العلاقة بين الآلهة والبشر في مسرحية أياس وشعر صافو
سوجاي كولشريسذا
ترجمة: ابتهال حامد
تمنح قراءة المسرحيات اليونانية فكرة قيّمة عن العلاقات بين الآلهة والبشر. في حين أن كل من الآلهة والبشر لديهم شخصيات متشابهة إلى حد ما فإن الآلهة اليونانية لديها قدر معين من القوة، فإذا ما استفزها بشر متعجرف فهي على استعداد للتلاعب به من أجل تسليتها دون النظر إلى عواقب أفعالها. يبدأ سوفوكليس في مسرحيته أياس بسرد قصة أياكس بعد زمن من أحداث إلياذة هوميروس. وعلى مدار المسرحية قال سوفوكليس إن أياكس يشعر بالإهانة، لأنه لم يحصل على درع أخيل الميت. لذلك قرر الانتقام وانتحر في النهاية بسبب الضربة التي تلقاها شرفه، تاركًا مسألة ما إذا كان انتحاره عملاً مشرفًا أم لا. إنَّ العلاقة بين الآلهة والبشر في المسرحية علاقة خبيثة. لا تعمل الآلهة على أنها مرافقة أو مستشارة بل تعمل بدلاً من ذلك وكيلةً صارمة. لكن تأخذ العلاقة في شعر صافو منحًى مختلفا تمامًا. تصور صافو، وهي شاعرة يونانية يكتنفها الغموض، العلاقةَ بين البشر والآلهة كعلاقة والد محب على استعداد لمنح المساعدة ساعة الضرورة. يسعنا ملاحظة التناقض في العلاقة بين الآلهة والبشر في كل من مسرحية سوفوكليس أياس وشعر صافو، وعلى نحوٍ أدقّ في النوعين المتباينين من الطبيعة الأبوية التي تتخذها الآلهة عند كليهما. فالطبيعة الأبوية إحدى السمات في الآلهة من أعمال صافو وسوفوكليس. تتصرف الآلهة في كل من الشعر والمسرحية على نحوٍ مشابه للآباء -وإن كان ذلك بأساليب تربية مختلفة- إذ يقدمون النصائح والتحذيرات والمساعدة للبشر. في أياس، تكشف الطبيعة الأبوية للإله عن نفسها في البداية، عندما تلخص الإلهة أثينا الأحداث المحيطة بأياكس لأوديسيوس. تجلب أثينا أوديسيوس ليشهد حالة أياكس الجنونية، قائلة بعد ذلك: “اعتبر بحاله جيدًا، وحذارِ أنْ تجدِّف بحقِّ الآلهة…”. تستخدم أثينا أياكس لتعليم أوديسيوس درسًا قيمًا عن معنى التواضع والاحترام، وتذكرنا النصيحة التي تقدمها أثينا بوالد يطلب من طفله أن يكون متواضعًا وألا يقحَ مع الكبار أبدًا. وصف أثينا في أياس هو وصف الأم الصارمة، التي تعتني بابنها وتوبخه في ذات الوقت باستباقيّة بسبب الغطرسة أو عدم الاحترام في المستقبل. تمامًا كما تتصرف أثينا كأمٍ في أياس تبدو أفروديت كأمٍ في شعر صافو. طبيعة أفروديت في شعر صافو هي طبيعة الأم الحامية، تطلب صافو، المتحدثة، بشدة المعونة العاطفية، وهو الموقف الذي يعلم القارئ أنه حدث من قبل. يتجلى وصف الأم المدللة في الجزء الأول، الذي تقول فيه أفروديت لصافو: “من سأقنع هذه المرة ليرحب بكِ بصداقة؟ من الذي يسيء إلى جنابكِ يا صافو؟”. من الواضح أن أفروديت على أتم الاستعداد لتهدئة إحباط صافو العاطفيّ. إنها مستعدة للذهاب وإكراه الصداقة لأجل صافو. وهكذا، تظهر أفروديت أيضًا على أنها الأمومة في شعر صافو، وإن كانت ذات طبيعة أمومية أكثر ليونة إلى حد ما.
ومع أن كلًا من سوفوكليس وصافو يصوران الآلهة شخصياتٍ أبوية في أعمالهما فهذه الأوصاف الفعلية للآلهة تختلف اختلافًا كبيرًا فيما بينها. إذ يصور سوفوكليس أثينا في أياس على أنها صارمةٌ جدًا وثِقَةٌ، وفي شعر صافو تبدو الآلهة المصورة كأنها حامية ومُعتنية، وتدلل صافو تقريبًا. تتدخل أثينا في أياس في بداية المسرحية وهو الاحتكاك المباشر مع الإلهة، فتمنع أياكس من قتل القادة اليونانيين، أجاممنون، ومينيلاوس، وأوديسيوس. صدَّته عن الهجوم بدفعه إلى الجنون، مما جعله يعتقد أنه يقتل القادة اليونانيين عندما يذبح الأبقار والأغنام بالفعل: “… أوقفتُه. غازلة أوهام فرحته القاتلة، جذبتُه إلى قطعانكَ الأسيرة…”. نعلم هنا أن أثينا حمت أوديسيوس باللجوء إلى وسائل وحشية، بدلاً من إثارة أوديسيوس أو كبح جماح أياكس المجنون فإنها تزيد من جنون أياكس، مما يجعله يذبح الماشية العاجزة. يوضح هذا الإجراء وصفها بأنها شخصية أقل أمومة من أفروديت في صافو. وبالمثل، تجبر أثينا أوديسيوس على أن يشهد جنون أياكس، وتطلب منه بحدة أن يبقى ويراقب: “ابقَ. واجهْه. ما عاد خطرًا بما أضحى عليه”. تجبر أثينا أوديسيوس على مشاهدة أياكس في حالة الجنون لتلقينه درسًا- بعد الانتهاء من التحدث إلى أياكس، تحذره من إظهار الغرور. علاوة على ذلك، تستمر في تهديده قائلة إن النجاح سريع الزوال ويمكن أن يزول في يوم واحد. من الواضح أن مشاهدة أياكس هو تمرين لتعلم التواضع، من خلال مشاهدة آثار الافتقار إلى التواضع والتهديدات على عواقب التصرف بزهوٍ. باختصار، يصور سوفوكليس أثينا كوالدة شديدة الحب، مستعدة لاتخاذ موقف صارم لمنع السلوك الوقح. من ناحية أخرى، تصور صافو الآلهة كياناتٍ خيرة، مستعدة للمساعدة بأي طريقة ممكنة لضمان السعادة. على النقيض من أثينا، التي تهدد بالعقاب، فإن الآلهة في شعر صافو تبالغ في تدليلها. تتمتع الآلهة عموما في شعر صافو بطبيعة أمومية أكبر مما تتمتع به أثينا في أياس. المثال الأول على ذلك يحدث في الجزء الأول حين تطلب صافو من أفروديت مساعدتها في جذب اهتمام عاطفيّ محتمل. تصوير صافو ذو أموميّة أكثر من تصوير سوفوكليس. تقول صافو إن أفروديت “سألتني، مع الابتسامة على وجهك الخالد، ما المشكلة هذه المرة، ولماذا دعوتني هذه المرة…”. تأتي أفروديت إلى صافو بتصرفات لطيفة ومبتسمة وجاهزة للمساعدة. على الرغم من أن التكرار والتأكيد على الضمير “هذه” في السطرين يشيران إلى إحساس بالتاريخ الطويل لطلبات مماثلة من صافو، يبدو أن أفروديت على استعداد لتلتزم مرة أخرى بإسعاد صافو. تصوّر الشاعرة أيضًا طبيعة الأمومة هذه في الجزء الثاني حين تدعو أفروديت إلى مكان الجنة للاحتفال بمناسبة سعيدة. طلبت من أفروديت أن تحتفل معها بسبب طبيعة علاقتهما- لو لم تكن أفروديت داعمة ومستعدة للمساعدة، ربما كانت صافو أكثر ترددًا في ضم أفروديت إلى احتفالها. فضلا عن ذلك، فإن إدراج أفروديت في احتفال صافو يشير إلى ديناميكية علاقتهما، والتي تشبه العلاقة بين الأم وابنتها. في الجزء الأول تدعو صافو أفروديت لمساعدتها في وقت الحاجة، وتضمِّنها أيضًا في الاحتفالات بالأحداث السعيدة مما يوضح أن علاقتهما قريبة جدًا. يشير تصوير صافو للعلاقة بينها وبين أفروديت إلى ديناميكية حميمية بين الأم وابنتها تظهر فيها أفروديت شخصية في منتهى الأمومية.
يشير تمثيل العلاقة بين الآلهة والبشر في مسرحية أياس وشعر صافو إلى وجود علاقة أبوية بين الآلهة اليونانية والبشر. تعامل الآلهة البشر كأطفال، مع قدر أقل من الحكمة والحاجة إلى التعليم الذي يجب عليهم تلبيته. ومع ذلك، فإن التمثيلات المعنية تختلف عند فحص العلاقة الفعلية في السياق. يصور سوفوكليس أثينا على أنها والدة محبة قاسية، مستعدة للصدمة والتهديد من أجل المساعدة على المدى الطويل. إن استخدامها لجنون أياكس لتعليم أوديسيوس درسًا هو مثال رئيس عن هذه الطبيعة. على العكس من ذلك، توضّح صافو علاقة وثيقة جدًا مع أفروديت، مماثلة لتلك التي بين الأم وابنتها، حين تثق بأفروديت في أثناء المسرات والأزمات. لذلك، فإن توصيف أفروديت يؤدي إلى طبيعة أمومية أكثر من طبيعة أثينا. في غالب القول من الواضح أن كلا الكاتبين ينظر إلى الآلهة شخصياتٍ ذات سلطة، على الرغم من التشابه الشديد في خصائص الآلهة والبشر.