أنت لا تعرف شيئًا.. ونصائح أخرى في الكتابة من توني موريسون

إميلي تمبل


حجم الخط-+=

ترجمة: محمد بدر

لا أستطيع التفكير في كاتب آخر محبوب عالميًا مثل توني موريسون. عملها رائع، وإنتاجها لا يرقى إليه الشك، وتكشف عن تألقها في كل فرصة. درستْ أيضًا سنواتٍ عديدة في جامعة برينستون، وأظن أن من الآمن افتراض أنها تعرف شيئا أو شيئين عن رعاية العقول الشابة. لذا باستخدام عذر واهٍ نسبيًا عن عيد ميلادها -يصادف يوم الرؤساء (هل هذه أمارة مقدرة؟)- رجعت إلى غربلة مقابلاتها وخطاباتها وما تفكر به بشأن الكتابة، وسلطتُ الضوء على بعض حكمتها مستخلصةً الآتي.

اكتب ما تريد قراءته

كتبت الكتاب الأول لأنني أردت قراءته. حسبتُ أن هذا الصنف من الكتب، مع هذا الموضوع -أولئك الضعفاء، والمهمَّشون، والفتيات السود اللائي لم يلتفت إليهنَّ بصدقٍ- لم يؤخذ على محمل الجد في الأدب. لم يكتب عنهم أحد من قبل إلا من باب الاستحسان. بما أنني لم أتمكن من العثور على كتاب يؤدي ذلك، فكرتُ “سأكتبه ثم أقرأه”. لقد كان دافع القراءة حقًا هو الذي دفعني إلى الكتابة.

– من مقابلة عام 2014 مع مجلة إن إي اى آرتس 

اكتشف كيف تعمل على نحوٍ أفضل

أقول لطلابي واحدة من أهم الأشياء التي تحتاج إلى معرفتها هي أن تُخرج أفضل ما عندك بنحوٍ إبداعي. إنهم بحاجة إلى أن يسألوا أنفسهم، كيف تبدو الغرفة المثالية؟ هل من موسيقا؟ هل ثمة صمت؟ هل الفوضى في الخارج أو الهدوء؟ ماذا أحتاج من أجل إطلاق العنان لخيالي؟

– من مقابلة عام 1993 مع إليسا شابيل في باريس ريفيو

استعمل العالم من حولك 

إنني أستغلُّ كلَّ شيء أراه من حولي أو أفعله، كالطقس والماء والبنايات، وأي شيء يخدمني في أثناء الكتابة. الأمر أشبه بقائمة طعام أو صندوق معدَّات كبير آخذ منه ما أنا بعازته. وحين لا أكتب، أو بمعنى أدق، حين لا أجد في عقلي شيئًا جديرًا بوضعه في كتاب- أرى الفوضى والارتباك والاضطراب. 

من مقابلة عام 2009 مع بام هوستون مع مجلة أو – ماغزن

دع الشخصيات تتحدث عن نفسها

أحاول بجد سماع مسيرة الشخصيات التي لا تنسى حتى لو كانت شخصيات ثانوية. إنها حقًا تطفو فوق رأسك عندما تكتبها، مثل الأشباح أو الأشخاص الأحياء. لا أبالغ في وصفهم، وإنما أترك العنان لنفسي. أنت لا تعرف بالضرورة طولها، لأنني لا أريد إجبار القارئ على رؤية ما أراه، فذلك مثل الاستماع إلى الراديو كطفل. كان علي أن أساعد، كوني مستمعة، في وضع كل التفاصيل. قيل “الأزرق”، ولكن أريد اكتشاف ظل المعنى. أو إذا قالوا ثمة سبيل واحد، لزاما عليَّ أن أبصره. إنه شيءٌ تشاركيّ.

– من مقابلة عام 2014 مع مجلة إن إي اى آرتس 

كن منفتحًا

كن منفتحا، لا شبه منفتح، ولا تبحث عن الانفتاح، ولا تتبنى اعتقادا ما، بل أن تكون منفتحًا على الموقف، وتثق بأن ما لا تعرفه سيكون متاحًا لك. إنه أكبر من وعيك العلني أو ذكائك أو حتى هداياك؛ إنه موجودٌ في مكانٍ ما وعليك السماح له بالدخول.

– من مقابلة عام 2009 مع بام هيوستن في مجلة أو

لا تقرأ عملك بصوتٍ عالٍ حتى ينتهي

 لا أثق في الأداء. يمكنني الحصول على رد يجعلني أظن أنه كان ناجحًا عندما لم يكن كذلك على الإطلاق. الصعوبة برأيي في الكتابة -من بين الصعوبات- هي كتابة لغة يمكن أن تنساب بهدوء على صفحة للقارئ الذي لا يسمع أي شيء. الآن من أجل ذلك، يتعين على المرء أن يعمل بحذرٍ شديد مع ما بين الكلمات. ما لم يقل. وهو القياس، والإيقاع، وما إلى ذلك. لذا فإن ما لم تكتبه يعطي ما تكتبه قوة.

– من مقابلة عام 1993 مع إليسا شابيل في ذا باريس ريفيو

لا تكن شكّاء

أظن أن بعض جوانب الكتابة يمكن تدريسها. من الواضح أنه لا يمكنك توقع تعليم الرؤية أو الموهبة. ولكن يمكن المساعدة من خلال الراحة… [الثقة] لا أستطيع أن أفعل الكثير في هذا الإطار. أنا شديدة الصرامة بشأن ذلك. فقط أقول لهم: عليك أن تفعل هذا، لا أريد أن أسمع الشكوى حول مدى صعوبة الأمر. لا أتسامح مع أي من ذلك لأن معظم الأشخاص الذين كتبوا على الإطلاق يتعرضون لإكراهٍ هائل، وأنا واحدة منهم. لذا فإن الشكوى حول كيفية عدم تمكنهم من فعل الكتابة أمرٌ مثيرٌ للسخرية. ما يمكنني القيام به جيدًا هو ما اعتدت القيام به، وهو التحرير. يمكنني متابعة قطار فكرهم، ومعرفة إلى أين تتجه لغتهم، واقتراح طرقٍ أخرى. أستطيع أن أفعل ذلك، ويمكنني أن أفعل ذلك جيدًا. أحب أن أضع المخطوطة [مستند لم يُطبع بعد، المترجِم].

– من مقابلة عام 1998 مع ضياء جافري في صالون

لا تكتب ما تعرفه

قد أكون مخطئة في هذا الطرح، ولكن يبدو كما لو أن الكثير من الخيال، لا سيما من قِبل الشباب، يتعلق كثيرًا بأنفسهم. الحب والموت والأشياء، ولكن حبي وموتي مختلفان. كل شخص آخر هو شخصية خفيفة في تلك المسرحية.

عندما درَّست الكتابة الإبداعية في جامعة برينستون، عمل  طلابي على أن يكتبوا كل ما يعرفون عن حياتهم. لكني دائمًا ما أبدأ الفصل الدراسي بالقول “لا تولي أي اهتمامٍ لذلك”. أولا، لأنك لا تعرف أي شيء، ثانيًا، لأنني لا أريد أن أسمع عن حبك الحقيقي وأمك وأبيك وأصدقائك. فكّر في شخص لا تعرفه. ماذا عن نادلة مكسيكية في ريو غراندي لا تكاد تتحدث الإنجليزية؟ أو ماذا عن جدة وقورة في باريس؟ أمور خارج نطاق معرفتهم. تخيّله، أبدعه. لا تسجل وتحرر بعض الأحداث التي عشتها بالفعل. ودائمًا ما اندهشتُ من نجاعة ذلك. كانوا يفكرون بنحوٍ استثنائي عندما مُنحوا ترخيصًا لتخيل شيء خارج وجودهم تماما. أحسبُ أنه كان تدريبًا جيدًا لهم. حتى لو انتهى بهم الأمر فقط بكتابة سيرة ذاتية، فإنهم في الأقل يمكن أن يرتبطوا بأنفسهم كأنهم غرباء.

– من مقابلة عام 2014 مع مجلة إن إي اى آرتس

احذر من الإرهاق

أعيدُ صياغة [الفقرات] التي تحتاج إلى إعادة صياغة ما دام يسعني ذلك. أعني أنني راجعتُ ست مرات، سبع مرات، ثلاث عشرة مرة. ثمة خط بين المراجعة والقلق، لكن اعملْ حتى الموت. من المهم أن تعرف متى تقلق، فعندما تقلق لا تعمل.

– من مقابلة عام 1993 مع إليسا شابيل في باريس ريفيو 

تقبل الفشل

الفشل لدى كاتب معلومة لا أكثر. إنه شيءٌ أخطأتَ في كتابته، أو غير دقيق أو غير واضح. أعرفُ الفشل -وهو أمر مهم، بعض الناس لا يعرفون ذلك- وأصححه، لأنه بيانات، ومعلومة، ومعرفة ما لا يعمل. هذا هو إعادة الكتابة والتحرير.

مع القصور الجسدي مثل الكبد والكلى والقلب، يجب القيام بشيءٍ آخر، شيءٌ قابل للإصلاح ليس في يدي المرء. ولكن إذا كان الأمر بين يديك، فعليك أن تولي اهتمامًا وثيقا به، بدلًا من الشعور بالاكتئاب أو التوتر أو الخجل. لا شيء من ذلك مفيد. يبدو الأمر كما لو كنت في مختبر وتعمل على تجربة بالمواد الكيميائية أو بالفئران، ولا تنجح. لا تبتئس. فأنت لا ترفع يديك عن التجربة ثم تغادر المختبر. ما تفعله هو معرفة الإجراء وما الخطأ الذي حدث ثم تصحيحه. إذا كنت تراها [الكتابة] أنها معلومات يمكنك ساعتها الاقتراب من النجاح.

– من مقابلة عام 2014 مع مجلة إن إي اى آرتس 

تعلم كيف تقرأ عملك وتنقده

يقول الناس، أنا أكتب لنفسي، وهذا يبدو فظيعًا ونرجسيًا جدًا، ولكن بمعنى ما إذا كنت تعرف كيف تقرأ عملك -أي مع المسافة النقدية اللازمة- فهذا يجعلك كاتبًا ومحررًا أفضل. عندما أدرِّس الكتابة الإبداعية، أتحدث دائمًا عن آلية تعلُّم كيفيّة قراءة عملك. لا أقصد الاستمتاع بها لأنك كتبتها. أعني، ابتعد عنها، واقرأها كما لو كانت المرة الأولى التي تراها فيها على الإطلاق. انقدها بهذه الطريقة. لا تقتصر على جملك المثيرة وما شابه…

– من مقابلة عام 1993 مع إليسا شابيل في مجلة باريس ريفيو

اطلب القداسة

ما سأقوله سيبدو أبهى، لكنني أظن أن الفنان، سواء كان رسامًا أو كاتبًا، يكاد يكون مقدسًا. شيء ما حول الرؤية والحكمة. يمكنك أن تكون لا أحد، لكن الرؤية بهذه الطريقة، تبدو مقدسة وإلهيّة. إنه فوق الحياة الطبيعية وتصورنا جميعًا في العادة. أنت تصعد. وما دمت هناك، حتى لو كنت شخصًا رهيبًا -لا سيما إذا كنت شخصًا رهيبًا- فإنك ترى أشياء تتحد معًا، وتهزك، أو تحركك، أو توضح لك شيئًا خارج فنك لم تكن لتعرفه. إنها حقا رؤية ذات سمو وربما أكثر من ذلك.

– من مقابلة عام 2017 مع جرانتا

ابذل قصارى جهدك بما لديك

لدي عادة كتابة مثالية لم أجرِّب مثيلتها من قبل، وهي أن يكون لدي، على سبيل المثال، تسعة أيام متواصلة لا أضطر فيها إلى مغادرة المنزل أو تلقي مكالماتٍ هاتفية. وأن يكون لدي مساحة- مساحة حيث لدي طاولات ضخمة. ينتهي بي الأمر بهذه المساحة الكبيرة [تشير إلى بقعة مربعة صغيرة على مكتبها] في كل مكانٍ أكون فيه، ولا يمكنني التغلب على طريقي للخروج منه. أتذكر ذلك المكتب الصغير الذي كتبت عليه إميلي ديكنسون وأنا أضحك ضحكة مكتومة عندما أفكر، شيءٌ حلو، أنها كانت هناك. لكن هذا هو كل ما لدى أيّ منا: فقط هذه المساحة الصغيرة وبغض النظر عن نظام الملفات أو عدد المرات التي تقوم فيها بمسحها- الحياة، والمستندات، والرسائل، والطلبات، والدعوات، والفواتير تستمر في العودة. لا أستطيع الكتابة بانتظام. لم أتمكن قط من القيام بذلك، في الغالب لأنني كنت دائمًا أعمل من التاسعة إلى الخامسة. كان علي أن أكتب إما بين تلك الساعات، على عجل، وإما أن أقضي الكثير من وقت عطلة نهاية الأسبوع وساعات السَّحَر… 

لقد حاولتُ التغلب على انتفاء مساحاتٍ منظمة عن طريق استبدال الانضباط بالإكراه، فعندما يحدث أمرٌ يوجب العجلة، كأن يُرى على عجل أو يُفهم، أو عندما تكون الاستعارة قوية بما فيه الكفاية، عندها سأنحّي كل شيء جانبًا وأكتب ساعاتٍ طويلةٍ من الزمن.

– من مقابلة عام 1993 مع إليسا شابيل في مجلة باريس ريفيو

اللغة القمعية هي لغة ميتة

يمكن التعرف على الاغتراف المنهجي للغة من خلال ميل مستخدميها إلى التخلي عن خصائصها الدقيقة والمعقدة من أجل التهديد والقهر. اللغة القمعية تفعل أكثر من مجرد تمثيل العنف. إنها العنف. تتجاوز تمثيل حدود المعرفة، إنها المعرفة. سواء كان ذلك لغة الدولة التعتيميّة أو اللغة المزيفة لوسائل الإعلام الطائشة. سواء كانت اللغة الأكاديمية المتفاخرة أو لغة العلوم التي تحركها السلع. سواء كانت لغة خبيثة لقانون بلا أخلاق أو لغة مصممة لتغريب الأقليات، وإخفاء تعاملها العنصري في نمطها الأدبي. لا بد من رفض هذه اللغة وتغييرها وفضحها. إنها اللغة التي تشرب الدم، وتضع نقاط الضعف، وتضع حذاءها الفاشي تحت خطوط الاحترام والوطنية وهي تتحرك بلا هوادة نحو الحد الأدنى والعقل القاعيّ. اللغة الجنسيّة، اللغة العنصرية، اللغة الإيمانية، كلها نموذجية لسياسات السيطرة اللغويّة، ولا يمكنها أن تسمح بمعرفة جديدة أو تشجع التبادل المتبادل للأفكار…

لا يمكن للغة أبدا أن “تحدد” العبودية والإبادة الجماعية والحرب. ولا ينبغي لها أن تتوق إلى الغطرسة لتكون قادرةً على القيام بذلك. فقوتها وسعادتها في متناول يدها نحو ما لا يوصف.

سواء كان ذلك كبيرا أو صغيرا، أو يختبئ، أو ينفجر، أو يرفض التقديس، سواء كانت تضحك مقهقهة أو كانت صرخة بدون حروفٍ أبجدية، فإن الكلمة المختارة، تتجه نحو المعرفة، وليس تدميرها. لكن من لا يعرف الأدب يحظرها لأنها استفهاميّة، فقدت الكلمات مصداقيتها لأنها ناقدة، تمحى بسبب البديل؟ وكم منهم غاضبًا من فكرة اللسان الذي دُمر ذاتيًا؟

– من محاضرة موريسون في احتفالية نوبل عام 1993

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى