ألبير كامو وسيكولوجية المعنى
العثور على السعادة في عالمٍ عبثيّ
فِن جايننغ
ترجمة: شذا صعيدي
نقاط رئيسة:
– السعادة تتطلب مجهوداً: أي إنها تأتي من خلال الانخراط في تفاصيل الحياة.
– الصمت يخلق معنى: رأى كامو في الصمت مساحةً تَبرُزُ فيها دلالة المعنى تماماً كما تُتيح الجلسات العلاجيّة النفسية للمريض فَتَراتٍ من الصمت.
– الحدود توجّه الحريّة: أي يبني كل من التعاطف والتمرد، لا التطرف، حياة كريمة في عالمٍ عَبَثيّ.
أصرّ الكاتب والفيلسوف الأخلاقي الفرنسي، ألبير كامو، على فكرة أننا لسنا محكومين باليأس نظراً لعبثية العالم وانعدام الأمل فيه. ويصوّرالمؤلف الأمريكي زارتسكي في كتابه “حياة تستحق أن تُعاش” كامو فيلسوفا أخلاقيا يشدد على الحاجة المُلِحّة لخلق معنى في عالم يفتقر إليه. لذا أصرّ كامو على الانخراط المباشر بالواقع بدَلاً من فرض معايير أخلاقيّة مؤكداً حتميّة ابتكار معنىً لحياتنا بدلاً من اليأس. رَفَضَ كامو الضغينة كما شكك في قيمة الإيمان الأعمى تماماً كما فعلَ نيتشه، فتَمَحوَرَ سعيهُ الأساسي حول البحث عن السعادة بعدّها مبدأ حياة ذو معنى يستطيع من خلاله مواجهة العالم العبثيّ فهي بذلك ليست مجرد متعة عابرة. وما تزال هذه النظرة الوجودية للسعادة لها صلة بالجانب النفسي. يُشكّل الطريق إلى السّعادة على وجه التحديد تحديّاً كبيراً في نظر كامو نَظَراً لخلوّ العالم من المعنى وأكدّ بدوره حتميّةَ بناء المعنى والسّعادة بجديّة كقوى رادعة ضدّ اليأس. ولربما يتخذ هذا الفعل أحياناً شكل الصّمت- أي الامتناع عن الإفصاح الكلّي مثلما يُخبِرنا كامو: “لا نَكتُب لِنُفصِح عن أمورٍ معيّنة بل لنحجبها ونحفظ تفاصيلها”. وهذا يعني أنّ الجلسات العلاجية النفسية بحد ذاتها محتمل أن تتطلب الصمت لخلق مساحة للمعنى. فضّلَ كامو التجربة الفعليّة المباشرة على الأفكار التجريديّة وهذا الموقف سبّبَ لهُ مواجهات مع فلاسفة كسارتر وميرلو- بونتي إلى جانب انتقاد طالب جزائري لصمته بشأن الاستعمار الفرنسي للجزائر. اختصّت وجهة نظره بالجانب العملي والشخصي أي الإنساني بقوله: “إذا كانت هذه هي العدالة فأنا أفضّلُ إنسانيتي”.
يوضّح زارتسكي الغرض من سعي كامو وراء المعنى، والمصنّف دراسة نفسيّة، ما يعزّز الحجّة التي تنص على أهميّة السّعي وراء غايتنا في الحياة بَدَلاً من الاكتفاء بالسّعي وراء السّعادة لعيْش حياة حيوية وواقعيّة. ويُلاحظ كامو احتياج السعادة لبذل مجهود واهتمام لتحقيقها وجعلها سهلة المنال، وهذا ما يدعمه علم النفس الحديث فالسّعادة الحقيقية نابعة من البحث المتواصل عن المعنى في الحياة لا نتيجة سلك طُرُقاً يسيرة.
ترتبط المعاناة عند كامو ارتباطاً وثيقاً بالتفكير وبمحاولة فهم الواقع والتفاعل معه، ومن هذا المنطلق يُصَنّف العنف بالسلوك “غير الأخلاقي” نظراً لتعارضه ومبادئ الإنسانيّة والرّحمة ما يقود الإنسان إلى الفعل الحقيقي. يَرِدُ عن كامو ما يلي: “فعل “التمرد” ينشأ من مواجهة اللا معقول”. وعلى خُطى الإغريق، قدّر كامو قيمة الحدود أي لا مبالغة في التطرف ولا بالرفض القاطع بل تَحَتُّم الاستمرارية في السّعي وراء المعنى. دَرَسَ كامو الوجود من خلال تجربته الواقعيّة مقتَنِعاً بأنّ خلق معنى للحياة بالرغم من طبيعتها العبثيّة يجعلها جديرة بالعيش. ووفقاً لزارتسكي، ينبع نبل كامو من مواجهته الواقع بكامل وعيه واستمراره في السّعي وراء المعنى… هذا السّعي الذي يولّد السعادة حتى في ظروفٍ قاسية وعبثيّة. ما يطرحهُ كامو هو الاهتمام بالسّعي وراء المعنى والجهد المستمر للعيش بوعي.
يَشغَل كتاب زارتسكي قيمة حقيقيّة لعلماء النفس الساعيين إلى تغيير فعلي ولا يَقتَصِر فقط على قرّاء كامو، إذ يوفّر أدوات للفلاسفة الأخلاقيين في المستقبل ويؤكد أنّ التغيير الفعلي ينبع من التفاعل المنطقي مع كل من الموت والحياة.



