قوَّة الموسيقا في أعين الأدباء

كتابة: ماريا بوبوفا


حجم الخط-+=

قوَّة الموسيقا في نظر سوزان سونتاج، كورت فونيجت، إدنا سانت فينسينت ميلاي، فريدريك نيتشه، آرثر شوبنهاور، فرجينيا وولف، فيكتور هوجو، ألدوس هكسلي، آناييس نين، والت ويتمان، أوليفر ساكس.

ترجمة: مريم الخطيب

قال إيغور سترافينسكي ذات مرة: “الموسيقا أفضل وسيلة لدينا لتمضية الوقت” ملاحظة: (غالبًا ما تنسب تلك المقولة خطأً إلى دبليو إتش أودن). وكما قال مورلي الحكيم الرائع “إن الموسيقا هي صوت الأمواج المنبعثة من أرواحنا”.

درس علماء النفس سبب استفادة الدماغ من الموسيقا أكثر من أي نشاط آخر، وكيف تبهج الموسيقا الدماغ. تسمو الموسيقا بالروح ويتجلى تفوقنا الإنساني بها، تماما مثلما أرسل كارل ساجان السجل الذهبي The Golden Record للفضاء الخارجي ليكون تمثيلًا صادقًا لحضارتنا. 

جمعنا هنا تأملات بديعة وغير مألوفة على مدار أعوام من القراءة لأعظم كتاب العالم حول القوة الفريدة للموسيقا، فاستمتعوا بها.

سوزان سونتاج

أمضت سوزان سونتاج غالبية حياتها في سن الرشد تقرأ من ثمانٍ إلى عشر ساعات يوميا، ولم تَقلُل عن أربعة ساعات، واقترن حبها الشديد للأدب بمحبتها المتساوية للموسيقا. قدمت لنا سونتاج في شبابها مجلد يوميات مذهل تتحدث فيه عن نمو شخصيتها في الفن، والزواج، وعن أربعة أشخاص مقدر لهم أن يكونوا كتّابًا عظماء، وواجبها لتحقيق شيء في سن العشرين. عثر عليها في Reborn: Journals and Notebooks، 1947-1963. تكتب في المقدمة في سن الخامسة عشرة: “إن الموسيقا أروع الفنون وأكثرها حيوية في آن واحد، إنها أكثر الفنون تجريدًا، وكمالًا، ونقاءً، وحسية. أستمع بجسدي للموسيقا فيتألم استجابة للعواطف والانفعالات التي تتجسد في هذه الموسيقا”.

كورت فونيجت

كتب في آخر سلسلة مقالات بعنوان رجل بلا وطن عن سبب حصافته في حبكة قصصه، وكانت الموسيقا أهم الأسباب. يقول: «جعلت الحياة جديرة بالاهتمام تقريبًا لي».

جمع مشاعره تلك في جرعة مركزة من الإستهزاء الساخر وقال: “لا سمح الله، إن قدر لي الموت، فلتكتبوا على ضريحي: الحجة الوحيدة التي يحتاج الرب إليها ليثبت وجوده هي الموسيقا”.

إدنا سانت فينسينت ميلاي

توضح الشاعرة إدنا سانت فينسينت ميلاي نقطة مشابهة تماما، ففي رسالة جميلة سنة 1920 إلى صديق لها، وجدت في رسائل إدنا سانت فنسنت ميلاي، كتبت ميلاي البالغة من العمر 28 سنة: “يمكنني أن أصفِّر تقريبًا السيمفونية الخامسة بأكملها، وأتنقل في المقامات، فعزاني ذلك عن ساعات من الأرق. يجيب هذا عن كل أسئلتي، إنها الشيء النبيل العظيم، إنها لروحي «مراعي خضراء ومياه جارية»، يجب علي أن أتمنى الموت إن عشت من دون الموسيقا . أرجو أن يسامحني سويت باترون ميوز إنْ قلت إنَّ حتى الشعر لا يضاهي الموسيقا. مؤخرا بدأت أصابعي تؤلمني لاحتياجها للبيانو، فيجب علي ألا أقضي شتاء آخر بلاه. في الليلة الماضية عزفت لما يقرب الساعتين، للمرة الأولى منذ عام على ما أظن، وعلى الرغم من أني نسيتُ معظمَ ما تعلمته تقريبا فما زلت أدرك أنه يمكنني تذكُّره إنْ امتلكتُ الشجاعة على ذلك. أليس الناس كسالى؟ لقد نسيت ما تعلمته في عشر سنوات مع حبي للموسيقا لا لشئ إلا لحماقتي. كل ماتذكرته هو باخ. لم أنسَ باخ قطُّ. لم أعلم ألبتة لم أحببته هو بالذات، ربما لأنه نقي جدا، لا يهاود، ولا يفسد، تماما مثل مبدأ في الهندسة”.

فريدريك نيتشه

لم يصور أحد القوة الحيوية للموسيقا بنحو مَرضَي عجيب أكثر من فريدريك نيتشه. وفي قول مأثور من كتابه أفول الأصنام سنة 1889، أو كيف تتفلسف ممسكا مطرقة، يشير إلى:

الحياة غلطة بدون الموسيقا.

أراد نيتشه من قوله ذاك أن يجعلنا نشعر بقوة الموسيقا التي تحيي الناس، وأوضح نيتشه في نبذة من حياته دُوِّنت في كتاب رائع لجوليان يونغ: فريدريك نيتشه، سيرة فلسفية: “وهبنا الله الموسيقا حتى يقودنا قبل كل شيء للرقي، فالموسيقا تجتمع فيها كل الخصال: نسموا بها، تسلينا، تبهجنا، أو تحطم أقسى القلوب بنغم ناعم كئيب. لكن تظل مهمتها الرئيسة هي السمو بفكرنا، لنرتقي، وحتى لجعلنا نرتعد… غالبا ما يكون الفن الموسيقي بلغة تتغلغل عميقا حتى تصل إلى أعماق قلوبنا المخفية أكثر من الشعر حتى… ترفع الأغاني من كياننا وتقودنا إلى الخير والصدق. ومع ذلك، تفقد الموسيقا معناها وتصبح مضرة إذا رَمَت للتسلية فقط أو استخدمها الناس للتباهي بعبث”. 

آرثر شوبنهاور

كان لآرثر شوبنهاور تأثيرٌ كبير على نيتشه ابن بلده. وجد في المجلد الأول من أعماله الرائعة، The World as Will and Representation سنة 1818 حول بحثه عن قوة الموسيقا، ما كتبه شوبنهاور: “إن الموسيقا… في كفة وباقي الفنون في كفة أخرى، لا نُميِّزُ فيها أيَّ نسخ أو تكرار لأي فكرة في طبيعة العالم الباطنية. ومع ذلك فهي فن رائع ورائع جدًا، تأثر في الطبيعة العميقة للإنسان بشدَّة، وهو بدوره يفهمها تمامًا ومن أعماقه على أنها لغةٌ عالمية تمامًا يبزُّ وضوحُها عالمَ الإدراك نفسه، يتعين علينا بالتأكيد أن نبحث فيها أكثر من كونها ممارسة غير واعية لا تُدركُ عقولنا أننا نُمارسها. وكما قال عنها ليبنيز: يجب أن نعطي للموسيقا أهمية وجديةً أكثر، لأنها تحادث كائنا عميقا بداخلنا وفي العالم أجمع”. 

فرجينيا وولف

وجدت فيرجينيا وولف نوعًا مختلفًا تمامًا في أوائل العشرينات من عمرها لرفعة الموسيقا. في مذكرات مطولة سنة 1903 بعنوان «رقصة عند بوابة الملكة» من A Passionate Apprentice: The Early Journals، 1897–1909 تروي الكاتبة البالغة من العمر 21 سنة التأثير المسكر الخاص لموسيقا الرقص (التي تضمنت في ذلك الوقت آلة الكمان) خلال ليلة صاخبة في المدينة: “لموسيقا الرقص حسب تأثير خاص: تُثيرُ بعضا من الغرائز البربرية المكبوتة الكامنة في حياتنا الرصينة، تنسى بها قرونًا من الحضارة في ثانية، والاستسلام لهذا الشغف الغريب يجعلك تذرع الغرفة ذهابا وإيابا غافلا عن كل شيء سوى أنك يجب عليك الاستمرار في الرقص مع الموسيقا، تلفُ وتلفُ في دوامات الكمان. يبدو الأمر كما لو أن تيارًا سريعًا من الماء جرفكَ معه. إنه سحر الموسيقا”.

فيكتور هوجو

أشاد الشاعر والروائي الفرنسي الرومانسي والأديب المسرحي العظيم فيكتور هوجو بالفاعلية الفريدة للموسيقا بإيجاز رفيع. في مقدمة دراسته سنة 1864 عن الذين عدَّهم “أعظم العباقرة في التاريخ” والتي عنونت خطأً “وليم شكسبير”، كتب: “تعبِّرُ الموسيقا عن ذلك الذي لا يمكن وصفه بالكلمات ولا يمكن السكوت عنه”.

ألدوس هيكسلي

يبدي ألدوس هيكسلي وجهة نظر تكميلية في مقال رائع بعنوان The Rest Is Silence (مسرحية The Rest Is Noise  من مسرحيات أليكس روس الممتازة) موجودة في مجموعة 1931 الرائعة Music at Night and Other Essays: “بعد السكون الموسيقا هي الأقرب لوصف ما لا يمكن وصفه (…) عندما كان لا بد من وصف ما لا يمكن وصفه، ألقى شيكسبير قلمه وطلب عزف الموسيقا”.

آناييس نين

ربما تعد مذكرات آناييس أكثر المذكرات غزارةٍ وتفانٍ في كل العصور، بدأت الكاتبة الفرنسية الكوبية آناييس نين كتابة مذكراتها في سن الحادية عشر واستمرت حتى وفاتها عن عمر يناهز 74 عاما، فكتبت ستة عشر مجلدًا نشرتها في مجلات تأملت فيها مواضيع متنوعة وخالدة كالحب، والحقوق الإنجابية، وطبيعة السعادة صعبة المنال، ومعنى الحياة، وكيف أن الانغماس في العواطف هو جوهر الإبداع. في مقدمة المجلد الخامس في مذكرات آناييس نين الذي يقدم لنا تأملات آناييس السامية في غير المألوف، كتبت: “الجاز هو موسيقا الجسد. ينفخ في الساكسفون النحاسي، بأنفاس تخرج من الجسد، تنتحب الأوتار وتصدر أنينا يعبر عن أصداء موسيقا الجسد. تصدر من الأصابع موجاتٌ ناتجة من ترددات صادرة من الجسد. أما سر الألحان فمحجوبة عن سوى عازفي الجاز حسب،  تماما مثل أسرار حيواتنا. ما نرتجله أمام الناس ليس إلا قشور”. 

والت ويتمان

كتب والت ويتمان في مقالته الخالدة والمناسبة جدا لزمنه في ستينيات القرن التاسع عشر، آفاق الديمقراطية، والموجودة في المكتبة الأمريكية في مجلد والت ويتمان: الشعر والنثر: “إن الموسيقا هي الجامعة لكل الصفات فلا شيء أكثر روحانية، ولا أكثر حسية منها، أنها إلهة، أو إنسان كامل، سامية، تسود لتحتل المراتب الأولى، وتوفر ما لا يمكن لأي شيء آخر توفيره”.

أوليفر ساكس

بعد مضي ما يقرب من قرن ونصف أمسكَ أوليفر ساكس بغذاء الموسيقا الروحاني السامي في كتاب Musicophilia: Tales of Music and the Brain، وبحث فيه عن مصدر قوة الموسيقا. كتب دكتور ساكس  متأملا أقسى لحظات الروح البشرية -الأيام التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر-: “في أثناء نزهتي لحديقة باتري الصباحية بالدراجة، حينما اقتربت من قمة مانهاتن سمعت موسيقا فرأيت شابا يعزف مقطوعة لباخ على كمان، والناس صامتون حوله يستمعون ويحدقون إلى البحر فانضممتُ إليهم. وعندما انتهى العزف تفرق الحشد بهدوء، كان من الواضح أن الموسيقا قد عزتهم عزاء عميقا ، بطريقة لا يمكن أن تفعلها أي كلمات. 

الموسيقا متفردة بين كل الفنون. إنها فن تجريدي وعاطفي لا تمثل عالمنا المحسوس الخارجي، ولكن لديها قدرة فريدة للتعبير عن الحالات أو المشاعر الداخلية. تدخل القلب مباشرةً، ولا تحتاج إلى وساطة. ليس علينا أن نعرف أي شيء عن مأساة ديدو وإيناس حتى يتأثر برثائها له؛ كل شخص فقد عزيزا يعلم جيدا ما حاولت ديدو التعبير عنه. وأخيرا، ثمة مفارقة عميقة وغامضة هنا، لأنه حينما تُحزنُ الموسيقا المرءَ وتؤلمه كثيرا فهي تواسيه وتعزيه أيضا”.

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى