين الذين صدأوا في كومة خردة التاريخ. حين أتذكر حقبة التصفية هذه (على النقيض من لمقال والتر بنيامين الشهير، «تفكيك مكتبتي») بشيء من الأسى، فذلك لأنها جعلتني أدرك شيئين: أولاً، إن فكرتي عما كان عليه أن يكون الأديب المثقف كانت مرتبطة بغرابة بالثوابت الكلاسيكية. قد أزدري الصورة النمطية لهذا الصنف من البشر ممن تجد في غرفهم الخاصة مرتدين بدلاتهم الصوفية بين أكوام من كتب جلدية الأغلفة، لكنني في الحقيقة اعتقدت بوجود نوعٍ من العلاقة التناضحية بين امتلاك كل تلك المجلدات، وكتابة المزيد منها، كما لو أن جوهر المعرفة الذي استُخلص بهذه الطريقة كان يعيق تدفق كلماتي. أعتقد أن النقاد الأكاديميين العصريين يطلقون على هذا « التناص». أما ثاني الأمرين اللذين أدركتهما فأنه مثلما كان الأباطرة الرومان يتلقون جوائز الانتصار مصحوبين بعبيد مكلفين بالهمس في آذانهم: «تذكر يا قيصر أنك فانٍ». لذلك يجب على كل كاتب، بغض النظر عن مدى تركيزه على هذا الرغبة وعلى الأجيال القادمة، الاعتراف بأن لأعماله مدة صلاحية محدودة، وأن يعترف بحتمية فنائه. وليس هذا فقط، ولكن أكثر الهواجس إقلاقا هو إمكانية استبدالهم بأعمال معاصريهم الذين جمعوا كتبهم للتو في صناديق وأودعوها متجر التوفير الذي تديره المؤسسات الخيرية. يجب أن أقول في حين إن هذه الحالة الذهنية لها بعض الجوانب الخالدة إلا أنني أشعر مع ذلك أنها حالة تولد عدم الارتياح. بوجود المزيد من الكتب والكتاب تزامنا فيما يتضح في وجود عددٍ أقل بكثير من القراء الجادين، فمن المؤكد أنه سيقل عدد القراء أكثر في الأجيال القادمة. لقد لاحظت بالفعل أن جيلي من الكتّاب يبدو، مع بلوغنا الستينيات من العمر، أقل شهرة بكثير من أولئك الذين سبقونا بنصف جيل. يجب أن يكون هذا، ولو في جانب منه، دليلا على التحولات الأيديولوجية المرحب بها على أي حال من الأحوال: الحاجة إلى إتاحة الفرص لمن حرموا منها سابقًا، ولكنها تظل أيضًا انعكاسًا لثقافة لم يعد فيها للأدب مركز الصدارة (أو شاشة الصدارة).

لستُ بحاجة إلى معتزل الكتابة في يادو، أيها القارئ،  فعلى مر السنين، أصبحت الآن عقودًا، أنشأتُ العديد من مستعمرات الكتّاب الصغار التابعين لي: أكواخ معزولة مستأجرة أو مستعارة، وغرف فندقية وشقق مؤثثة في مدن بعيدة التي كنت أحبس فيها نفسي للكتابة في عزلة. اعتدت السفر كثيرًا إلى مانشستر في شمالي إنجلترا، حيث وجدت الجو -ليس لأنني عايشته كثيرًا- مناسبًا بنحو خاص لهذا المشروع. بعد ظهر أحد الأيام، أخذت استراحة من الكتابة لأدخن على الشرفة، وبينما كنت هناك إذ انضم إلي من الشرفة المجاورة رجل أصغر مني بعشر سنوات. وأثناء تدخيننا معا، تعرف علي الرجل وداعب غروري بقوله: «هل تعلم، أنا مندهش تمامًا من مقابلتك شخصيًا، لأنني قرأت رواية لك عندما كنت شابًا وكان لها تأثير عميق حقًا علي». إني إنجليزي بما يكفي (أنا نصف أمريكي) لأنني عانيت من بعض الإحراج خلال الدقائق التالية من تلك المحادثة، حيث عانى مريدي لتذكر أي مما يلي: عنوان الرواية، وما الذي كانت تدور حوله، وما كان تأثيرها عليه بالضبط. حاولت مساعدته بعض الاقتراحات، لكنها لم تساعد كثيرًا أيضًا، لذلك أعتقته من بؤسه: «حقًا، لا يهم. الشيء المهم هو أنك قرأت واستجبت للأدب، وليس لأنني كتبته». لم أقصد ذلك عندما قلته، ولكن عند التفكير في تلك الحادثة، أظن أن ما يهم هو ما نساهم فيه، من كتّاب وقرّاء، هم خلق عمل جماعي: لحاف رائع يُضيف إليه كلٌّ منا رقعةً أصلية لتغيَّر ما نُسجَ في اللحاف أولَ مرة. إن لم تكن روايتي هي التي ألهمت هذا الرجل، فربما كانت رواية شخص آخر، من المحتمل جدًا أن تكون واحدة من اللاتي أرسلتها دون تردد إلى متجر التوفير. ما أحاول قوله هو أنه ما من «ملذات مذنبة» عندما يتعلق الأمر بالقراءة- حتى لو كانت القراءة صنعتك: اقرأ ما تحب أبيتَ اللعن- الجميع يفعل ذلك. علاوة على ذلك، كما أظن أن ما قلته سابقًا يوضح أننا كلنا نميل إلى نسيان الكثير مما نقرأه على أي حال. يوضح هومر سيمبسون هذا ببلاغته المميزة: «في كل مرة أتعلم فيها شيئًا جديدًا، فإنه يدفع الأشياء القديمة إلى خارج عقلي». ومع ذلك، أود أن أقول فيما يخص كاتب الأدب فإن الجودة لها بالتأكيد قدر خاص. قد يحاول معلمو الكتابة الإبداعية غرس مبادئ التخطيط في طلابهم، ومحاولة شرح التمهيد العظيم لتطور الشخصية، أما لأولئك الذين قرأوا مئات -أو آلافا- من الروايات، فإن هذا التحليل الشكلي بديهي تمامًا. لقد أمضيت إلى حد كبير العشرينات من عمري مستلقيًا على السرير أقرأ روايات المعتمد الغربي (كما عُرفت آنذاك)، ولست نادمًا على ذلك إطلاقا. 

بالطبع، يمكن أنك حين بدأت بقراءة هذا المقال، لم تكن تبحث عن تأملات روائي له صيته عن علاقته المعقدة مع أقرانه، وقلقه حيال أثره، ولكن بدلاً من ذلك، كنت تقرأ من أجل قاعدة تساعدك على القراءة بغرض البحث. لقد أجبت عن جزء من هذا السؤال: لن يعلمك أي قدر من استيعاب التشبيهات التي يستخدمها الآخرين كيف تكتب تشبيهاتك. (أو في الواقع ساعدك على تجنبها، على غرار كافكا، تمامًا). فيما يتعلق بالقراءة البحثية، بخلاف العموميات الجريئة التي يمكن الحصول عليها بسهولة من الأعمال المرجعية الواضحة، في تجربتي، فإن مفتاح إنتاج الأعمال التي لها نفحة من الواقعية على الرغم من اختلاقها هو العثور على تقنية سرد غامضة للمواقف والأحداث من منظور الراوي وسرقتها بدقة. اعتاد الشاعر و. هـ. أودن أن يكتب “ص. س.” في هوامش الكتب ليعني بذلك أنه وجد شيئًا “صالح للسرقة”.

 

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى