المبادئ الجمالية في رواية أوسكار وايلد “صورة دوريان جراي”

سارة غوستافسون 


حجم الخط-+=

ترجمة: محمد بدر

[يهدف هذا المقال إلى تبيان المؤثرات الأدبيّة والجماليّة في أوسكار وايلد، وما انبثق عنه في رواية صورة دوريان جراي، وما حملته في موضوعها ومضامينها من حمولات فكرية عن الفن والجمال والشباب، ساهمت في تغيير المنظور النقديّ والجماليّ للأدب والفن. لكنها قادت أيضا إلى انقلاب حياة أوسكار وايلد، فما دعا إليه وايلد في روايته انعكس عليه سلبيا في حياته، ولطّخ اسمه بما لم يستطع أن يزيله حتى الساعة].

المؤثرات الأدبية 

عندما كان وايلد في شهر العسل دخل مكتبة باريسية اشترى رواية بعنوان “فظ الطبع” بقلم جي كي هوسمان. جذبت الرواية اهتمامه بنحوٍ كبير. عاد واشترى كل الإصدارات المتاحة وقرأ الرواية مرارًا وتكرارًا. كانت قصة خاطئة عن شاب باريسي يبحث عن تجارب غير أخلاقية وأخلاقية. وفقًا لجوزيف بيرس، فإن النص سام. من الصعب تمييز ما إذا كانت الرواية تدور حول قديس روحي أو أثيم (176). تتعلق القصة بـ”النفوس المعذبة من الحاضر، والاشمئزاز من الماضي، والرعب واليأس من المستقبل” (بيرس 178). ذكّر مؤلف رواية “فظ الطبع” وايلد بجانبه المظلم، و”[سوف] يتدلى فوق وايلد مثل سحابة مظلمة مشؤومة أو كامنة بداخله مثل ظل نفسه المظلمة” (بيرس 177).

في وقتٍ لاحق، عندما كتب وايلد “صورة دوريان جراي”، جعل للكتاب تأثيرا كبيرا في حياة دوريان جراي، بذات الطريقة التي كان لرواية “فظ الطبع” تأثيرا فيه (بيرس 177). في الرواية، غالبًا ما يلتقي اللورد هنري ودوريان جراي لمناقشة أمور الحياة والجمال في الحياة. بعد مرور بعض الوقت، أوصى اللورد هنري دوريان جراي بقراءة كتاب له غلاف كتاب أصفر، لذا أطلق عليه اسم “الكتاب الأصفر”، لأنه يعلم أنه سيؤثر في حياة الشاب، “بدا له أنه في ثوبٍ رائع، وصوت المزامير الرقيق، كانت خطايا العالم تمر في عرض غبي قبالته. أصبحت الأشياء التي كان يحلم بها بخفوت فجأةً حقيقة في نظره. وكُشفَ تدريجيا عن الأشياء التي لم يحلم بها قط” (دوريان جراي 91). على غرار “فظ الطبع”، يدور “الكتاب الأصفر” حول شاب باريسي يحاول معرفة ما يشبه العيش خلال القرون الأخرى. أي نوع من المشاعر والأفكار التي قد تتداول. علاوةً على ذلك، يريد الشاب الباريسي تلخيص الحالة المزاجية المختلفة في نفسه “التي مرت بها روح العالم على الإطلاق، محبا لتلك التنازلات المصنَّعة بشريا والتي أطلق عليها الرجال- الفضيلة بنحوٍ غير حكيم، مثل تلك التمردات الطبيعية التي يسميها الحكماء خطيئة” (دوريان جراي 91). يجد دوريان جراي نفسه مدمنًا الرواية المفسِدة “إيقاع الجمل، والرتابة الخفية لموسيقاهم، المملوءة بالامتناع المعقد والحركات المتكررة بإتقان، والتي تنتج في ذهن الفتى، وهو ينتقل من فصلٍ إلى فصل… مرض الحلم، الذي جعله غير واعٍ بأفول النهار والظلال الزاحف” (دوريان جراي 92). مثل وايلد كان دوريان جراي “لا يستطيع تحرير نفسه” من الكتاب. وهو مفتون بالرواية ويشتري كل الطبعات المتاحة. لديه انطباع بأن القصة تدور حول حياته هو، وجزء لم يعشه بعد، وهي الطريقة التي نظر بها وايلد إلى “فظ الطبع” أيضًا. في الواقع، يبدو وصف كيفية تجربة دوريان جراي لـ”الكتاب الأصفر” (دوريان جراي 93) مطابقًا تقريبًا لوصف كيفية تفسير وايلد لـ”فظ الطبع” وفقا لبيرس (176-177).

عملٌ آخر أثر على صورة دوريان جراي هو دراسات في تاريخ عصر النهضة بقلم والتر باتر. وجد وايلد أن حياة النص تتغير (بيرس 66). وأطلق عليه اسم “الكتاب الذهبي” ولم يسافر إلى أي مكان بدونه (بيرسون 38). في هذه الدراسة، يحلل باتر أعمال عدد قليل من فناني عصر النهضة والثقافة الأوروبية في ذلك الوقت باستخدام النقد الجمالي. يفسر كيف يرتبط الفن والشعر والفلسفة والحياة الدينية، على سبيل المثال بإجراء مقارنة بين جمال دين اليونان والدين المسيحي. يكتب باتر “القرن الخامس عشر هو عصر عاطفي، متحمس وجاد جدًا في سعيه وراء الفن لدرجة أنه يكرس كل شيء يجب أن يفعله الفن كأنه شيء ديني”. في الواقع، تحتوي الدراسة العديد من الأفكار الفلسفية، والتي استخدمها وايلد دليلًا في الحياة.

يبدو أنَّ فصلا واحدا من دراسات تاريخ عصر النهضة قد أثر في وايلد وصورة دوريان جراي على وجه الخصوص، وهو المكان الذي يركز فيه باتر على فينكلمان وتخصصه في الكلاسيكيات اليونانية. يرى فينكلمان أنَّ لا أحد يقدّر الجمال مثلما يفعل الإغريق: يراعى آثار الجمال، ويقدّر الناس لجمالهم ويمنحهم الحق في الشهرة. وذوو الحسن يحاولون البحث عن الشهرة من خلال الفنانين، لأنهم يعترفون بجمالهم. يُمنح الفنانون “الفرصة للحصول على جمال أسمى أمام أعينهم” (باتر 103). وأعيد النظر في هذه الرؤية الجمالية في الرواية، حيث تتعلق القصة بأهمية أن تكون وتبقى جميلا. 

يمثل دوريان جراي الجمال الأسمى الذي يمكن للفنان باسل هالورد الاستمتاع به قبالة عينيه، حتى إن وايلد يجري مقابلة صريحة بين المنحوتات اليونانية ودوريان جراي من خلال ادعاء باسل هالورد: “ما كان يمثّله ابداع الرسم الزيتي لأهل البندقيّة، ووجه أنتينوس لفن النحت اليوناني المتأخر، سيمثّله وجه دوريان جراي لي يوم ما” (دوريان جراي 7). يصف فينكلمان النحّاتين اليونانيين بأنهم عظماء وأحرار ومتفرّدون، وفي نظره هم “الفنانون المثاليون لأنفسهم، يُلقى كل منهم في قالب واحد لا تشوبه شائبة- أعمال فنية تقف أمامنا كأنها عرض خالد للآلهة” (مقتبس من باتر 110). وبالمثل، في رواية وايلد، يعرف باسل هالورد دوريان جراي من “خطوط مدرسة جديدة، مدرسة… لها كل شغف الروح الرومانسية، وكل كمال الروح اليونانية. [هو] انسجام الروح والجسد” (دوريان جراي 8). يرى فينكلمان أن المنحوتات تظهر الكمال، وتمثيلًا للآلهة، ويعتقد باسل هالورد أن دوريان جراي يظهر ذات الكمال للروح اليونانية. بسبب إلهامه من الكلاسيكيات اليونانية، غالبًا ما تعرض وايلد لانتقادات لكتابته بطريقة تظهر المودة إلى نوعه نفسه [الرجال]. كان الرأي العام هو أن الرجل لا يمكن أن يعجب به رجل آخر فنيا، لذلك فُسّرت الرواية على أنها تدور حول الرجال المفتونين ببعضٍ جنسيًا. ومع ذلك، يدعي فينكلمان أن “جمال التماثيل اليونانية كان جمالا بلا جنس. كان لتماثيل الآلهة أقل سمات الجنس. هنا، انعدام جنسي أخلاقي، نوع من العجز، كمال غير فعال للطبيعة، ولكن مع جمال إلهي وأهمية تخصه” (مقتبس من باتر 111). وبالمثل، يمكن القول إن وايلد ركز على جمال الشخص بغض النظر عما إذا كان امرأةً أو رجلا.

تحتوي الرواية بعد ذلك مجموعة من جوانب السيرة الذاتية. مثل وايلد نفسه، يصبح دوريان جراي مدمنًا على نص أخلاقي خاطئ يغير الحياة: يلهم “فظ الطبع” وايلد في إعداد “الكتاب الأصفر” بقصته الخطيرة وشخصيته الخاطئة (بيرس 176). يبدو أن النقد الجمالي لدراسات في تاريخ عصر النهضة، لا سيما مناقشة الفن اليوناني هناك، قد حفز وايلد في تفسيره للمبادئ الجمالية في جميع أنحاء الرواية.

تشابه الشخصية

يأتي موضوع صورة دوريان جراي من حلقة حقيقية في حياة وايلد، حيث اعتاد زيارة رسام يدعى باسل وُرد، الذي كان لديه في وقتٍ ما نموذج جميل لا يصدق في الأستوديو. كان وايلد يرى أنه من العار أن يكبر مثل هذا الوجه الجميل للنموذج. اقترح الفنان أنه سيكون من الرائع أن تكبر اللوحة بدلا من ذلك وأن يظل النموذج شابًا. اعتقد وايلد أن هذه فكرة رائعة وبدأ بكتابة قصة عنها. أظهر وايلد لباسل ورد تقديره من خلال تسمية أحد شخصياته الرئيسة باسل هالورد (بيرسون 156-157). الشخصيتان الرئيستان الأخريان، اللتان تظهران أوجه تشابه مع وايلد نفسه، هما اللورد هنري ودوريان جراي.

اللورد هنري

تحمل شخصية اللورد هنري في الرواية سمات وايلد نفسه وباتر، أستاذ كلية وايلد. إن باتر من علّم وايلد بإقناع فلسفة الجمالية، وبطريقة مماثلة يعلم اللوردُ هنري دوريانَ جراي عن قيم الحياة، ولكن في الرواية يشبه اللورد هنري بشدة وايلد نفسه. ينعكس أسلوب حياة وايلد على نطاق واسع في الرواية، حيث تلعب حفلات الشاي والتجمعات الاجتماعية والاجتماعات مع الأشخاص المهمين دورا مهما في حياة اللورد هنري. تمتع وايلد بتجمعات اجتماعية رائعة، وغالبا ما دُعي إلى احتفالات الطبقة العليا. علاوة على ذلك، اشتهر بحفلات الشاي التي أقامها، ووده، وكرم ضيافته، ومزاجه الحيوي، ومحادثاته الحماسية. وكان المحادثة والضحك والترفيه الموسيقي موضع ترحيب (بيرسون 40). ألقى وايلد خطبًا مطولة في هذه الحفلات، وأدلى بملاحظات أصلية حول الناس، وتصريحات لم تكن منطقية ومفارقات ضحك عليها بنفسه، لكنه كان بإمكانه أيضًا الاستشهاد بأبيات، من قبله ومن قبل الآخرين، بنحوٍ جيد جدا. كانت الخطب وسيلة مثالية لنشر وجهات نظره الجمالية. وبالمثل، يدلي اللورد هنري بتصريحات رائعة لإحداث ردود فعل، على سبيل المثال “هناك نوعان من الأشخاص الرائعين حقا، الأشخاص الذين يعرفون كل شيء على الإطلاق، والأشخاص الذين لا يعرفون شيئا على الإطلاق. إنَّ سر البقاء شابا هو ألا يكون لديك أبدا عاطفة غير لائقة” (دوريان جراي 62). يبدو أن اللورد هنري لديه فكرة واضحة عن شكل الحياة، وكيف يجب أن تعاش، ويحاول إقناع دوريان جراي بمشاعره. والعديد من تصريحاته اللافتة للنظر مثل “هدف الحياة هو تطوير الذات. إن الإدراك التام لطبيعة المرء- هذا هو سبب حضورنا جميعا إلى هنا” (دوريان جراي 13). هي بالفعل آراء وايلد وحده. لذا من خلال اللورد هنري يمكن لوايلد أن يشارك وجهات نظره حول الجمالية مع القراء.

دوريان جراي

دوريان جراي شاب وجميل، نموذج بريء. يوصف مظهره بأنه مشابه لمظهر وايلد: “طريقة ملابسه، وأساليبه التي تأثر بها من وقتٍ لآخر، كان لها تأثيرها الملحوظ في الشباب المتأنقيّن روّاد حفلات مايفير وزينة نادي بال مول، الذين قلدوه في كل ما فعله، وحاولوا إعادة إنتاج سحره” (دوريان جراي 94). ومع ذلك، فإن الشخص الحقيقي وراء دوريان جراي هو عشيق وايلد، جون جراي. إنه الشخص الجميل والرائع الذي ألهم وايلد إبداع دوريان جراي، لكن دوريان جراي وجون جراي لا يشتركان في صفاتٍ أخرى (بيرس 223). بدلًا من ذلك، يُظهر دوريان جراي تشابها أكبر مع وايلد نفسه، لا سيما في كيفية مواجهته للمبادئ الجمالية عندما كان شابًا. في الرواية، تمكن وايلد من الوصول إلى جمهور واسع وتحديد أفكاره الجمالية، وتغطيتها في محادثة بين شخصياته الرئيسة. لقد أثر العديد من الأشخاص في وايلد في أثناء بحثه عن هدف الحياة، أثّر الأب على وجه الخصوص في طريقة وايلد في التعامل مع الدين والجمالية (بيرسون 35). وبطريقة مماثلة، يتأثر دوريان جراي باللورد هنري. يمتلك اللورد هنري أحكامًا واضحة على كل شيء، وهو الأمر الذي يزعج دوريان جراي، ويبهره في الوقت نفسه. في الواقع، لا يستطيع التوقف عن التفكير في كلمات اللورد هنري. يريد أن يعيش بالمبادئ الجمالية، لكن رغبته في البقاء شابًا وجميلًا إلى الأبد تجعله يكذب وحتى يقتل. لم يصبح وايلد قاتلًا مثل دوريان جراي، لكن تفسيره للجمالية تغير تدريجيًا إلى افتتان بالخطاة (بيرس 244).

الأهداف الجمالية وتأثيرات أيديولوجية العصر الفيكتوري

النمط الجمالي

لا تعريف واحد للجمالية. ولا اسم واحد لهذا المفهوم الذي يطلق عليه “الجمالية”، و”الحركة الجمالية”، و”الانحطاط”، و”نهاية العصر” [القرن التاسع عشر]، و”الجمال بلا واقعية”، و”الفن من أجل الفن”، و”الفن من أجل الفن” (برتيجون 2). لا إجماع على متى ظهرت الجمالية، سواء كان ذلك في عام 1860 تقريبًا، أم قبل ذلك أم لاحقًا. لا يزال مصطلح “الجمالية” مستخدمًا لأنه يصف التطورات في الفن بعد مرحلة ما قبل الرفائيلية: فبدلاً من التركيز على الطبيعة والواقع، مثل أتباع ما قبل الرفائيلية، تحتضن الجمالية اختلاف الفن عن الحياة الواقعية (برتيجون 2-4). لذا فإن “الفن من أجل الفن” يتعلق بالتجربة في مجالات الرسم والشعر، في حين أن “الحركة الجمالية” ترتبط بالفنون الزخرفية والتصميم الداخلي والأزياء. ولاحظ إليزابيث برتيجون، في محاضراته في أمريكا، أنَّ وايلد روّج “للحركة الجمالية” لكنه أطلق عليها اسم “الجمالية” و”الحركة الجمالية”، بنحوٍ أقل رسمية.

يساعد الارتباك المصطلحي في الكتابة الفيكتورية على تفسير التفسيرات المتباينة لما يعد فنًا. ويشير مالكولم بود إلى أنه يمكن أن تعني الجمالية، على نطاق أوسع، التقدير الفني، حيث هو التقدير الجمالي للأعمال الفنية. وإذا نظرنا إليها نظرة أضيق، فإننا سنجد أنه يفصل بين القيم الجمالية والفنية. ثم فإن التجربة الجمالية للفن تنطوي على جماله وحيويته وتعبيره، في حين القيمة الفنية تعني أصالته. بمعنى آخر، يمكن أن يكون الشيء جميلاً من الناحية الجمالية، ولكن من الناحية الفنية يُحكم عليه من خلال أصالته. وتشمل التفسيرات الأخرى ما إذا كان ينبغي التمييز بين المتعة الجمالية و”المتعة الحسية البحتة” مثل البهجة في اللون أو الطعم. . . [أو ما إذا كانت] المتعة الحسية البحتة [ينبغي] أن تكون نوعًا من المتعة الجمالية” (بود 13). علاوة على تحديد ما إذا كانت الجمالية تستلزم تقديرًا فنيًا ومتعة حسية فغالبًا ما “تصوّر الجمالية على أنها أنثوية أو مخنثة على النقيض من الصرامة الذكورية للحداثة” (شخافر وبسومياديس 6). 

صرحت تاليا شخافر وكاثي ألكسيس بسيومياديس أنه يمكن قراءة الجمالية على أنها “الاحتفال بالجنس “المنحرف” بطرق تأخذ في الاعتبار الرغبة المثلية بين النساء وكذلك بين الرجال” ووفقًا لآلان سينفيلد، يُنظر إلى الجماليات على أنهن مخنثات. ولكن ليس مثليًا بوضوح، على الرغم من أن بعضهم كذلك. وبزعم ريتا فيلسكي، فإن “الذكر المؤنث يفكك التناقضات التقليدية بين . . . [رجال ونساء]؛ إنه ذكر، لكنه منفصل عن العقلانية الذكورية والمنفعة والتقدم”. ويرى فلسكي أن دوريان جراي هو ذكر مؤنث “بشفتيه القرمزيتين، وشعره الذهبي، وشبابه الأبدي”.

ثم يمكن تعريف الجمالية بعدة طرق، فتكون حدود المفهوم غير واضحة. يبدو أن وجهات النظر المختلفة في العصر الفيكتوري مثل وجهة نظر المرأة، والقوى العاملة، والدين والأخلاق، قد أثرت في تعريف المفهوم. وكما لاحظ بيرس “لم تكن الحركة قطّ كلًا متجانسًا، ولم تشترك في أي شيء آخر غير الأهداف وأكثر التطلعات غموضًا واتساعا”. في حين لا يوجد إجماع حول تعريف الجمالية، فإن وايلد منشغل بالحركة الجمالية، والتقدير الفني، والمتع الحسية، وتأنيث الذكر. وهو بذلك، في نظري، يتبع الأسلوب الجمالي.

نظرة المرأة

تلاحظ فيلسكي، على عكس صفات الجماليات، التي تقدر التفرد وتحقيق الذات، أنَّ النساء غالبًا ما نُظر إليهن أنهن ذات “نسق معياريّ” واحد و”متشاكلات” بسبب سلوكهن الاستهلاكي و”عاطفتهن الطبيعية”. بالإضافة إلى ذلك، حُسبنَ “آليات، ومجردات من الشخصية، وبلا روح في نهاية المطاف” في ذات الوقت الذي كنّ فيه أيضًا عاطفيات مقابلة بـ”الوعي الذي يسيطر عليه الفرد الجماليّ” (فيلسكي 1101). في الرواية، يقابل وايلد حياة امرأة عادية بحياة الممثلة: “لا تروق النساء العاديات لخيال المرء أبدًا. إنهن مقصورات على زمانهن. لا سحر يغيرهن أبدًا. يمكن للمرء أن يعرف عقولهن بذات السهولة التي يعرف بها قبعاتهن. يمكن للمرء أن يجدهن دائمًا. ليس من سر في أي منهن. يتجولن في الحديقة صباحا ويتحدثن في حفلات الشاي بعد الظهر. لديهن ابتساماتهن النمطية، وأسلوبهم العصريّ. واضحات تماما. لكن ممثلة، ما أكثر تمايزها!”. (دوريان جراي 37) 

يبدو وايلد هنا أنه يحاول الترويج للفن، من خلال التقليل من قيمة المرأة العادية مع إعطاء المرأة الفنية مكانة أعلى. فضلا عن ذلك، أدلى وايلد بعدد من التصريحات السلبية حول المرأة: “لا توجد امرأة عبقرية. المرأة نوعٌ زخرفي. ليس لديهن أبدًا ما يقولنه، لكنهن يقلنه بجاذبية” (دوريان جراي 34). إنَّ السبب وراء هذه التصريحات، قليلة الثناء على المرأة، غامض. ومن الصعب تحديد ما إذا كان ذلك جزءًا من جذب الانتباه أو السخرية. وفقًا لفيلسكي “يمكن النظر إلى كل من الفن والنساء على أنهما زخرفان [و] بلا وظيفة”. ربما لا تكون وجهة نظر وايلد حصرًا عليه في أن النساء نوع زخرفي، ربما كانت فكرة عامة. في الوقت نفسه، كان وايلد نفسه يعشق النساء. يشير هيسكيث بيرسون إلى أنه أدرك في وقت مبكر من حياته أنه لكي يصبح ناجحًا فثمة حاجة إلى موافقة النساء لأنهن، في رأيه، يحكمن المجتمع.

وصف وايلد زوجته بإيجابية، على عكس التصريحات التي أدلى بها عن النساء في الرواية، ومع ذلك، كما لاحظ بيرسون، كان يرى أن الزواج ينطوي على الزنا، وعندما اكتشف أن لديه رغبة في الرجال صار زانيًا باستمرار. ووردت فكرة مشابهة في الرواية “الإخلاص للحياة العاطفية في حياة المفكّر إنما اعتراف بالفشل” (دوريان جراي 36). يشرح اللورد هنري سبب عدم تقديره الزواج بادعاء أنه لا يغذي الفردية “الرجال يتزوجون لأنهم متعبون، والنساء لأنهن فضوليات، وكلاهما يشعر بخيبة الأمل. العيب الحقيقي في الزواج هو أنه يجعل المرء لا يؤثر نفسه. والناس بلا أثرة هم بلا لون. إنهم يفتقرون إلى الفردية” (دوريان جراي 54).

كما لاحظ جونسون أنَّ الفردية الجمالية و”الإشباع الشخصي” يلعبان دورًا مهمًا “لإضفاء معنى على حياته”. إن النظرة الفردية للرجل الجمالي لا تعزز الوعي الذاتي الأنثوي، ويمكن للمرأة “أن تعمل فقط مثل شخص آخر من الذكور، وهو ما يشكل حافزًا لسعيه لتحقيق المثل الأعلى” (فيلسكي 1104). بناء على ذلك، فعلى النساء أن يتراجعن حتى لا يخنقن الرجال في بحثهم عن أسلوب حياة جمالي روحي حر، وإلا فإن الرجال لا يستطيعون اتباع حواسهم بكاملها، كما كتب وايلد في الرواية “النساء يُلهمننا الرغبة في صنع الروائع، ويمنعنا دائمًا من فعلها” (دوريان جراي 58).

وجهات النظر عن العمل والسلطة

لا ينبغي للناس من أجل تعزيز الفردية، وفقًا لوايلد، أن يمتلكوا أشياء، أو أن يكونوا في السلطة على بعضهم، أو أن يقوموا بأعمال يدوية (بيرسون 172). لا يُعرّف الإنسان بما يملكه، بل بما هو عليه. ولذلك لا ينبغي للناس أن يمتلكوا أشياء، لأن الملكية في رأي وايلد تقيد الفردية. عندما يكون شخص يتمتع بسلطة على الآخرين، سيكون هناك دائمًا أشخاص يعترضون عليه. كل القوة مهينة. سواء لمن لديه أو لأولئك الذين يتعرضون له (بيرسون 172). ذُكر الانحطاط أيضًا في الرواية عندما ناقش اللورد هنري وباسل هالورد الفردية
اقترح الرسام “إذا كان المرء يعيش من أجل نفسه فقط يا هاري، فهل يدفع المرء ثمنا باهظا لفعل ذلك؟”. 

“نعم… إن المأساة الحقيقية للفقراء هي أنهم لا يستطيعون تحمل أي شيء سوى إنكار الذات. الخطايا الجميلة، مثل الأشياء الجميلة، هي امتياز الأغنياء”.

“على المرء أن يدفع بطرق أخرى غير المال… يجب أن أتخيل الندم، والمعاناة، والوعي بالانحطاط”. (دوريان جراي 57)

علاوة على ذلك، لم يعتقد وايلد أن هناك أي كرامة في العمل اليدوي، لذا يجب على الآلات أن تؤدي كل الأعمال المملة والقذرة، في حين أن دور الحكومة سيكون تصنيع وتوزيع الضروريات (بيرسون 173). فالبشر في نظره خلقوا لمهمة أسمى من المشي فوق التراب. يجب أن تصبح الآلات عبيدًا للناس، لا منافسة لهم، ويجب أن تكون الحكومة خادمة للناس لا سيدهم. لم يكن الهدف العمل على الإطلاق (بيرسون 173). من ناحية أخرى، ألقى روسكين محاضرة حول شرف العمل، وضرورة الجمال، وكذلك التأثير السيئ لجميع الآلات. وفي رأيه إن الطبيعة الجميلة في إنجلترا قد دمرتها كل المصانع المقززة. ومع ذلك، في حين كان وايلد يروج لدولة حيث تؤدي الآلات كل الأعمال القذرة، فقد كان معارضا للمصانع التي بنيت خلال عصر التصنيع. ويرى أن المصانع قبّحت البلاد وخربت جمال الطبيعة “يجب نقل جميع مداخن المصانع والورش المبتذلة إلى جزيرة بعيدة” (بيرس 63). وجهات النظر هذه متناقضة بالطبع. أراد وايلد أن تقوم الآلات بأداء أعمال مملة، لكنه استقبح المصانع من الناحية الجمالية في محيطه القريب. ولا يبدو أنه رأى أنه من الصعب الحفاظ على الطبيعة الجميلة، وفي ذات الحين استخدام الآلات في خدمة البشر.

نظرة للدين

تتعلق بعض الخلافات حول المبادئ الجمالية، بين المؤسسين الجماليّين، باشتراك المسيحيّة فيها. يرى روسكين أن “الجمالية في الفن لا يمكن فصلها عن الأخلاق، والتي كانت جذورها في الأسس الأخلاقية للعالم المسيحي في العصور الوسطى” (بيرس 62). لذلك لم يرحب بعصر النهضة لأنَّ، حسب قوله، “الحركة الجماليّة قاست بلا ريب عندما أضعفت إنسانية عصر النهضة عُراها مع الجذور المسيحية” (بيرس 62). ومن ناحية أخرى، اقترح باتر أن يتضمن عصر النهضة التحررَ من العالم المسيحي، وقد رحب بالتغيير (بيرس 65). من وجهة نظره، بزغ عصر النهضة في العصور الوسطى في ثورة على الأفكار الأخلاقية والدينية “في بحثهم عن ملذات الحواس والخيال، وفي اهتمامهم بالجمال، وفي عبادتهم للجسد، كان الناس مدفوعين إلى ما هو أبعد من حدود الكمال المسيحي البدائي، وصار حبهم عبادة وثنية غريبة، ودينًا منافسًا غريبًا” (بطرس 16). على عكس روسكين، لم يعتنق وايلد الفلسفة المسيحية، أراد أن يكون متديناً، لكنه لم يجد أي دين يمكن أن يعرّف نفسه به. يذكر في الرواية أن سر الدين هو “مخافة الله” (دوريان غري 13)، وهو ما يعني أن الناس كانوا يخافون الله أو يشعرون بالذنب حين يسيئون التصرف والرب يراقبهم.

وعلى النقيض من راسكين، حين كان وايلد منجذبًا إلى المباني الجميلة في روما والدين الذي أنشأها وجد الدين منطقيًا بإفراط. وكما لاحظ بيرس فإنه “كان منزعجًا من العقلانية المتشائمة التي قادته نحو الشك” (80). ينعكس هذا في الرواية عندما يقول اللورد هنري “أتساءل من الذي عرّف الإنسان بأنه حيوان عاقل. لهو أكثر تعريف سابق لأوانه. الإنسان أشياء كثيرة، لكنه ليس عقلانيا” (دوريان جراي 20-21). بدلًا من ذلك، فسر وايلد الدين من منظور جمالي فقط، مما يعني أنه ركز أقل على العقل وأكثر على الحواس. ويتجلى هذا من خلال دوريان جراي الذي “سعى إلى وضع مخطط جديد للحياة تكون له فلسفتها المنطقية ومبادئها المنظمة، ويجد في روحانية الحواس تحققها الجليل” (دوريان جراي 95). يبحث دوريان جراي عن الروحانية عبر الحواس، من منظور جمالي. لقد “عرف أن الحواس، مثل الروح، لديها أسرارها الروحية لتكشفها” (دوريان جراي 97).

كان لدى وايلد انطباع بأنه من الممكن أن تكون روحانيًا ومتدينًا، لكنه وجد نفسه غير قادر على تحقيق ذلك (بيرس 214). وعلى النقيض من وصايا الإيمان المسيحي، حيث يجب على الناس تجنب الخطايا، أوصى وايلد بأسلوب حياة منفتح، حيث يُرحّب بكل الإجراءات، وإلا فسيكون التركيز كبيرا على الإغراءات الخاطئة. لدى اللورد هنري فكرة مماثلة “إذا عاش إنسان حياته بالكامل، وأعطى شكلاً لكل شعور، وتعبيرًا لكل فكرة، [و] حقيقة لكل حلم- أحسبُ أن العالم سيحصل على دفقة جديدة من البهجة” (دوريان جراي 13). علاوة على ذلك، يقترح اللورد هنري أن الأشخاص الذين لا يتبعون مشاعرهم أو دوافعهم أو أحلامهم يعيشون في حالة إنكار للذات ويشعرون بأنهم محاصرون، لذا يقترح أن الطريقة الوحيدة لتجنب الإغواءات الجسدية المكروهة هو الاستسلام لها. (دوريان جراي 13) 

 مشاهدات على أوسكار وايلد

عُدَّ وايلد زعيم الحركة الجمالية، حتى إنه كان يرتدي ملابس مناسبة للدور، الأمر الذي أثار حفيظة بعض الفنانين الآخرين الذين لم ينالوا مثل شهرة وايلد. حاول وايلد التكيف مع نمط الحياة الفيكتوري بارتداء الملابس الرسمية، لكنه بذل الكثير من الجهد في اختيارات ملابسه، مما أدى إلى ولادة نمط جديد من الموضة (بيرس 58). غالبًا ما كان يرتدي سترة مخملية، وسراويل حتى الركبة، وجوارب حريرية سوداء، وقميصًا أبيض بياقة كبيرة، ووشاحًا أخضر، وعروة على شكل زهرة دوّار الشمس أو الزنبق. وأصبحت زهرة الزنبق، التي ورد ذكرها عدة مرات في الرواية، رمزا لأسلوبه الجمالي في الموضة. إن الإثارة حول ملابس وايلد جعلته يقرر إصلاح قواعد ارتداء الملابس وإتقان جميع جوانب الجمالية. حتى إنه أطلق على نفسه لقب أستاذ الجمالية. (بيرسون 51-52). 

تتعلق وجهة النظر التي ميزت المؤسسين الجماليين، فيما يتعلق بالأيديولوجية الفيكتورية، بالتركيز على الشهوة في الحياة. مع مرور الوقت، ارتبطت شهرة وايلد جليا بأناقة أزيائه بدلًا من الفلسفة الجمالية، التي وجدها وايلد نفسه مملة بتزايدٍ مقابلة بالخطايا الجميلة الموصوفة في رواية rebours (بيرس 188). حسبَ أن الخطيئة ضرورية لتحسين الحياة، وأن الضمير أظهر فقط تطورًا غير كامل في الحياة. وكان يرى أن الدين فصل ماضي “لا نستطيع أن نعود إلى القديس. هناك الكثير لنتعلمه من الخاطئ” (مقتبس في بيرس 244). فبدلاً من أن يهدف المرء إلى التصرف مثل قديس، في رأيه، يجب أن يكون قدوة المرء هو الخاطئ. بعد ذلك، اتفق المؤسسون الجماليون على ما يجب دمجه في المبادئ الجمالية. يرى روسكين أنه يجب الجمع بين الفن والدين، في حين لم يفعل ذلك وايلد وباتر. اتفق وايلد وروسكين على أن المصانع تدمر الطبيعة الجميلة، في حين يروج وايلد أيضًا للمصانع من أجل القيام بكلّ أعمال الإنسان. كان باتر يؤمن بعيش اللحظة، وتجربة وجهات نظر جديدة وخلق انطباعات جديدة، كما روج وايلد لهذا النوع من نمط الحياة أيضًا، لكنه ركز أيضًا على الشهوة. ولم يكن من إجماع حقيقي على ما ينبغي أن تنطوي عليه الفلسفة الجمالية.

استقبال صورة دوريان غراي وتفسيرها 

كانت صورة دوريان جراي رواية مثيرة للجدل واللغط، وأثارت الاهتمام بالتأكيد، لكن القراء لم يتفقوا على كيفية تفسيرها. تلقى وايلد مئات من آراء النقاد التي كانت في معظمها سلبية. استخدم العديد من النقاد لهجة غاضبة وكلمات قاسية. وُصفت الرواية بأنها «مملة»، و«مبتذلة»، و«عرجاء»، و«خرقاء»، و«مملة»، و«مثيرة للاشمئزاز»، و«سيئة»، و«فاسدة»، و«مسيئة»، و«كاذبة» (ماسون). بل اقتُرحَ أن الكتاب يجب أن “يُلقى في النار” (ماسون 8) وأن المؤلف هو “الشخص الوحيد الذي من المحتمل أن يجد المتعة فيه” (ماسون 10). لكن وايلد تلقى أيضًا مراجعات أكثر إيجابية: «إن ثلثي كل ما كتبه السيد وايلد على الإطلاق هو سخرية بحتة. . . [أما صورة دوريان جراي] فهو عمل من أسمى الأخلاق، لأن هدفه كله الإشارة إلى تأثير الانغماس الأناني والشهوانية في تدمير شخصية الروح الإنسانية الجميلة” (بوكانان مقتبس من ماسون 47-48). فسر الكثير من المراجعين القصة على أنها تدور حول عاطفة الذكور، وليس الفن. وقد نوقشت أخلاقيات الرواية وحشمتها في محاكمة اللورد كوينزبري في أولد بيلي في الثالث من نيسان/ أبريل عام 1895. وفي الحوار التالي، يسأل المدعي العام وايلد بنحوٍ غير مباشر عن رأيه حول الأخلاق:

– وفقا لما تراه فإنَّه وبغض النظر عن فداحة غياب أخلاقية الكتاب، فإذا كان مكتوبًا جيدًا، فهو كتاب جيد أليس كذلك؟

– نعم. إذا كانت الكتب مكتوبة جيدا لتنتج إحساسًا بالجمال، وهو أعلى إحساس يمكن أن يكون الإنسان قادرًا عليه. وإذا كتبت بطريقة سيئة فستولد شعوراً بالاشمئزاز. (ماسون 44)

يتجاهل وايلد الأخلاق ويركز فقط على جمال العمل. من وجهة نظره، القصة نفسها ليست بذات أهمية الطريقة التي كتبت بها، مما يعني أنه يفصل القيمة الجمالية، جمال الرواية، عن قيمتها الفنية، أصالتها. وفي رأيه “ما من شيءٍ اسمه كتاب أخلاقي أو كتاب غير أخلاقي. الكتب مكتوبة جيدًا، أو مكتوبة سيئًا. هذا كل شيء” (دوريان جراي، الطبعة السابعة). عندما سأله المدعي العام عما إذا كان “الكتاب المكتوب جيدًا والذي يطرح آراء أخلاقية منحرفة قد يكون كتابًا جيدًا”، أجاب وايلد أنه “لا يوجد عمل فني يعرض وجهات نظر أخلاقية على الإطلاق. الآراء تعود لأشخاص ليسوا فنانين” (مقتبس في ماسون 44). في وقت لاحق من الحوار يقترح وايلد أن الناس ليسوا مثقفين بما فيه الكفاية لتقدير القيمة الفنية للرواية.

لقد أضرت صورة دوريان جراي بسمعة وايلد كثيرا. لم يرفض الناس الرواية فحسب، بل احتقروا المؤلف أيضًا (بيرسون 162). كتب العديد من الصحفيين مراجعات الرواية، وأشار أحدهم من مجلة The Scots Observer إلى أن “لدى السيد وايلد عقل وفن وأسلوب. ولكن إذا كان لا يستطيع الكتابة إلا للنبلاء المحظورين وصبيان التلغراف المنحرفين، فكلما أسرع في تصميم الملابس كان أفضل لسمعته والأخلاق العامة» (مقتبس من ماسون 21). دفاعًا عن نفسه، كتب وايلد عدة مقالات يشرح فيها وجهة نظره: إذا كان العمل الفني غنيًا وحيويًا وكاملًا، فإن أولئك الذين لديهم غرائز فنية سيرون جماله، وأولئك الذين تروق لهم الأخلاق بقوة أكبر من الجماليات سيرون الدرس الأخلاقي. سوف يملأ الجبناء بالرعب، وسيرى النجسون فيه عارهم… إن الفن هو الذي يعكس المشاهد حقًا، وليس الحياة (ماسون 23). تجادل الصحافيون ووايلد حول ما إذا كانت الرواية كتبت وفق المبادئ الجمالية أم أنها عملٌ غير أخلاقي. في مراجعة لـ The Bookmaker، ذكر باتر أن وايلد “محق، بالتأكيد، عموما، فيما يخصُّ لفلسفة الجمالية” (مقتبس من ماسون41). ورأى وايلد أنه كتب قصة جميلة، في حين ادعى بعض الصحفيين أنه كتب قصة حب غير أخلاقية مثيرة للاشمئزاز بين الرجال. لم يتفقوا حتى الساعة.

تنقيح النص

نُشرت صورة دوريان جراي أول مرة في مجلة ليبينكوت الشهرية عام 1890 (ماسون 49). تحتوي الطبعة الأولى العديد من الأجزاء التي يمكن بسهولة الخلط بينها وبين حب الذكور، على سبيل المثال “علمت أنني إذا تحدثت إلى دوريان فسوف أصبح مخلصًا له تمامًا” (دوريان جراي 7) و”لا تسلبني الشخص الوحيد الذي يجعل الحياة جميلة في نظري” (دوريان جراي 11). في النسخة الأصلية يبدو كما لو أن باسل هالورد يهوى دوريان جراي “من الصحيح حقا أنني كنت أعبدك بمشاعر ملتهبة أكثر بكثير مما يمنحه الرجل عادةً لصديق. بطريقة ما، لم أحب امرأة قط. أحسب أنه لم يكن لدي الوقت مطلقًا… منذ اللحظة التي التقيتك فيها، كان لشخصيتك التأثير الاستثنائي فيَّ. أعترف أنني عشقتك بجنون، وبإسراف، وبسخافة. لقد كنت أغار مِن كل مَن تحدثهم. أردت أن أحظى بك وحدي بكل ما فيك. لم أكن سعيدًا إلا عندما كنت برفقتك. عندما تبتعد فأنت تبقى حاضرا في فني. لقد كان كل ذلك خطأ وحماقة… كان من المفترض أن تكون أنت تحفتي الفنية”. (دوريان جراي 56-57). ومع ذلك، قد يكون هناك تفسير آخر وهو أن باسل هالورد يحب الجودة الفنية لدوريان جراي، يُظهر إخلاصًا شديدًا وتعاطفًا وإعجابًا بشخصية جميلة (بيرسون 166). إن الملامح الجميلة لوجه دوريان غراي، وشخصيته الإيجابية، وهالته تجعل من الممكن إنشاء لوحة غير عادية. لكن ومن أجل التركيز أكثر على الجمال الجمالي، أزال وايلد بعض الأجزاء الغامضة من الرواية في الطبعات اللاحقة، لتسهيل إدراك القيمة الفنية للقصة. وأضاف أيضًا مقدمة يعرّف فيها الفن وعمل الفنان والجمال. وهي تتألف من صفحتين فقط تحتويان عدة عبارات غامضة، وثمة معانٍ أعمق لتلك الجمل المختارة، على سبيل المثال “ما من فنان له تعاطف أخلاقي. التعاطف الأخلاقي لدى الفنان هي طريقة أسلوبيّة لا تغتفر” (دوريان جراي، الطبعة السابعة). تذكرنا هذه الجمل تذكرنا بالألغاز أو التورية، فهي مائلة، مما قد يؤدي إلى عدة تفسيرات وربما المزيد من سوء الفهم.

المراجع: 

– Budd, Malcolm. The Aesthetic Appreciation of Nature, Oxford: Oxford University Press. 2006. Print.

– Felski, Rita. “The Counterdiscourse of the Feminine in Three Texts by Wilde, Huysmans, and Sacher-Masoch. PMLA, Vol. 106, No. 5 (Oct., 1991), pp. 1094-1105. Web. 13 May. 2011. 

– Johnson, R.V. Aestheticism – The Critical Idiom. London: Methuen & Co Ltd.1969. Print.

– Lynn, Steven. Text and Contexts: Writing About Literature with Critical Theory. 6th ed. New York: Pearson Longman. 2011. Print.

–  Mason, Stuart. Oscar Wilde: Art and Morality – A Defense of “The Picture of Dorian Gray.” London: The Project Gutenburg. [eBook #33689]. 2010. Web. 31 Jan. 2011. 

Pater, Walter, and Matthew Beaumont. Studies in the History of the Renaissance. Oxford: Oxford University Press. 2010. Print. 

– Pearce, Joseph. The Unmasking of Oscar Wilde. Ft. Collins: Ignatius Press. 2004. Print. 

– Pearson, Hesketh. The Life of Oscar Wilde, Trans. Sonja Bergvall. Stockholm: Hagaberg. 1989. Print.

–  Prettejohn, Elizabeth. After the Pre-Raphaelites – Art and Aestheticism in Victorian England. New Jersey: Rutgers University Press. 1999. Print.

–  Schaffer, Talia, and Kathy Alexis Psomiades. Women and British Aestheticism.  Charlottesville: University Press of Virginia. 1999. Print.

–  Sinfield, Alan. The Wilde Century – Effeminacy, Oscar Wilde and the Queer Moment. New York: Colombia University Press. 1994. Print.  

– Wilde, Oscar. The Picture of Dorian Gray. New York: Dover Publications. 1993. Print. 

– Wilde, Oscar. The Picture of Dorian Gray, 1890 version in Lippincott’s Magazine. University of Victoria. 2007. Web. April 12. 2011. 

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى