فن مراجعة الكتب
ذكاء غير محدود لكتاب "نصائح للمراجعين النشء"
مايكل ليند
ترجمة: بلقيس الكثيري
عندما كنت أكتب كتابي الأول، أسدى المحرر إليّ نصيحة بأن أضع كل ما أريد أن يكتب عنه القراء مراجعةً في أول الفصول وآخرها، لأن هذه الفصول هي الوحيدة التي يقرأها معظم المراجعين. وفي السنوات التي تلت ذلك اكتشفتُ أن معظم الاقتباسات التي يقتبسها المراجعون من كتبي تكون من الفصلين الأول والأخير. في الكتب غير الروائية على الأقل، يميل المراجعون إلى تصفح الجزء الأوسط تصفحًا سريعًا، وقراءة ملخصات المناقشات في البداية والنهاية. وما هذه إلا جناية واحدة من العديد من الجنايات في حق المؤلفين التي يرتكبها الكثير من المراجعين مع إفلاتهم من العقوبة. تخدم معظم عناصر فن مراجعة الكتب هدفًا يتمثل في جعل المراجع يبدو أكثر ذكاءً أو اطلاعًا من المؤلف الذي يخضع عمله للمراجعة. هناك عنصر المحور الذي أُغفلَ: “رغم كل المزايا التي يتمتع بها هذا الكتاب فإن هذا الكتاب الذي يتحدث عن القطب الجنوبي أغفل النقاش عن أي شيء يتعلق بالقطب الشمالي”. وعنصر الكتاب الذي يفترض بالمؤلف كتابته: “من خلال التركيز على القطب الجنوبي، أضاع المؤلف فرصة مناقشة الموضوع الأكثر أهمية؛ متمثلًا في: خط الاستواء”. يمتد عُمر مثل هذه الحيل لمراجعة الكتب وغيرها إلى قرون خلت. ويبرهن ذلك كتاب “نصائح للمراجعين النشء” لمؤلفه إدوارد كوبلستون (عام 1807). يستحق إدوارد كوبلستون (1776-1849) ، الذي شغل منصب مدير جامعة أوريل ، وأكسفورد وأسقف لانداف، أن يُذكر لمقاله الساخر الذي نشر في عام 1807. وقد بدأ كتابه “نصائح للمراجعين النشء” بأسلوب بطولي ساخر:
“أنت الآن على وشك الدخول في صنعة تتمتع بوسائل لجلب الخير إلى المجتمع ، وقلّما يكون فيها أي نية لإلحاق الأذى. قد تشجّع عبقريًا، قد تؤدب متغطرسًا ، وتكشف باطلًا، وتصحح خطأً، وتوجه ذوق العامة وآرائهم بدرجة لا يستهان بها عبر الكتب التي تشيد بها وتوصي”.[1] أتبع كوبلستون ذلك بملخص حول الهدف من مراجعة الكتب من وجهة نظر المراجِع الخاصة، فكتب:”كما هو الحال في إدارة الحياة لا بد من وجود مبدأ مهيمن ومنظم لسيرها؛ مبدأ يجب أن تخضع له جميع المبادئ والدوافع الأخرى، لذلك في فن المراجعة سأضع قاعدة أساسية – يجب ألا تغيب عن ذهنك، ويجب أن تكون العامل الرئيس في انتقاداتك – اكتب ما سيباع”. يؤدي اتباع هذا المبدأ إلى تقديم مزايا رائعة لمراجعي الكتب: “على وجه الخصوص سيخفف كثيرًا من العبء عليك لتتبع الذوق العام، بدلًا من تحمّلك مسؤولية توجيهه”.
إن هدف إرضاء القراء عوضًا عن توجيههم “لا يحتاج إلى إجراء أبحاث وتجهيزات متعبة، فقد يتأثر بنحوٍ عام بالقليل من حيوية الأسلوب…”.
“في الواقع إذا اخترت خطة المراجعة الخاصة بك، فمن الأفضل ألا تتورط في أعمال البحث العميق والافتراضات الأصلية، تلك التي تحوز الانتباه، ولا يمكن تناولها بنحوٍ سطحي دون أن تُكتشف. إن الزمن اللازم لأن تحيط بموضوع ما لدرجة الإتقان ليس بالقصير ولو اعتمدت عليه فلن يُدفعَ لك أبدًا مقابل المراجعة”.
بمقتضى الحال الآن إن جزءًا من فن المراجعة يتضمن إقناع القارئ بأن المراجع يعرف أكثر من المؤلف. وقد كتب كوبلستون “جداول المحتويات والفهارس وسائل مساعدة في يد المراجع، وكذلك المقدمة. “إذًا هنا ثمة صندوق ثروة للمراجع ملقًى على السطح؛ إذا كان يعرف عمله حق المعرفة، فسوف يحول كل هذه المواد ضد المؤلف، ويمحص مصدر معلوماته تمحيصًا دقيقًا كما لو كان يستمدها من مراكز التخزين في ذهنه، تلك المعلومات التي تراكمت منذ مدة طويلة لهذا الغرض بالذات. إذا كانت مَرَاجع المؤلف صحيحة، فقد اكتسب نقطة رائعة في صالحه؛ لأنه من خلال مراجعة بعض المقاطع من الأعمال الأصلية، سيكون من السهل مناقشة الموضوع في إطار من المعرفة الكاملة المسبقة”.
الحيلة الأخرى وفقًا لـ (نصائح للمراجعين النشء) الإشادة بالشيء المعاكس لما قام به المؤلف: “أي عندما يمتاز العمل بمزية ما، يمكنك أن تنتقد المؤلف لعدم قيامه بالعكس.. بغض النظر عما يفضله المؤلف، ستكون هذه إشارة لك لتنطلق في مدح النقيض لما قدمه، وتقديمه إلى قارئك نموذجًا للتميز في هذا النوع من الكتابة “. يفضل المُراجع الداهية النقد لا الثناء على الكتب؛ لأسباب عديدة على رأسها: أن هذا التوجه أسهل ويباع على نحو أفضل. بدلاً من التصرف كالقاضي المحايد، على المراجع أن يأخذ دور المدعي العام الذي يستجوب الشاهد: “يجوز له أن يعلق -في نطاق من السخرية المقبولة- على مهنته، وطريقة حياته، أو شكله، أو لبسه، أو حتى اسم الشاهد الذي يستجوبه: عندما يفلح في إثارة شعور الازدراء في أذهان مَن بالمحكمة، يستطيع المضي قدمًا في الحصول على إجابات منه تؤهله للتحوّل إلى منعطف مغاير، وبإمكانه أن يشذبها ويغربلها حسب رغبته”.
يختتم كوبلستون (نصائح للمراجعين النشء) بـ “مثال فني” في شكل مراجعة مجهولة لقصيدة جون ميلتون لالگرو [2]، بتركيبها المسلي لكوبلستون، الذي كان يعمل أستاذ الشعر في أكسفورد عندما نشر المقال. بعد مقاطع ساخرة من قصيدة ميلتون، يخلص المراجع النموذجي لكوبلستون إلى:
“على العموم، يبدو أن لدى السيد ميلتون بعض الهوس والموهبة بنظم القافية؛ وهما من أخطر الهبات التي غالبا ما تكون غير ملائمة لأن يقوم الرجل بدور فاعل في الحياة، دون تأهيله لما هو عظيم ورائع. إذا كان ما سمعناه صحيحًا حول رفضه فرص مفيدة في مجال الأعمال التجارية من أجل الانغماس في الفكاهة الشعرية ، نأمل ألا يكون قد فات الأوان لأن يتراجع عن قراره. قد يصبح كاتبًا محترمًا بمساعدة من كوكر، ولكن الرياح الغربية[3]، وأوقات الفجر[4] وكوردون وتيرسيز[5]، وملكة ماب الخادعة والعفاريت المتعبة[6]، لن تجعل منه شاعرًا”.
يقدم كتاب (نصائح للمراجعين النشء) هذه المراجعة المستنكرة لقصيدة ميلتون نموذجًا للمراجعين الطموحين لأنها تُظهر معظم تلك السمات التي خيبت أمل المؤلفين المتذمرين منها، تحت مسمى التهكم والغطرسة والغرور والتشويه والإساءة. إحباطات ستعدها مجرد اعترافات بالنجاح في مهمتك، ومعايير غير قابلة للخطأ لأجل شهرة مؤكدة وتداول سريع متزايد”. نفذت طبعات هجاء كوبلستون الرائعة منذ أمد، لكن يمكن شراء نسخة منها على الطلب. أما أنا فقد وجدتها في طبعة المنشورات الشهيرة [7] (1886) التي حررها هنري مورلي. يجب أن يبادر أحد الناشرين بإصدار طبعة جديدة للقرن الحادي والعشرين من كتاب “نصائح للمراجعين النشء” الذي يستحق مراجعته على نطاق واسع.
مايكل ليند: كاتب في موقع The Smart Set ، وهو عضو في مجلة أمريكا الجديدة New America في واشنطن، مؤلف كتاب “أرض الميعاد: عن التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة”.
[1] مقتبس من كتاب Advice To A Young Reviewer الصفحة الأولى.
[2] L’Allegro
[3] Zephyrs
[4] Auroras
[5] Corydon, and Thyrsis
[6] كل ما سبق مفردات وردت في قصيدة لالگرو
[7] Famous Pamphlets