فرانسوا رابليه

Great Writers


حجم الخط-+=

ترجمة: مؤمن الوزان

كان رابليه كاتبا، وطبيبا، وعلّامة، وقسا، ومفكرا كبيرا في القرن السادس عشر في فرنسا. وأصبح اسمه مرادفا للفكاهة والسخرية نتيجةً لأهم أعماله، غارغانتوا وبانتغرويل.

وُلِد فرانسوا رابليه في أواخر القرن الخامس عشر في شينون، ابنًا لفلاح ثري ومالك أرض في منطقة الخمر في تورين. توصف هذه الأرض بالكامل في مغامرات بطله العملاق، غارغانتوا، والذي تجري معاركه مع جاره الغاضب بيكروكولي عبر الحقول والجداول والقلاع العظيمة المحيطة بمنزل طفولة رابليه.
درس رابليه القانون في بداية القرن السادس عشر، لكن بعد أن التحق بدير الفرانشسكي في لا باومي، ونهل من الأوامر المقدسة في مدينة بويتو، شعر بالكره تجاه الفرانشسكيين لمنهجهم التعليمي التقليدي ضيّق الأفق. انجذب رابليه عوضا عن ذلك إلى النهضة الإنسانية (مسار فكري وُجِد من خلال العودة إلى الأفكار الكلاسيكية)، وضمّ صوته إلى صوت الطلبة الذين كانوا يستخدمون الترجمات الجديدة للمخطوطات اللاتينية والإغريقية ليدعموا تعليم الفلسفة التنويرية على نحو أوسع وأكبر. كانت تحليلاتهم للنص في المخطوطات القديمة تضع الأُسُس للترجمات الحديثة للكتاب المقدس. بيد أن ديره الفرنسي عدَّ شغفه باللغة الإغريقية هرطقةً ويُحتمل أن يضم بين جنباته تبنّيًا لأفكار خطرة. 

مُنح رابليه إعفاءً من البابا كي يستمر بدراسته في دير البينديكتين، لكنه نقض عهده عام 1530 وانتقل إلى جامعة مونبلييه ليدرس الطب. رُزق رابليه بطفليه من امرأة مجهولة الاسم، ويُحتمل أنهما ولدا في هذه المدة. وُظِّف بعدها طبيبا في مستشفى ديو-هوتيل في ليون، واستند في علاجاته إلى ترجماته الخاصة لأعمال غالين وهيبوقراطيس، وأشيد به لاعتنائِه بضحايا الموت الأسود (الطاعون). 

أجندة النهضة 

عاش رابليه في أوقاتٍ هائجة. قادت الحرب الفرنسية الطويلة ضد الإمبراطور الروماني المقدس تشارلز الخامس حول الأراضي الفرنسية في إيطاليا إلى هزيمة مُذِلّة عام 1525، حين أُلقي القبض على فرنسيس الأول، وأُجبر على دفع الفدية. تزامن كذلك صعود الإنسانوية مع حركة الإصلاح في ألمانيا، وشَجَبت المنشورات في الشوارع الفرنسية تعاونَ الكنسية والممارساتِ الكاثوليكية التي كان له تداعيات عنيفة، كما في اتهام اللوثريين بالهرطقة وحرقهم بعد ربطهم بالأوتاد. دارت بعدها عجلة التغيير بسرعة في العالم، وبدأ رابليه بكتابة الحكايات التي لم تكن لها أي صلة بآداب القرون الوسطى. ارتبطت قصصه بمغامرات اثنين من العمالقة: غارغانتوا وابنه بانتغرويل. نشر رابليه عمله “بانتغرويل” (العنوان الكامل: الأعمال الشنيعة والمرعبة وكلمات المجدد بانتغرويل الشهير، ملك دبسوديس) في عام 1532 تحت اسم مستعار، وهو ألكوفريباس Alcofribas نصير (إعادة ترتيب لاسم رابليه Rabelais) وأتبعه بنشر عمله “غارغانتوا” عام 1535 (الحياة المذهلة لغارغانتوا العظيم). ازدحمت حكاياته بالفُحش وغالبا بالفكاهة الخرائية (دعابات مرتبطة بالبراز Scatological Humour): بعض الفصول مملوءة بقوائم من الشتائم المبتذلة، وبعض الشخصيات أُعطيت أسماء فظّة، وعناوين الفصول نفسها إشارة لحسِّ رابليه الفكاهي (كيف أدرك غراندجوسي ذكاءه الخارق باختراعه الممسحة التافهة). وتحت هذه العناوين، كان الهجاء والبصيرة الفلسفية يتدفقان عبر هذه الحكايات. 

خطوات عملاقة 

كان رابليه ضليعا من عادات الشهامة الرومانسية التراثية للقرون الوسطى، وملأ حكايته البطولية باحتساء الخمر، والنهم للطعام، والفسوق، والممارسات الجسدية، وأفعال غريبة غير متوقعة: على سبيل المثال، يُكافئ غارغانتوا راهبه بديرٍ ذهبي ليديره ويعيش الرهبان فيه بترف ويتزوجون. يبدو الهزل والضحك أساس كتابه، لكن رابليه يدعو قرّاءه لاكتشاف الغايات الفكرية في حكاياته، مثل الصراع الأصولي عديم الجدوى، والعقيدة الدينية، والأفق التعليمي الضيّق. وفي البحث عن معنى الحياة، يكشف عمالقته ورفقائهم عن براعةٍ في القانون، والعلوم، والفلسفة، والشعر، والطب، والطبيعة، والسلاميّة. يستعير رابليه من شعر العصور السابقة ونثرها، لكنه يربطهم بحكمة عصره الحديث، كما صاغ كلمات جديدة ذات أصول إغريقية ولاتينية، ومن الأمثال “الجهل أصل كل شر” و”الطبيعة تمقت الفراغ” والعديد من الأمثال التي ما زالت تستخدم حتى اليوم. 

الحماية والرقابة 

تلقّى كتابي بانتغرويل وغارغانتوا الترحاب من العامة، إلا إنّ الرقابة في كلية السوربون أدانته لفحشه، وقدمت تقريرا تلتمس فيه من البلاط السامي حظر هذا الكتاب لمحتواه السياسي والهرطقي. لكن رابليه كان له أصدقاء نافذون، وتمتع بحماية بيان السيد غيوم دو بيلي وصاحب المنصب الرفيع الليبرالي الكنسي الكاردينال جين دو بيلي وآخرين، وكان أيضا عضوا في مجموعة شعراء وكتّاب مفضلة لمارغريت نافارا، أخت فرانسيس الأول. منح الملك ووريثه هنري الثاني رابليه امتيازًا ملكيا لنشر أعماله، الذي استمر خلال حياته. ارتحل الكاتب إلى روما في عام 1535، مرافقًا وطبيبًا للكاردينال دو بيلي، فأُعطي غفرانا من البابا من التزاماته المقدسة (كونه كان راهبا). عاد إلى فرنسا ليكون كاهنا علمانيا ويمارس الطب، وأصبح رئيس الأطباء في مونبلييه عام 1537.

مجلدات جديدة

مرت عشر سنوات قبل أن يمسك رابليه بخيط قصة بانتغرويل ورفيقه المحتال البائس بانورج في كتابه الثالث. وفي هذه الأوقات، توفى أهم اثنين من داعميه النافذين، وشهدت فرنسا تصعيدًا خطرًا في جو من التعصب الديني. أُجبر رابليه على الهرب إلى مدينة ماتز الألمانية لينعم بالحرية، وعملَ طبيبا، وقرأ عمل مارتن لوثر، وبقي متشبثا بموقفه في أعماله. اكتشف اللاهوتيون الذين هاجموا بقسوة أعماله الأولى أنه سخر منهم في كتابه الهزلي الرابع، والذي أعدّه رابليه خلال مدة قضاها في إيطاليا مع الكاردينال جين دو بيلي. وبفضل داعميه النافذين الآخرين، وبالرغم من الإدانة المتكررة ورقابة السوربون والبلاط السامي، فقد طُبعت فصول جديدة من أعمال بانتغرويل. وبعد عودة رابليه إلى فرنسا مُنحَ أبرشية ميدون وأبرشية كريستوف دو جامبي لدعمه في آخر حياته، لكنه لم يتولاهما رسميا قط. توفي رابليه في ريو دو جاردين في باريس عام 1553، وكشفت كلماته الأخيرة عن عقل متنور متأهب لمغامراته القادمة: أنا ذاهبٌ للبحث عن احتماليّةٍ عظيمة.

أبرز أعماله:

1532 بانتغرويل: بدأ رابيله بتفاصيل جمَّة عن ولادة العملاق ثم وصف كيف خلقَ مخلوقات ضئيلة الحجم عبر الضراط.

1534 غارغانتوا: عرض استخدام العملاق المبتكر الوزَّة ممسحةً عميقة للمؤخرة. وانجرار والد غارغانتوا إلى معركة طفولية بسبب كيك مسروق. 

1546 الكتاب الثالث: يُقدَّم فيه بانورج، المحتال الذي يبحث عن نصيحة فيما لو يتزوج بعد أن تُنبئ له أن سيصبح ديوثًا.

1552 الكتاب الرابع: يذهب بانتغرويل وبانورج في رحلة بحرية فيخوضان معركة مع نقانق، نصفها بشرية ونصفها نقانق.

1564 الكتاب الخامس: نُشرَ بعد وفاته، ويصف رحلات إلى مجموعة جزر خيالية. قد لا يكون من ضمن أعمال رابليه. 

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى