الأنوار العربيّة على الحضارة الإنسانيّة

ADC Organization


حجم الخط-+=

ترجمة: موسى جعفر 

مقدمة

من المنطقي أن العالم العربي لم يكن على هذه الحال طول الزمان، فهو جزء من عجلة التاريخ التي لا تكف عن الدوران. وإن كان الغرب سيد العالم اليوم، فلا شك أن القرون من السابع إلى الثالث عشر شهدت سيادة العرب. إذ كان العالم العربي آنذاك حضارة احتواء، ومشروع جمع وإيواء؛ وصلت سكان إسبانيا وشمال إفريقيا في المغرب، بسكان مصر وسوريا ووادي الرافدين في المشرق. كانت تلك الحضارة استمرارًا للحضارات السابقة بعلومها وفنونها، وامتزاجًا لها، وإضافة إليها، ونستعرض في هذا المقال بعض تلك الإضافات التاريخية.

*

كانت آصرة الحضارة التي نتحدث عنها اللغة العربية، أما صانعها فكان التوسعات الإسلامية؛ فقد فتحت الطرق التجارية بفضلها، وعقدت التحالفات في ظلها، وتوحدت الشعوب والأراضي المنفصلة لأجلها، أو نتيجة لها.

وإن كانت المنطقة حتى الهلال الخصيب وشمال إفريقيا هي التي شهدت بزوغ الثقافة العربية، فإن الإسلام لما انتشر إلى ما بعدها لم تعد تسمية العرب قاصرة على الساكن فيها، إذ صار العربي كل من ينتمي إلى الحضارة العربية، ويتطبع بأطباعها وعاداتها الاجتماعية. وهكذا ضمت الحضارة العربية المسلمين والمسيحيين واليهود، ووحدت العرب والبربر، والإفريقيين والمصريين وذرية الفينيقيين والكنعانيين، وغيرهم. ولا شك في أن هذا الامتزاج كان مصحوبًا باختلافات وتوترات، ولكنه كان سببًا في ارتقاء الحضارة الناشئة، وربيعها، وسبقها الذي نورده تاليًا.

الرياضيات

المساهمات العربية في الرياضيات واضحة جلية، ليس لأحد أن ينكرها أو يماري فيها. فقد كان الصفر الذي نقله العرب حلًا لبعض المعضلات الرياضية، والترقيم العربي تسهيلًا للتقدمات العلمية. وكيف ينكر العاقل مساهمة الخوارزمي وقد وضع علم الجبر، وكيف ينكر القارئ أن التأثير العربي في الرياضيات بلغ الجامعات الأوروبية، وعنده ما يثبت ذلك في كتابات ليوناردو دافينشي وليوناردو فيبوناتشي وغيرهما.

علم الفلك

طور الخوارزمي الجبر وكانت دوافعه الأساسية للبحث دينية، إذ كان يصبو إلى إيجاد طريقة دقيقة ويسيرة لتقسيم الأراضي، حتى تتبع قوانين الميراث القرآنية أدق اتباع. وكذلك كان الدافع لتطوير الإسطرلاب. إذ استخدم لمعرفة الوقت الدقيق لشروق الشمس وغروبها، ومعرفة وقت الصيام في رمضان.

وكان علماء الفلك العرب في العصور الوسطى يجمعون الرسوم الفلكية وجداولها في مراصد تدمر ومراغة وسواها. واستطاعوا قياس خطوط الطول والعرض، ومعرفة السرعات التقريبية للصوت والضوء. بل إن البيروني، وهو من أعظم العلماء في تاريخ البشرية، ناقش فكرة دوران الأرض حول محورها، وهذا ما أثبته غاليليو بعد ستة قرون. وأضاف علماء الفلك العرب أمثال الفزاري واَلْفَرْغَانِي وَالزَّرْقَالِي إلى أعمال بطليموس والرواد الكلاسيكيين في تطوير البوصلة المغناطيسية ورسم دائرة الأبراج. وكانت مراغة قبلة علماء الفلك البارزين في القرن الثالث عشر.

الطب

اقتبس العرب الممارسات العلاجية القديمة، كالتي كانت في مصر ووادي الرافدين، وارتقوا بها وأضافوا إليها حتى صاروا رائدين. فبرز منهم جهابذة ومراجع كثر، مثل ابن سينا وابن النفيس والرازي، وابن الخطيب وابن خاتمة وابن العباس المجوسي.

ولا يبتدأ الحديث عن الطب العربي إلا بابن سينا، كيف لا وهو الرائد في الصحة العقلية، وأبو المعالجين النفسيين، وخير من كتب في الطب في العصور الوسطى، بدليل أن كتابه «القانون في الطب» عاش مرجعًا في أوروبا حتى القرن السابع عشر. ومن روائع ما أدركه ابن سينا أن بعض الأمراض نفسية وجسمانية في آن، لذا كان يعمد أحيانًا إلى مساعدة المريض في نبش ذكرياته المنسية ليفسر علة عنده.

أما الرازي فكان من أعلام عصره في الأمراض المعدية، وموسوعة القرن التاسع الطبية. وكان يرى أن على طلاب الطب تعلم صنعتهم في المدن الكبيرة المزدحمة، حيث يكثر المرضى وتجد الأطباء المهرة، فأمضى ريعان شبابه في بغداد متعلمًا ومريدًا. وكتب بعد ذلك مجلدات في التحقيقات الطبية، ومراجع اعتمدتها أوروبا قرونًا بعده، مثل المنصوري في الطب والحاوي في الطب. وكان أول من شخَّص الجدري والحصبة، وقال إنهما من الأمراض المنقولة بالتلوث. وأدخل علاجات مثل المرهم الزئبقي وخيوط الجراحة.

ولما اجتاح الطاعون العظيم العالم في القرن الرابع عشر، أعلن ابن الخطيب وابن خاتمة -من غرناطة- أنه كان ينتشر بالعدوى. أما علي بن العباس المجوسي فقد أورد تصورًا أوليًا للشعيرات الدموية في كتابه الكامل في الصناعات الطبية (كتاب الملكي). ويكفي ابن النفيس إنجازًا أنه اكتشف أسس الدورة الدموية الرئوية في القرن الثالث عشر.

كانت الصيدليات العربية عامرة بالأدوية والأعشاب العلاجية منذ قرون بعيدة، فاحتوت على الكافور والقرنفل والمر والشراب والجلاب وماء الورد، وصدَّرت إلى الموائد الأوروبية الريحان والزعتر واليانسون وعرق السوس والكزبرة وإكليل الجبل وجوزة الطيب والقرفة وغيرها.

العمارة

كما حال الرياضيات وعلم الفلك، كان تمجيد الإسلام الهدف الرئيس من تطوير العمارة العربية، فنذر المعماريون جلَّ مهارتهم لبناء المساجد والأضرحة.

استعار العرب تصميم الأقواس الرومانية، وعدلوها إلى القوس المغربي الذي صار قدوة العمارة الأوروبية. ومن الأمثلة على ذلك في القرن الثامن الجامع الأموي في دمشق، والمسجد الطولوني في القاهرة- الذي احتذى به المهندسين في عدد من الكاتدرائيات الأوروبية الرائعة.

وكان التصميم العربي للأقواس، مثل القوس الثلاثي والأفعواني والمدبب، أساس القوس الرباعي الشهير في كاتدرائيات ويلز في إنجلترا (غَالَة) وشارتر في فرنسا (جارطرش). أما المنارة الإسلامية، المستوحاة من المنارات اليونانية القديمة، فقد تطورت إلى أبراج الناقوس الأوروبية، مثل الذي في ساحة سان ماركوس في البندقية.

واستخدمت تصاميم المساجد العربية، في القدس وطرابلس ودمشق والقسطنطينية والقاهرة، في بناء العقود (أو الأقبية) في أوروبا. أما القصور والكاتدرائيات الأوروبية في القرنين الحادي والثاني عشر فقد انتفعت بتفاصيل إنشائية عربية، مثل الدعامات التكعيبية الناقلة تحت القباب.

لقد كانت الأساليب العربية بديعة ساحرة. ويمكن ملاحظة الأسلوب العربي في الزخرفة والخط والألوان في بنايات مثل بهو السباع في قصر الحمراء في غرناطة، والجامع الكبير في قرطبة، والعديد من المباني الدينية والمدنية العظيمة في العصور الوسطى في أوروبا.

يقر الغرب منذ القدم بالتأثير المعماري العربي في الدول الرومانية، مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، إلا أن قلة منهم من تدرك أثر بلوغ الإمبراطورية العربية أوروبا الشرقية وآسيا. على الرغم من أنه ملموس في شتى أنحاء روسيا، وفي أوزباكستان التي شيد فيها مسجد يعرف بجوهرة سمرقند، فضلًا عن مقبرة شاه زنده (مرقد قثم بن العباس بن عبد المطلب)، وكلاهما رمم وأعيد إليه الكثير من جماله القديم.

الملاحة والجغرافية

كان الكنعانيون أول من رسم المخططات الجغرافية، ويحتمل أنهم اكتشفوا المحيط الأطلسي بالتزامن مع المصريين، ولكن عرب العصور الوسطى كانوا من حمل الراية وطور تلك الأساليب البدائية. والتاريخ العربي زاخر بالرحالة والملاحين.

على رأس علماء الجغرافية البارزين في القرن الثاني عشر يكون محمد الإدريسي، وهو عالم مغربي انتقل إلى صقلية بعد سقوط الدولة الإسلامية. كان روجر الثاني ملك صقلية آنذاك، وكلف الإدريسي بوضع أطلس للعالم، فوضع الإدريسي كتابًا ظل مرجعيًا في أوروبا نحو ثلاثة قرون، كان عنوانه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، وعد أفضل دليل كتب عصره باستحقاق.

وانتقالًا إلى القرن الرابع عشر، نجد ابن بطوطة، أفضل رحالة في ذلك العصر. على الرغم من أن ابن بطوطة لم يكن جغرافيًا محترفًا، فإنه ركب شتى المراكب في البر والبحر، ويقدَّر أنه قطع أكثر من مئة ألف كيلومتر. إذ أمضى عقودًا يرتحل في تركيا وبلغاريا وروسيا وبلاد فارس وآسيا الوسطى، وقضى في الهند عدة سنين صار بعدها سفيرًا إلى الإمبراطورية الصينية، ثم جاب إفريقيا شمالًا وزار شتى مناطقها الغربية. وأورد الكثير من المعلومات عن البلدان التي زارها، مثل أحوالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في كتاب تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.

وحدث مرة سنة 1520 أن أسر قراصنة إيطاليون شابًا عربيًا حظي باهتمام الغرب، كان ذلك الشاب في الخامسة والعشرين، واسمه حسن الوزان الفاسي. صار حسن ربيب البابا ليو العاشر، الذي أقنعه بالارتداد عن الإسلام واعتناق المسيحية، وعرف لاحقًا بليون الإفريقي. كان ليون مرجعًا موثوقًا للمناطق الإفريقية، وسأله البابا كتابًا في رحلاته إلى المناطق الإفريقية غير المعروفة آنذاك. فوضع كتابًا ترجم إلى العديد من اللغات الأوروبية، وتسيد المصادر عن إفريقيا قرنين من الزمان.

البستنة

أجل العرب الأرض والماء منذ القدم، ورأوا فيهما سر الحياة، ثم اقتدوا بالحديث النبوي «من أحيا أرضًا ميتة فهي له» فصاروا روادًا في البستنة.

كانت المساهمات العربية منقطعة النظير في إنتاج الطعام، مثل كتاب الفلاحة الذي وضعه العالم الأندلسي ابن العوام، إذ وصف فيه أكثر من 500 نبتة، وذكر طرائق التطعيم وتخصيب التربة، وعلاج أوبئة الكروم والشجر في القرن الثاني عشر.

لقد طعم العرب الكروم فحملت أصناف الأعناب بشتى الألوان، وأدخلوا أشجار الخوخ والمشمش وغيرها إلى جنوب أوروبا، وكثروا أشجار الزيتون في التربة الرملية لليونان وإسبانيا وصقلية. واستوردوا زراعة السكر من الهند، وجلبوا القطن من مصر إلى الأسواق الأوروبية. وأتقنوا خزن الفواكه فصارت متوفرة في كل المواسم.

فيما يخص الجانب الجمالي، وهبت البستنة العربية الزهور الطيبة والأعشاب الشذية التي تستخلص منها العطور. وكانت الحدائق العربية بهجة الناظرين، ومجلس المتسامرين، وجنة العاشقين. ولك أن تتخيل ياسمينًا تتوسطه شجرة صنوبر باسقة، أو شجرة صفصاف بابلي تلمس أغصانها قلب بحيرة صافية ساكنة، أو نافورة أو شلال صناعي بين الخزامى والغار. لقد كانت الحدائق العربية ذات ألوان وعطور رائعة بفضلهم، إذ كانوا يطعمون جذور الأزهار بالزعفران لتصبح صفراء، وبالليلك لتغدو زرقاء، وعمدوا إلى حقن الأشجار والكروم بالعطور في الخريف، ليمتلئ الجو عبيرًا وطيبًا في الربيع. لقد أقاموا العروش والظلل حيث تجري الجداول من تحتها، فوفروا بذلك ملاذًا من الصحراء وحرارتها. ورصوا أشجار السرو بمحاذاة الأزقة، فنمت عاليًا وحجبت كل ما قد يكدر النظر، وزرعوا المستحية والكرز فغطت الجدران الحجرية وأكسبتها ألوانًا زاهية.

بل إن الإضافات العربية إلى الزراعة الأوروبية استمرت حتى عندما كانت الهيمنة العربية تضعف، مثلًا حين احتلت فلسطين من الصليبيين، وجدوا أزهارها مهجنة بنحو رائع وجاهزة للقطف، فنقلوها إلى موطنهم. واستوردت أوروبا، بفضل القوافل التجارية الشرقية وغزاتها، شتى الأنواع مثل الأرز والسمسم والفلفل والزنجبيل والقرنفل والبطيخ والكراث، وكذلك التمر والتين، والبرتقال والليمون وسواهما من الحمضيات.

العلوم الأخرى

فيما يخص الإضافة العربية إلى الهندسة، فلك أن تنظر إلى العجلة المائية، والري، والبئر الثابت العمق، والساعة المائية. واعلم أن أبناء موسى بن شاكر الثلاثة نشروا كتابًا عنوانه الحيل سنة 860، وصفوا فيه مخططات مئة تصميم تقني. أما الكندي، وهو من الفلاسفة الأوائل، فقد كتب عن الوزن النوعي والمد والجزر وانعكاس الضوء والبصريات.

وكتب ابن الهيثم مجلدًا عنوانه المناظر في القرن العاشر، أورد فيه الوهم البصري، وتحدث عن قوس قزح، والحجرة المظلمة. ودرس الخسوف والكسوف، واكتشف اكتشافات جديدة في الانكسار الجوي، ووضع أسس تطوير المجهر والمقراب. ولم يحد ابن الهيثم نفسه في مجال واحد، بل درس شتى الاختصاصات مثل الفيزياء والتشريح والرياضيات، وأضاف إليها كما فعل معظم المفكرين العرب.

الصناعات اليدوية

آمن العرب المتقدمون أن الفن في خدمة الله، فساروا ببعض التقنيات الفنية الصغيرة نحو الكمال. وتشهد الأواني الزجاجية والسيراميك والمنسوجات على خيالهم ومهاراتهم المميزة. إذ غطوا الجدران والأجسام بالتفصيص الساحر بتعقيده (الفسيفساء)، والبلاطات والنقوش والرسومات. وكان المرو والأكواب السورية المزخرفة مطلوبة بشدة في أوروبا في عصر النهضة، وكذلك الزليج الأندلسي. ومثلها كان الخزف المغربي المزجج ذائع الصيت. وطوروا تقنيات تزجيج جديدة، وسميت الصبغة الزرقاء البنفسجية الداكنة المستخدمة فيها بالزراق الصيني عند تجار هولندا، على الرغم من أنها تعرف في الصين بالزراق المحمدي (كانت الصين تستورد الصبغة من مدينة قاسان الفارسية).

كان العرب أساتذة في نسج الحرير وفنونه، وخير دليل علمك أن ملك صقلية روبرت الثاني ارتدى ثوبًا عربيًا مطرزًا بالخط الكوفي في يوم تتويجه. وكان النسيج الموصلي والكتان الدمشقي والصوف الشيرازي علامة الجودة في الألبسة الأوروبية. ومثلها كان الجلد المغربي عاليًا في الجودة. فقد طور الدباغون المغربيون في العصور الوسطى طرائق دباغة للجلود لتصير ناعمة كأنها حرير، واستخدموا أصباغًا نباتية ثابتة اللون. وكان الجلد المغربي يستخدم أيضًا في تجليد الكتب، ولم تزل أدوات التذهيب والألواح الملونة العربية تستخدم حتى الآن، لا سيما في البندقية وفَلُورَنْسَة.

وطور العرب فن تشكيل فولاذ البوتقة. فجعلوا الفولاذ أقوى وصقلوه وزينوه بالنقوش، فأنتجوا السيوف الدمشقية المصلَّدة. وشملت الأعمال المعدنية الأخرى الثريات النحاسية المركبة، والأباريق، والصواني، وعلب المجوهرات المطعمة بالذهب والفضة، ولا ننسى الإسطرلاب المزين بشكل جميل.

اللغة والخط

اللغة العربية غنية مطواعة، وكانت أولى الأعمال العربية في الترجمة نقل الكلاسيكيات الرومانية، فنقلوا فلسفة أرسطو وأفلاطون وأبقراط وبطليموس وديسقوريدس وجالينوس. ووضعت التركة العربية بصماتها في المشرق والمغرب، مثلًا يقال إن ترجمة الشاعر نظامي الكنجوي لملحمة ليلى والمجنون، في القرن الثاني عشر، ربما كانت الإلهام لروميو وجوليت. وتعد رواية حي بن يقظان، التي كتبها ابن طفيل في القرن الثاني عشر، أول رواية حقيقية عند كثر، وقد ترجمها بوكوك إلى اللاتينية في القرن السابع عشر وسايمون أكلي إلى الإنجليزية في القرن الثامن عشر. وفي قصة روبنسون كروزو التي كتبها دانيال ديفو شبه كبير لها. أما قصة ألف ليلة وليلة ورباعيات عمر الخيام فهما من أفضل الأعمال العربية وأشهرها.

ولمَ بجل المسلمون لغتهم، لأن الله كلَّم بها رسولهم وصار الخط العربي فنًا بذاته، واستخدم زينة لكل المساجد في العالم العربي، وتألقت به البنايات الدينية والعامة في باليرمو وقرطبة ولشبونة ومالقة.

الموسيقا

إن القيثارة واللير والقانون والطبل والدف والناي والمزمار وآلات القصب ما زالت كما استخدمها العرب في بداية حضارتهم، أو اشتقت من آلاتهم. أما القيثار والمندولين فشقيقتان للعود، تلك الآلة الموسيقية الشجية الكمثرية.

أما مزمار القربة فكان سلوى الرعاة العرب في فلسطين، ولم يعرفه الأوربيون إلا حين أخذه الصليبيون في حربهم. وعاد بعد طول فقدان إلى الفلسطينيين مع الجيش البريطاني، فتعلموه من جديد في مدة إعادة التنظيم التي أجراها السير جون غلوب عندما كان يقود فيلق البدو السود في الأردن.

الفلسفة

كاملَ الفلاسفةُ العربُ الدينَ والحقائقَ العلمية بنحو فعّال، فكان واحدهما يترك المشهد بحضور الآخر. وأعاد الفلاسفة العرب بعد بيزنطة اكتشاف الفلسفة الكلاسيكية لأرسطو وأفلوطين وأفلاطون في محاولة للعثور على إجابات للغيبيات والأسئلة الأساسية المتعلقة بخلق الله للكون، وطبيعة النفس البشرية ومصيرها، وحقيقة وجودها.

برز من العرب فلاسفة كثر في العصور الوسطى، منهم الكندي الذي أضاف إلى أفكار أفلاطون وأرسطو، والفارابي الذي وضع نموذجًا للمجتمع البشري، وابن سينا الذي وضع نظريات في الشكل والمادة صارت جزءًا من تيار المدرسية المسيحي، وابن خلدون الذي عرض دورات الدولة عرضًا مفصلًا في مقدمته، وكتب أرنولد توينبي في وصف كتابه العبر: «أدرك ابن خلدون وصاغ فلسفة تاريخ هي الأعظم بلا شك، ولم يسبقه إليها عقل قط».

تعقيب

عند مناقشة المساهمات في الحضارات الإنسانية لبعض العلماء والفنانين والمعلمين والفلاسفة والشعراء والموسيقيين العرب في العصور الوسطى، على المرء أن يتذكر أن فكرهم قد صاغته وشكلته العديد من الثقافات القديمة، مثل اليونانية والرومانية والصينية والهندية والبيزنطية والكنعانية والمصرية. وأنهم استمرار للحضارة البشرية، بنموها وطفراتها، لا يجوز الاكتفاء به كما لا يجوز نفيه كليًا.

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى