أيمي لوويل 1874-1925

poetry foundation


حجم الخط-+=

ترجمة: ميار عطار

كانت أيمي لوويل شاعرة ودعائية ومحررة ومترجمة. كرست حياتها لقضية الشعر الحديث. يقال إن لوويل قالت ساخرة: “لقد جعلني الرب سيدة أعمال، وجعلت من نفسي شاعرة”. خلال مهنة امتدت أكثر من اثنتي عشرة سنة، كتبت ونشرت أكثر من 650 قصيدة، ومع ذلك يستشهد العلماء بجهود لوويل الدؤوبة لتنبيه القراء الأمريكيين إلى الاتجاهات المعاصرة في الشعر مثل مساهمتها المؤثرة في التاريخ الأدبي. أشهر ما يذكرنا بها هي الحركة الشعرية التصويريّة Imagism رفقة عزرا باوند وهيلدا دولتل، الحركة التي لَفتت انتباه الأمريكيين، لكن أعمالها قامت بالواجب لإشهارها. كانت امرأة لامعة أخفى سلوكُها تربيتَها، إذ تربت في أسرة لائقة ومرموقة في نيو إنجلاند. انتهكت لوويل التقاليد بشِعرها النسوي البدائي وشخصيتها العامة بلا خجل، قال عنها الشاعر لويس أُنترماير في كتابة “الشعر الأمريكي منذ سنة 1900” الذي نشر سنة 1923: “شاعرة ودعائية ومحاضرة ومترجمة وكاتبة سيرة وناقدة… نشاطها يكاد يكون ملحوظًا مثل شعرها”.

ولدت لوويل في بروكلين، تحديداً ماساتشوستس، في سنة 1874 لعائلة معروفة في نيو إنجلاند. كان شقيقها بيرسيفال لوويل، عالم فلك معروف، وشقيقها الآخر أبوت لورانس لوويل، رئيسًا لكلية هارفارد. التحقت الفتاة الصغيرة بالمدارس الخاصة إبَّان إقامة عائلتها في أوروبا. وفي في سن السابعة عشرة بدأت عملية جادة لتثقيف نفسها داخل المكتبة المكونة من سبعة آلاف مجلد في “سيفنليس”، وهو مسقط رأس عائلة لوويل في بروكلين، حيث ستعيش أيضًا سنوات بلوغها. في آب/ أغسطس من سنة 1910 وبسن السادسة والثلاثين نشرت لوويل أول قصيدة لها في مجلة أتلانتك بعنوان “Fixed Idea“. نشرت قصائد أخرى بإنتظام في الصحف المختلفة على مدى السنوات العديدة التالية.

نشرت لوويل في عام 1912 أول مجموعة شعرية لها، وهي “ A Dome of Many-Coloured Glass قُبَّة الزُجاج المُلوَّن”. كان الديوان من نواح كثيرة تقليديًا جدًا في عصره آنذاك، ومع ذلك في قاموس السيرة الأدبية لاحظت كل من إي كلير هيلي ولورا إنجرام أن “صدق لوويل في التعبير وصوره الرائعة قدما لمحة عما سيحدث من حين لآخر”. كتبت هيلي وإنجرام أيضًا تقديرًا لتصميم ديوانها الذي اعتمدته لوويل على مجلدٍ للشاعر الإنجليزي “جون كيتس” في أوائل القرن التاسع عشر. كانت لوويل متحمسة لعمل كيتس منذ سنوات مراهقتها، وجمعت تدريجيًا مجموعة من أوراق ومخطوطات للمؤلف التي ستنقلها لاحقًا من أجل سيرة ذاتية ثقيلة.

بعد أن بدأت مسيرتها الشعرية في الثلاثينيات من عمرها، أصبحت لوويل طالبة متحمسة وتلميذة للفن. وذات يوم من سنة 1913 بعد قراءة عدد من القصائد الموقعة “H.D. Imagiste التصويريّة هـ. د. [هيلدا دولتل]”، أدركت أن شعرها يسير على ذات المنوال الأدبي، وأطلق على الأسلوب الشعري الجديد الذي واجهته اسم “التصويريّة” من قبل صاحبه الرئيس ومناصره الشاعر عزرا باوند. استُعيرت التصويريّة كلًا من أساليب الشعر الإنجليزية والأمريكية لإنشاء حركة أدبية أنجلو-أمريكية جديدة “شحذ التعبير الشعري وصولاً إلى أنقى أشكاله وأكثرها مباشرة”. كما أوضحت هيلي وإنجرام في قاموس السيرة الأدبية. انقسم شعراء التصويريّة -عزرا، فورد مادوكس فورد، ريتشارد ألدينغتون، هيلدا دولتل- ما بين لندن وأمريكا، وتأثروا بالمزاج الحداثيّ الذي اجتاح حقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى. 

سافرت لوويل إلى لندن بهدف لقاء باوند حاملةً معها خطاب تعريف من هارييت مونرو، محررة مجلة Poetry ومقرها في شيكاغو. أقام كلٌ من لوويل وباوند صداقة متبادلة. كما تعرفت إلى الشاعر جون جولد فليتشر والروائي هنري جيمس. كما عرّفتها رحلتها إلى اتجاهات حديثة أخرى في الفنون المسرحية والبصرية. بالعودة إلى بوسطن، أجرت لوويل حملة لجعل شِعر التصويريّة ناجحًا نقديًا وماليًا في الولايات المتحدة. وبدأت تسافر كثيرًا بين البلدين. خلال إحدى الرحلات في صيف سنة 1914 أصبحت طرفاً عن غير قصد في تشكيل انقسامات في جماعة الحركة التصويريّة إذ تخلى باوند رسمياً عن الحركة (بضع سنوات)، ثم تولت لوويل رئاسة تحرير مختارات سنوية من الشعر التصويريّ الذي ساهمت فيه سابقا. اعتقد مناوئو باوند بأنَّه أبدى سلوكًا متقلِّبة في تحرير المختارات، وقيادة الحركة التصويريّة.  

بدأت لوويل في تحرير مجموعات الشعر التصويريّ في سنة 1915 مع بعض زملائها، وهي مختارات، ساهمت فيها أيضًا، ونُشر مجلدان آخران في السنوات اللاحقة. في مقدمة ديوانها الذي نُشر سنة 1915 حاولت لوويل وضع بعض المعايير لكتَّاب التصويريّة، وكتبت: يجب أن يكافحوا

1- لاستخدام لغة الكلام الشائع…

2- لإنشاء إيقاعات جديدة…

3- للسماح بالحرية المطلقة في اختيار الموضوع… 

4- لتقديم فكرة مصوَّرة…

5- لإنتاج شعر دقيق وواضح، لا مبهما ولا غير محدد…

6- أخيرًا، يعتقد معظمنا أن التركيز هو جوهر الشعر.

خلال هذه الحقبة، كانت لوويل تنظم قصائدها وشهدت نشر عدة دواوين، بما في ذلك Sword Blades and Poppy Seed (1914)، Can Grande’s Castle (1918)، Pictures of the Floating World (1919).

 نحا شعر لوويل، نتيجة تأثرها الشديد بصلتها بالتصويريّين، بعد سنة 1913 إلى ما أسمته بـ”الإيقاع غير المقيد”. وهو أسلوب غير عَروضيّ شعرت أنه مناسب تمامًا للغة الإنجليزية ويعتمد على الإيقاعات الطبيعية للكلام. ويعود الفضل إلى لوويل في إدخال هذا الأسلوب مع صديقها جون جولد فليتشر الشعرَ الإنجليزيّ، ويُطلق عليه أيضًا “النثر متعدد الألحان” في الشعر الأمريكي. وصف إس فوستر ديمون هذا الفنَّ في كتابه Amy Lowell: A Chronicle “أكثرُ شكل شعري تنوعًا ومرونة على الإطلاق في اللغة الإنجليزي. إنه يجري دون عائق من إيقاع إلى آخر بحسب الحالة المزاجية للحظة؛ يسمح باستخدام أي وكل جهاز معروف للتشكيل، والقيد الوحيد هو أن ’الصوتَ يجب أن يكون صدًى للمعنى‘”.

واصلت لوويل نشر مجلدات شعرية على مدى السنوات القليلة التالية، وكان ديوانها “الأساطير Legends” آخر مجموعة من أعمالها ينشر في سنة 1921 قبل وفاتها. تستخدم لوويل في هذا الديوان إحدى عشرة أسطورة من كل أنحاء العالم أساسًا لإحدى عشرة قصيدة. أثنَى ويليام ليون فيلبس بمراجعة العمل لمجلة “مراجعات نيويورك تايمز للكتب” على النمو الذي أظهرته لوويل منذ أيامها الأولى شاعرةً. كتب فيلبس “من الجلي أنَّه لا توجد مقابلة في التمييز بين الأجزاء الأقوى من الأساطير وأفضل صفحات كتابها الأول”. في حين أن موطن قوتها الرئيس هو الوصف. نظرًا لحساسيتها غير العادية للأصوات والألوان والروائح، فقد كتبت في الأساطير مجموعة متنوعة من الجمال لإسعاد أصدقائها وإرباك أعدائها.

وضع جون ليفينجستون لويز في مجلة “مراجعات السبت للأدب Saturday Review of Literature” كتابي لوويل “الأساطير” و”قلعة كان غراندي Can Grande’s Castle” ضمن أبرز أعمالها، وقال “لا أعرف كاتبًا باللغة الإنجليزية يقترب إتقانه من المفردات الغنية للانطباعات الحسية من أيمي لوويل، يذهلُ التأثيرُ المادي تقريبًا المرءَ في كل مرة يقلب صفحاتها”.

أخذَ لوويل فضولها وحرصها الفكري طوال حياتها المهني إلى أبعد من نشأتها في نيو إنجلاند ورحلاتها القارية. وبفضل عزرا باوند أصبحت مهتمة بثقافات شرق آسيا وتأثرت بها لاحقًا. لاحظ ويليام ليونارد شوارتز، أحد الباحثين في أدبها، أن شِعر لوويل لا سيما بعد كتاب “لوحات من العالم الطائف Pictures of the Floating World” قابلٌ للمقابلة بالإيقاعات في الفن البصري الياباني. كما أنها كتبت شعر الهايكو وما أسمته “التصنينيّات Chinoiseries“، وهي قصائد صيغت على أساس اللغات الاصطلاحية في شرق آسيا.

أخذت اهتمامات لوويل خطوة إلى الأمام، فأعادت صياغة القصائد الصينية مع المترجمة فلورنس أيسكوف لمجموعة “أقراص زهرة التنوب Fir-Flower Tablets” المنشورة سنة 1921. انتقد بعض النقاد ما شعروا أنه أخطاء في الترجمات، وأشاد آخرون بالعمل، وعدَّ أحدُ نقاد مجلة مراجعات السبت للأدب القصائدَ أنَّها “في فنها الرائع، من بين الروائع من نوعها”.

في أوائل العشرينات من القرن الماضي توقفت لوويل عن فن الشعر وإنتاجاته جرَّاء كتابة سيرة ذاتية عن كيتس. حاولت لوويل في صفحات الكتاب، البالغ عددها 1300 صفحة، توضيحَ سبب شعورها بأن الكاتب الإنجليزي الذي توفي سنة 1821 كان الأب الروحي لشعر التصويريّة. نُظِّمَ تأريخ لوويل المتعمق عن حياة كيتس القصيرة في تسلسل زمني شبه يومي، وبفضل ثروة محتويات كيتس، التي جمعتها على مر السنين، تمكنت سيرتها الذاتية من توضيح بعض القضايا المتعلقة بحياة الشاعر الشخصية. شعر بعض النقاد أن الأمر الكتاب ضخم جدًا، وعاب ليونارد وولف على لوويل إعادة بناء مشاهد من حياة كيتس وتصنيع الأفكار الداخلية التي ربما كانت مصاحبة لها. قال وولف في كتابه “الأُمَّة Nation”: “هذه سيرة ذاتية قديمة تحيط في النهاية دماغ القارئ في مَلفٍ على مَلفٍ من التخمين النفسي”. وأشاد نقاد آخرون بعمقها ونبرتها. كتب ديمون في كتابه “أيمي لوويل”: “أظهرت السيرة الذاتية في مجملها نظرةً ثاقبة ورائعة في علم النفس الشعري، مثلما كان ممكناً فقط لشاعرٍ أن يكتب عن آخر”. ومع ذلك، فإن منحة لوويل الشاملة في كيتس تسببت لها بخسائر جسدية، بما في ذلك إجهاد العين الشديد. أعلن وينفيلد تاونلي سكوت في مجلة إنجلترا الفصليّة New England Quarterly أن الجهد الهائل الذي بذلته في السيرة الذاتية “قتل مؤكدًا أيمي لوويل”.

ألَّفت لوويل كتابين في النقد الأدبي هما Six French Poets: Studies in Contemporary Literature (1915) ستة شعراء فرنسيين: دراسات في الأدب المعاصر، ونوازع الشعر الأمريكي الحداثي Tendencies in Modern American Poetry (1917). أشاد لويس أُنترماير في كتابه “الشعر الأمريكي منذ سنة 1900” بكتاب لوويل الثاني مشيراً إلى “إن ذوقها الشموليّ وتطويعها الأحكام المتحيِّزة هي ما جعلت الكتاب ليس فقط تفسيرًا نبيلًا ولكن مساهمة في النقد”.

استمرت لوويل في سنواتها الأخيرة، وعلى الرغم من تدهور صحتها بتفاقمٍ، بتكريس طاقاتها لجعل الجمهور الأمريكي يقدر الشِعر المعاصر، وقامت بجولاتِ محاضراتٍ. والأهم من ذلك أنها استخدمت علاقاتها الاجتماعية واستقلالها المالي وشخصيتها الصريحة لتعزيز مهن الشعراء الآخرين، وتقديم الملاحظات، والتوصيات بعملهم للآخرين، والعمل حلقةَ وصل مع المحررين وكتابة مقالات عن الموضوع. وكان الشاعر كارل ساندبرج أحد المستفيدين من دعم لوويل.

نُشر كتاب لوويل “حكاية نقدية A critical Fable”في سنة 1922، وكان إجابة أدبية عن “حكاية للنقَّاد A Fable for Critics”، عمل سابق لابن عمها جيمس راسل لوويل، وهجاءً مرحًا للتيارات الأدبية السائدة في عصرها وأعمال الكتابة. وصف لويز الكتاب في مجلة مراجعات السبت للأدب بأنه: “جولة قوية من تصوير الذات- أو بالأحرى، صورة غريبة ومتألقة ومتقلِّبة عنها كما أبصرت الآخرين يرونها”. بحلول سنة 1920 انخرطت لوويل عدةَ سنوات في علاقة مع سكرتيرتها آدا دواير راسل، واعتُقدَ بفضل بعض ملاحظات كتَّاب سيرة حياتها أن ارتباطها قد وفر للشاعرة الاستقرار العاطفي والسعادة ربما المرة الأولى في حياتها. كتبت لوويل العديد من القصائد الرومانسية لراسل على مر السنين، بما في ذلك “المعبد” و “التوقع” و “التاكسي”. مع ذلك، تدهورت صحة لوويل بسرعة خلال عشرينيات القرن الماضي، وتسببت الغدة الدرقية بزيادة وزنها، وجلب عليها الوزن الزائد مخاوفها الصحية. كما كانت نوبات الفتق مشكلة أيضًا، وفي أيار/ مايو 1925 عانت من وعكة صحية خطِرة، فبعد يومين قامت من فراشها خلافاً للنصيحة الطبية وأصيبت على الفور بسكتة دماغية، وقضت نحبها بعد سويعات قليلة.

عدلت آدا دواير راسل بعضًا من مجاميع لوويل الشعرية بعد وفاتها، بما في ذلك What’s O’Clock التي مُنحت جائزة بوليتزر للشعر في سنة 1926، وأيضا كتابي  East Wind وBallads for Sale. في قاموس السيرة الأدبية، وصفت هيلي وإنجرام لوويل بأنها: “تجسيد للمرأة الحرة الجديدة”، مستشهدتيْن بصريح العبارة بـ”إيمان الشاعرة غير المحدود بقدراتها”. قيَّمت زميلة لوويل هارييت مونرو، وهي محررة مجلة الشعر، منذ مدة طويلة صديقتها في كتاب Poets and Their Art مُعلنة: “إن مجلداتها الستة في الشعر والثلاثة في النثر تُقدِّمُ، باكتمالٍ فريد، شخصيةً آمرة بل فاتنة”، وتضيف مونرو “هذه الطاقة والخصوبة والمثابرة والذكاء التي تظهر في عالمٍ التنازلات ونصف النجاحات- توبِّخُ أشخاصًا أقل قوة وأقل اتِّحادًا بوصولها إلى أقصى تخومِ إمكانيّتها”.

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى