الأدب المُقدَّس: ماذا قال كلاسيكيو العَالَم عن الكُتّاب الرّوس؟
ماريا صالافيوفا
ترجمة: عمران أبو عين
حظيت الكلاسيكيات الرّوسيّة بالإعجاب في كُلّ الأوقات، ليسَ فقط مِن الرّوس بل من جَميعِ أنحاء العَالم، من بَينهم العَديد مِن الكُتَّاب العَالمين المَشهورين. في هذا المَقال، سَنتكلّم عن الّذين أُعْجِبَ بهم توماس مان، ومَنْ كان يُطلقُ عليه اسم “دستويفسكي الأمريكي” وعن الشخصيات الّتي رَغِبَ جيمس جويس لقاءها.
وليم فوكنر ودستويفسكي
يُعَدُّ فوكنر واحداً من أكثرِ الكُتّاب احترافيّة. عَمِلَ على تطوير الأدب، وحصلَ على جائزة نوبل في عام 1949م، وقد صُنِّفتْ روايته “الصخب والعُنف” ضمنَ أفضل مئة كِتاب بحَسب العَديد من المَجلات ودُور النَّشر والنَوادي الأدبيّة حَول العالم. لم يكن فوكنر كَاتِباً حسب بل وقارئا نَهِما، احتوتْ مَكتَبَتُهُ الكِتاب المُقدّس والإلياذة والأوديسة وأعمال شيكسبير ودون كيخوته لسرفانتس، وموبي ديك لملفيل. اطّلع قبل عَمَلِه الأوّل على أعمالِ دستويفسكي وتولستوي وتورغينيف، لم يكن يُتقِن اللُّغة الروسيّة، إلّا أنّهُ قرأها مُترجمة. فلم يكنْ ذلك عائِقاً لمَعرفةِ الأَدب الروسيّ. كانَ لدى فوكنر العديد من الطبعات الإنجليزيّة المُختلفة لأعمالٍ من مثل الحَرب والسّلام وآنا كارينينا وبعض أعمال دستويفسكي مثل الإخوة كارامازوف والشياطين والفقراء والأبله. فقد اطّلع فوكنر على العديدِ من الرّوايات بترجماتٍ مُختلِفة، وكَتبَ على بَعضِها هَوامش ومُلاحظات. ولتطابُقِ أفكارِ الكَاتب الفلسفيّة مع مُؤلف الإخوة كارامازوف لُقِّبَ بـ دستويفسكي الأمريكي. وعن ذلك قَال الكاتب فوكنر “لم يؤثِّرْ فيّ حسب، بل أشعرُ بسعادةٍ كبيرةٍ عند قِراءتِها، وأُعاوِدُ قراءتَها كُلّ عامٍ تقريباً، لديهِ مَهارة في الولوجِ النَّفسِ البشريّة، مما يجعلُ الكثيرَ مِنَ الكُتّاب يُوَدون الاقترابَ منهُ، كانَ واحداً من أُولئك الكُتّاب الّذين تَركوا إنجازاً لا يُنسى”.
جيمس جويس وبوشكين
الكاتِب الأيرلندي جيمس جويس واحِد من مُؤسسي الحَداثة، جَلَبَتْ لهُ روايته الضَخمة عوليس شُهرة عالميّة، تِلكَ الرّواية الّتي تَدورُ حَولَ يَومٍ من حَياة ليوبولد بلوم. قَدَّرَ جويس الأدبَ الروسيّ، ففي الوقت الّذي كانَ يَكتب أَعمالِه كَان يَقرأُ كثيراً في الكلاسيكيات الروسيّة، ويبحثُ عن الإلهام فيها. يُلاحِظُ مُتخصصو الأدبِ وُجودَ الكثير من أعمالِ تشيخوف وليرمنتوف وغوغول مَنثورة في أعمالِ جويس. وقد كانَ الكاتِب على تَواصل مع الكُتّاب الرّوس المُهاجرين مِنْ أَمثال: نابكوف وكاندينسكي وسترافينسكي. مِن بين الكلاسيكيين الرّوس، أنزل جيمس الكاتب تولستوي في مكانةٍ خَاصة، وفي مُقابَلَة مع النَاقِد آرثر باور قالَ جويس بأنّه كانَ يَحلُمُ بِلقاءِ بوشكين وتورغينيف وتشيخوف. وعُموماً فقد وَصفَ تشيخوف بأنّهُ الأَبرز بين الكُتّاب الرّوس، وبأنّهُ غَيَّرَ شكلَ المَسرح العَالَمي “أَحدَثَ للمَسرح شَيئاً جَديداً وأعطى مَعنى جَديداً للمَسرح العَالمي، مَسرح تشيخوف هو نَفْسُه مَسرح الحَياة، وهذا هو سِرُّهُ”. تَحدَّثَ الأيرلندي جويس عن تولستوي بِإعجابٍ كبير، وقالَ عنهُ بأنّه “سَبقَ غَيره بخَطوتين” ووَصَف تولستوي بأنّه “كاتبٌ خَلاب ومُدهش”. لم يكنْ إعجاب جويس بالكلاسيكيين الرّوس إعجاباً مُطلقاً مِنْ دُون شَرط، فهو على سبيلِ المِثال عدَّ دستويفسكي غَير واقعي ولم يَفهمه. لكنّهُ يَعترفُ بأنَّ دستويفسكي كاتبٌ مَوهوب “الشخص الّذي صَنع النثرَ الحَديث أكثرَ مِن غَيره، وحَطَّمَ الرّواية الفكتوريّة بِقوّة”.
برنارد شو وتشيخوف
برنارد شو، كاتبٌ مشهور في أوروبا، كَتبَ مسرحيتين مشهورتين هما بجماليون والمنزل الّذي يُحطِّمُ القُلوب، وحَصلَ بفضل أَعمالِه الإبداعيّة على جَائزة نوبل سنة 1925م. في رسالةٍ كَتبها شو إلى زميله هربرت ويلز يقول “كُلُّ مَا نكتبه في إنجلترا، لا يبدو على شيءٍ بعد أعمال تشيخوف وباقي الكُتّاب الرّوس”. اعتنى الكاتب الأيرلندي شو بتشيخوف على نحوٍ خاص، وأَحبَّ الكِتابة المسرحيّة الروسيّة منذُ الصِغَر. عندما أصبحَ كَاتباً احترافياً مَشهوراً، وكتبَ أكثر من اثني عشر مسرحيّة، قال “تشيخوف كاتبٌ لامِعٌ، يُمكنُ وَضعُهُ إلى جَانب تولستوي وتورغينيف“. ولإشادَتِه بالكلاسيكيات الروسيّة، عند كِتابته مسرحيته المَنزل الّذي يُحَطِّمُ القُلوب، لم يخفِ برنارد شو تَأثيرَ الأدب الروسيّ فيها، بل على العكس أَكَّدَ ذلك. ووَصَفها “الخيالُ الروسيّ في قَضايا إنجليزيّة”، وأَكَّدَ بذلك أنّ عَمَلَه هذا عَلامةٌ مُخلصة لأحدِ أعظم الكُتَّاب إلى جَانب الشُّعراء والمَسرحيين الآَخرين. وحتّى مع تَقدُّمِهِ في السِّن، كانَ برنارد شو مُتعاطِفاً ليس فقط مع الأَدب الروسيّ بل مع كُلِّ شَيءٍ روسيّ، مع ثَقافَتِها وفَنها. وفي سِن الخَامِسة والسَبعين، زار شو الاتّحاد السوفيتي، وتَعَرَّفَ إلى البَلد الّذي أُعجِبَ بِه كَثيراً، وإلى يُوسف ستالين. قال شو “سأعودُ من أرضِ الأَمل والقُوّة إلى بلادِنا الغَربية بِلادَ اليَأس”. وقال “من دُونِ شَكٍّ، فالرُّوس مِن أَكثر النَّاس سِحراً في العَالَم”.
توماس مان وتولستوي
حظيَ الأديب الكلاسيكي الألماني توماس مان بالتقدير عَلى أعمالِهِ بودنبروك والجبل السحري والدكتور فاوست. وحَصلَ عام 1929م على جَائزة نوبل في الأدب. منذُ الطُفولة، تَعَرَّفَ توماس مان إلى الجيل الذَهبي للأَدب الروسيَ، وأَحبَّهُم كَثيراً مثل بوشكين، غوغول، غانشاروف، تورغينيف، تشيخوف، ليسكوف، دستويفسكي، تولستوي. لم يكنْ توماس مان يُجيدُ اللُّغة الروسيّة، وقرأ تلك الكلاسيكيات مُترجمة. في رسالةٍ إلى صَديقه قال توماس مان “لا أعرفُ كلمة واحدة في الروسيّة، والتَرجمات الألمانيّة الّتي قَرأتُها في شَبابي لعُظَماء الرُّوس في القَرن التاسع عشر، كَانتْ سيئة جدّاً، ومع ذلك أحسب أن تلك القِراءة لها تَأثيرٌ في تشكيلِ شَخصيتي”. لقد أخذَ الأدب الروسيّ بلُبِّ الأديب الألماني، وفي أحد أعمالِهِ المُبكِّرة، تونيو كريوجر، سمَّى مان الأَدب الكلاسيكي الروسيّ بـ”الأَدب الروسيّ المُقدَّس”، واعترفَ بَعدَها بأنَّهُ لم يكنْ يَستطيع التَواصلَ في عَمَلِهِ بودنبروك لو لم يَستمد القوّة من القِراءةِ المُستمِرَّة لأَعمالِ تولستوي. وعلى عكسِ بَعض الكُتَّاب الأجانب، لم يكتفِ توماس مان بالأعمالِ النَثريّة بل اهتمَّ بالشعرِ أيضا، الّذي لم يَستطع الوُصول إليه، لقد تَأسَّفَ مان على عَدمِ تَمُكّنه مِن تَعَلُّمِ اللُّغة الروسيّة لضيقِ الوَقت وضُعف الهِمَّة، لكي يَقرأَ أشعارَ بوشكين بنُصوصِها الأصليّة.
إرنست همنغوي وإيفان تورغينيف
همنغوي واحد من أبرز الوجوه الأدبيّة الأمريكيّة، وحائزٌ على جائزة نوبل في الأدب، عِشقُه السوفييت في أجيال عِدّة، كانَ همنغوي نفسُه مُعجباً بالأدب الروسيّ، ووَاسِع القراءة له، فاستمتع بالقراءة لغوغول، تورغينيف، تشيخوف. وفي رسالةٍ إلى بوريس باسترناك، كتبَ همنغواي “كنتُ طَوال حياتي مُعجباً بالكُتّاب الرّوس، لقد عَلَّموني الكَثير. لو كُنتُ قادِراً على أنْ أُخْلَقَ مُجدَّداً لاخترتُ أنْ أكونَ روسيّاً، وأنْ أقرأَ الكُتُبَ باللُّغة الروسيّة”. ألهمَ تورغينيف الكاتبَ همنغوي بأنْ شَكَّل لديهِ فَهماً خاصاً للطبيعة، ذلك ما لاحَظَهُ المتخصصون في أعمالِ همنغوي. وكَتبَ الكَلاسيكي الأمريكي عَن دستويفسكي “لدى دستويفسكي الشيءُ الّذي يُصَدَّق، وأشياء لا يُمكِن أَن تُصَدَّق، وهُنالِك أَشياء نَقرؤها ونَشعرُ مَعها أَحياناً بِالخَوفِ والقُدسيّة والرَّذيلة”. أُعجِبَ همنغوي على نحوٍ خاص بتولستوي، وكانَ بزعمه “سيّد الحُروب النَّثْريّة” -سيّد النَّثر- “لا أَعرِفُ أفضلَ من تولستوي أَحداً كَتبَ عن الحَرب”. بذلك تَكلَّم همنغواي وقالَ أيضاً أُحِبُّ الحربَ والسّلام وآنا كارينينا، أُحبُّها بشغفٍ لوصفِها الدَقيق والصَادق للحربِ والنَّاس. وقالَ إنَّ الأدبَ الأمريكي لا يُمكِنُ أنْ يُقارَنَ بالأدب الروسي من خِلالِ ما كَتَبه المُعاصرين عن الحَرب إذ يُعَدُّ “عَملاً صِبيانيّاً مَريضاً، لم يرَ الحَربَ في حياتِهِ”. وَضعَ همنغوي في قَائِمته روايتي الحَرب والسّلام وآنا كارينينا، وعدهما ضَروريتين للكُتّاب المُبتدئين الطَموحين، بالإضافةِ إلى ذلك الإخوة كارامازوف لدستويفسكي.