حوار مع سارة باتكي ومجموعتها القصصية “أفضل الأوقات”
حاورها: سيث فرايد*
ترجمة: عبير علاو
فازت Better Times -المجموعة الأولى لسارة باتكي- بجائزة برايري شونر للكتابة القصصية، عندما قرأت القصص التسع في هذه المجموعة، أدهشني كيف تحتوي أعمال باتكي على الكثير من التناقضات الممتعة، فهي قاسية لكنها جميلة، ومُسيَّرة لكنها رنانة، وملحمية لكنها حميمية، وصريحة لكنها محددة بروعة.
وتركز القصص في Better Times على النساء عبر مختلف المراحل في التاريخ وتمكنك من الشعور بالوقت لكل زمان، وبعيداً عن النضال تحت وطأة هذه التناقضات، فإن المجموعة الناتجة تمثل أول كتاب سلس ومثير.
سيث فرايد: إليك السطر الأول من قصتك “Lookaftering”: “لم تدرك لويزا أنها كانت حاملاً عندما أنجبت البيض”، وفي قصص أخرى من Better Times، يعاني مجتمع بأكمله من نوع من فقدان الذاكرة غير المتجانس أو تسعة من سكان ألاسكا تقطعت بهم السبل عندما غرقت نهاية مدينتهم في المحيط وطفت بعيدًا!، إن عوالم قصصك مبنية على أسس لا تصدق، ويشعر العديد منها بملاحظات لا تتزعزع للعالم كما هي، ولكن في جميع أنحاء العالم توجد أيضًا هذه المقاطع المنمقة الرائعة والمزخرفة، هل يمكنك التحدث عما تعنيه هذه العناصر لك وكيف تستخدميها في أعمالك؟
سارة باتكي: أعتقد أنه ربما ينبع من اعتقادي مدى الحياة أن الغرابة تتغلغل دائمًا في الأمور الدنيوية، ولكن للكثيرين منا، يسهل النظر إلى هذه الأشياء، ويمكن أن نعزو ذلك إما لموجة الرفض أو لتسويغ شيء لا نفهمه، في حين أجد أن ما لا يمكن تفسيره يظهر للخيال على أنه أرض غنية على نحو لا يصدق، فهو مكان لوضع الأشياء التي نخاف مواجهتها في الحياة، لذا أحب استكشاف هذه الأنواع من المواقف المحيرة، لكني لا أعير أسبابها اهتماما خاصا، ربما هذا كسل من جانبي، لكني أحب أن أفكر فيه هديةً للجمهور، فعلى سبيل المثال، لا أقدم أي تفسير لسبب ولادة لويزا للبيض، وتنتهي القصة قبل أن يفقس ذلك البيض، وكل ما قد يتخيله القارئ حول الأمر أراه أكثر إثارة من أي شيء ملموس قد أكتبه، كنت أشعر بالفضول أكثر لاكتشاف كيف ستواجه امرأة شابة هذه المعضلة غير العادية، ولكي يعمل الخيال -كما أرى في الأقل- كان يجب التعليق بطريقة ما على العالم البشري الذي سيدخله البيض عنوة، وهنا تكمن الجاذبية في نظري قارئةً وكاتبةً.
سيث فرايد: نُظمت القصص في هذه المجموعة حسب العصور: الماضي القريب، العصر الحديث، والعالم الآتي، أيضًا -كما يوحي العنوان- يعد الزمن عموما عنصرًا موضوعيًا هامًا يجمع هذه القصص معًا، ويبدو هذا ملائمًا على نحو خاص، نظرًا لأن الأحداث الحالية جعلت الأمر يبدو أن الكثير منا قد بدأ يفكر في حياته من حيث التاريخ والعصر الذي نعيش فيه، عندما كنتِ تكتبين تلك القصص، هل كان الوقت نقطة دخولك؟ هل فكرتِ في زمن معين وتركتِ قصتك تنبثق منه؟
سارة باتكي: ليس دائما، في الواقع، نادرًا ما أفكر في الزمن حينما أبدأ كتابة قصة، لكن هناك استثناءات بالطبع، مثلًا، عندما تلهمني شخصية تاريخية حقيقية أو شخص حي كما في قصة “عندما كان والدها جزيرة When Her Father Was an Island”، لكنني عادةً ما أبدأ بشخصية أو موقف ثم أحدد العصر الزمني الأكثر منطقية لها بعد أن أمضيت بعض الوقت في سرد الأحداث، وأكثر من عنصر الزمن، لنفترض أنني مهتمة بمراجعة التاريخ، وهذا يشمل عصرنا الحالي وما قد ينتظرنا (وهو أمر مرعب لأن نتأمل هذه الأيام)، أو أنني أريد أن أروي قصص النساء اللواتي تُجوهلنَ أو رُفضنَ، أينما كنّ عبر القرون، فأنا أعتقد أن لديهن بعض الأشياء المدهشة ليخبرننا بها.
سيث فرايد: يبدو المنظر الكلاسيكي للمأساة هو أنه إذا حدث شيء سيئ لشخصيتك، فيجب أن يكون ذلك لأنه معيب، هل تعتقدين أن مفهوم المأساة لا يزال ذا صلة؟
سارة باتكي: لست متأكدة من كونه ذا صلة بأي منا بخلاف الإغريق، ولكن بصفتي شخصًا يتمتع بمستوى معين من الامتياز- شخصًا أبيضَ مستقيمًا ولكنه يعاني أيضًا من الكراهية كونه امرأة، أرى أنه جزء لا يتجزأ من وظيفتي فنانة أن أتناول هذه الأنواع من الظلم بطريقة حقيقية للشخصيات التي ابتكرها، فسوء الحظ شيء نتعرض له جميعنا في مراحل مختلفة من حياتنا، بغض النظر عن امتيازاتنا الشخصية، وكلنا نملك عيوبًا بطريقة ما، فالمآسي لا تحدث بسبب عيوبنا بل غالبًا تحدث على الرغم منها، وهنا تكمن الإمكانات الكبرى للقصة حسبما أرى.
سيث فرايد: هل يمكن أن تكون هناك طريقة أخرى للنظر إلى النظرة الكلاسيكية للمأساة تكمن في أن عالم القصة يحتاج فقط إلى “التحدث” إلى داخل شخصيتك بطريقة ما؟ بمعنى آخر، هل جوانب العالم التي تبرزينها في نص معين يحددها التكوين الداخلي لشخصيتك؟ على سبيل المثال، لنفترض أنك تكتبين عن شخصية لديها مشكلة مع السلطة، ثم ربما يصبح عالم القصة محددًا بعلاقات القوة، أم أن طبيعة العالم محدد سلفًا في قصصك وتتعرفين على شخصياتك من خلال كيفية تفاعلها معه؟
سارة باتكي: شخصياً، غالبًا ما أبدأ بالشخصية أولاً وأطور المحيط بناءً على كيفية إدراكها له، لأنني أعتقد أننا جميعًا نتفاعل مع العالم ونفسره بناءً على تجاربنا الخاصة معه، وكما أوضح “راشومون” بخبرة عالية أن القصة يمكن أن تتغير كثيرا اعتمادًا على من يقوم بروايتها، هناك بالطبع استثناءات كما ذكرت من قبل في “عندما كان والدها جزيرة”، والتي كان يبدو أنها حدثت في اليابان على الرغم من عدم ذكر الدولة بالاسم في القصة، ونظرًا لأنني لم أزرها من قبل، فإن الحصول على فكرة حول ثقافة البلد في ذلك الوقت وسلوك الأشخاص الذين عاشوا هناك ساعدني في تطوير شخصيتي الأب والابنة، لكن ذلك ساعد فقط مع الخطوط العريضة للقصة، لذا حينما تعرفت على الشخصيات على حدة استطعت انتزاع تفاصيل معينة من رأسي ووضعها على الصفحة، مثل مزرعة أشجار الكمثرى التي يتخيلها الأب كونها المكان الذي رأى زوجته فيه لأول مرة، لذا فهي التجربة والخطأ بالطبع، فإذا ما كنت إلهَ شخصياتي، فإنني آمل أن أكون إلهًا مرنًا.
سيث فرايد: في نظري، تميل أفضل المجموعات إلى احتواء مجموعة واسعة من العوالم في لا تزال تشعر بكونها بيان متماسك، وتعتبر Better Times مثال مثاليّ على ذلك في نظري، هل يمكنك أن تقدمي لنا أية إضاءات حول عملية تشكيل المجموعة القصصية؟ هل الاستعارات المطولة مرحب بها؟ هل يشبه الأمر صنع شريط ذو مزيج مختلف من الأغاني؟ فن تلصيقي (كولاج)؟ تخطيط لصيد نابش فضلات؟
سارة باتكي: سأنطلق مع استعارة شريط مزيج الأغاني كونني أملك الكثير من الخبرة في صنع هذا النوع، فبذات الطريقة التي تفكر بها حين صنعه؛ في الحالة المزاجية التي تريد إنتاجها والشخص الذي تصنع له الشريط، كنت أحاول أن أضع في الاعتبار أثناء اختيار القصص التي أريد وضعها في المجموعة بعض المواضيع المتشابهة والشعور العام الذي كنت أرغب في تركه لدى القارئ، والذي كان في حالة Better Times نوعًا من الحنين إلى الماضي الحلو والمر في الآن نفسه، وهذا يشمل حتى الأشياء التي ربما لم تحدث بعد، لقد بدأت مع القصص الستة التي نُشرت سابقًا، ثم كانت مسألة تحديد الأجزاء المتبقية في مجلد “القصص” على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي معتمدة علة القصص التي شعرت بأنها مصقولة أكثر وجاهزة للانطلاق، ثم بعد نقطة معينة، لاحظت أن هناك العديد من القصص التي حدثت في وقت سابق من القرن العشرين، ثم عدة قصص حدثت في العصر الحديث، ثم قصة واحدة عن المستقبل القريب، لذلك قررت جمعها في الأقسام الثلاثة، من هناك، تمامًا مثلما يجب عليك الانتباه حين ترتب الشريطَ ذا مزيج الأغاني وتنتقل بسلاسة من الإيقاع السريع إلى البطيء لتعود إلى السريع مرة أخرى، نظرت من كثب في أصوات القصص، وكنت حريصة على عدم وضع قصتين ذات طريقة روائية متماثلة قريبتين من بعضٍ، كنت أرغب في الحفاظ على الشعور بالزخم والمفاجأة والتطلع إلى لأمام، ولكن أيضًا جمعت شيئًا سيُقرأ ولن يُتخطى، تمامًا كما يجب أن يُستمتعُ بالشريط، وآمل أن أكون قد نجحت.
سيث فرايد: حسنًا، والآن هل ستكونين لطيفةً جدًا بحيث تصنعي لنا شريطًا ممزوجًا حقيقيًا يمكننا الاستماع إليه أثناء قراءة Better Times؟
سارة باتكي: بكل سرور، يمكن اعتبار الأغنية الأولى والأخيرة كمنظفات ذائقة، في التسع التي في الوسط تتصل كل واحدة منهن بالقصة المشابهة لذات الرقم في المجموعة:
- Something On Your Mind – Karen Dalton
- Love Vigilantes – New Order
- Teenage Spaceship – Smog
- The Ballad of Lucy Jordan – Marianne Faithfull
- What Are You Doing the Rest of Your Life? – Dusty Springfield
- Deathly – Aimee Mann
- New World Coming – Nina Simone
- Acrobat – Angel Olsen
- More Adventurous – Rilo Kiley
- Baby Won’t You Please Come Home – Bessie Smith
- Better Times – Beach House.
سيث فرايد: في مقابلات أخرى، رأيت أنك تذكرين الفنانين التاليين بعدِّهم مؤثرين في أعمالك: ليونارد كوهين، نينا سيمون، جين كامبيون، روبرت ألتمان، أنا مفتون بكيفية دمج كُتّاب الخيال لتأثير وسائل الإعلام الأخرى في كتاباتهم، هل يمكنك التحدث إلينا عن كيفية حدوث هذا النوع من التأثير كما ترينه؟
سارة باتكي: أود أن أقول إن الأمر يتعلق بالانفتاح والفضول والتقدير لما يريد الفنانون الذين يعملون في أوساط أخرى توصيله ومعرفة ما إذا كان ذلك يثير أي شيء تريد أن تقوله لهم في عملك الخاص، في الموسيقى، أحيانًا أعتمد عليها لتهيئة حالتي المزاجية، على الرغم من أنني نادرًا ما أستمع إلى أي شيء بكلمات عندما أكتب، فهو أمر مشتت جدًا، حتى الموسيقى الكلاسيكية يمكن أن تكون مشتتة لي إذا ما لم أكن في وضع مُهيًّئ للكتابة، وعلى الرغم من ذلك أعدُّ كوهين وسيمون شاعرين غنائيين مستبطنين ومبدعين، وغالبًا سياسيين جدًا، لذا في بعض الأحيان يكون مجرد الاستماع إلى أحد تسجيلاتهم مساعدًا لي في أن أكون أكثر وعياً باللغة وقوتها، كما أنني أعتقد أن الأفلام مفيدة للكتّاب لأنها تمنحهم طرقًا جديدة لرؤية العالم والناس الموجودين فيه، ويملك صانعي الأفلام الرائعين مثل Campion و Altman عيونًا في منتهى التميُّز، لذلك حتى لو لم أتمكن أبدًا من تقليدهم بنثري، إلا أنني أقدِّر ما يفكرون به بصريًا لخلق هذا الجمال وما يثير اهتمامهم، ويذكرونني باستمرار في أن أنظر إلى ما وراء الشيء الماثل قُبالتي.
سيث فرايد: لنفترض أن الكتابة الخيالية ليست خيارًا لكِ لسبب ما، في أي نوع آخر من الفن يمكن أن تجدي نفسك؟
سارة باتكي: لا أملك لكثير من المهارات لكتابة الأغاني، لكنني لطالما كنت مغنية قوية جدًا وما زلت أستمتع بحفلات الغناء الارتجالي في بعض الأحيان، لذا ربما أكون المطرب الرئيس لفرقة ما.
سيث فرايد: كوني كاتبًا، هذا هو السؤال الذي دائمًا ما أتجاوزه في المقابلات: هل لديك أية نصائح مفضلة عن الكتابة يمكنك مشاركتها معنا؟
سارة باتكي: إليك الأمر، وقد أبدو وكأنني غبية تمامًا، لكن عندما كنت في بداياتي الكتابية، كنت دائمًا أبحث عن النصائح الكتابية كونني أردت أن أطمئن على أن ما أفعله “صحيحًا”، لأنني اضطررت دائمًا إلى العمل بدوام كامل، فكنت لا أحصل دائمًا على وقت للجلوس في نهاية اليوم والعودة إلى جهاز الكمبيوتر ومحاولة تجميع الكلمات على نحو جيد بعد أن كنت أمام جهاز آخر مدة ثماني ساعات، وسمعت مدةً طويلة من الكثير من الرجال الأكبر سناً، أن الكتَّاب يجب أن يكون لديهم “ممارسة مخصصة” وأنه من المهم أن تكتب كل يوم وإلا فلن تنجح أبدًا، لذا فإن نصيحتي الحرفية المفضلة أن ما قالوه حماقة، ولا تستمع إلى أي شخص يخبرك بما “يجب” عليك القيام به، اكتشف ما يناسبك وافعل ذلك، لكن ها أنا هنا أخبرك أيضًا بما يجب عليك فعله، لذا من يدري.
*سيث فرايد كاتب خيالي ومرح، وهو مؤلف رواية The Municipalists ومجموعة القصص القصيرة الإحباط العظيم The Great Frustration، وهو مساهم دوري في عمود “Shouts and Murmurs” في مجلة The New Yorker وعمود “Selected Shorts” في مجلة NPR، نشر قصصه في Tin House و One Story و McSweeney’s Quarterly Concern و The Kenyon Review و Vice وغيرها الكثير، وقد فاز بجائزتي Pushcart وجائزة William Peden.