مكتبة لجامعي الخردة في بنغالور
بريانكا ساشيتي
حجم الخط-+=
ترجمة: عبير علاو
عندما وصلت إلى مكتبة بوجوري في بنغالور، وجدت سانجيثا راميش تقرأ من كتاب أطفال الكانادا لأربع فتيات صغيرات، في مشهد تتسلل فيه آخر خطوط أشعة شمس الظهيرة على لوحة جدارية ملونة تصور طفلين يلعبان بخيطي غزل يُطلق عليهما اسم “بوجوري” في كانادا، والذي تستمد المكتبة اسمها منه. ساعدني راميش -المساعد في إدارة بوغوري- بترجمة أسئلتي للفتيات، إحداهن شاليني البالغة من العمر عشر سنوات صامتة وتبتسم بخجل، لكن جاسي -أحد عشر عامًا- أخبرتني بحماس: “إننا نحب هذا المكان كثيرًا، ونغضب بشدة حين لا يسمح لنا آباؤنا بالقدوم إلى هنا”.
تعد جاسي وشاليني من بين العديد من الأطفال الذين ينتمون إلى مئتي عائلة من جامعي الخردة غير الرسميين الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة والذين يزورون مكتبة بوجري بانتظام منذ افتتاحها في يناير 2017، ومنذ ذلك الحين توسعت مكتبة بوجري بشكل كبير، حيث تضم أكثر من 2000 كتاب بالهندية، والكانادا، والإنجليزية، والتاميلية، في حين فُتحَ فرعان آخران في مدينتي ميسورو وتومكور المجاورتين، ووصل عدد الأطفال المستفيدين إلى 600 طفل.
نشأت فكرة إنشاء مكتبة مجتمعية من منظمة هاسيرودالا غير الربحية التي يقع مقرها في بنغالور، وتعمل هذه المنظمة مع أكثر من 10000 جامع خردة بحيث ترعى الشؤون المجتمعية لهذا المجتمع المهمش وتضفي على عملهم قيمةً واعتبارًا، ويجمع جامعو الخردة النفايات ويرتبونها بفصلها إلى فئات قبل تبادلها، وهم بذلك يؤدون دورا لا يقدر بثمن في إدارة نفايات المدينة، وينظفون نسبة كبيرة من النفايات التي تولدها المدينة.
وقالت لاكشمي كاروناكاران منسقة برنامج المكتبة: “أثناء العمل مع البالغين، أدركنا أن أطفالهم بحاجة إلينا أكثر، فنظرًا لكون جامعو الخردة رواد أعمال محملين بمسؤوليات عديدة، فهم غير قادرين على خلق بيئة إيجابية جذابة لأطفالهم أو إرسالهم إلى المدارس التي تهتم بهذا الأمر”.
وقالت كاروناكاران -معلمة وخبيرة اتصالات-، إنها ظلت مهتمة بمنجزات هاسيردولا مدة طويلة، وتعدُّ مكتبة بوجوري أحد نتائج رغبتها في توسيع برامج أطفال رعاياها إضافة إلى جانب رغبتها في العمل مع أطفال المجتمعات المهمشة.
ولدت الفكرة حين أدركت لاكشمي أن الأطفال في المجتمعات الفقيرة يفتقرون إلى وجود المكان الآمن في مرحلة ما بعد المدرسة وغالبا ما يقضون تلك الساعات بمفردهم في المنزل أو مع أقرانهم في الشوارع، فتصورت إنشاء فضاء آمن لتلك الفئة بحيث يجري التعاون مع برنامج طويل الأمد لإنشاء مكتبة مجتمعية، فأمضت وقتًا في البحث في حركة المكتبات المجتمعية، والتقت بأصدقاء يديرون مكتبات المجتمع الدولي والمحلي، وتعمقت في فهم كيفية تمويل هذه المساحات إلى جانب أهمية إضافة برامج الأطفال المختلفة إلى برامج المكتبة، وقد أخذت مشروع مكتبة المجتمع في دلهي نموذجا ملهما لما كانت تطمح إليه، وأدانت بالفضل لما وصلت إليه لمريدولا كوشي -المؤسس المشارك لمكتبة المجتمع في دلهي- وفريقها لتعاونهم وإسهاماتهم المثمرة معها، فقالت: “كان العمل الذي يقومون به يتشارك مع مشروعنا ذات الهدف الكامن في نوع المجتمع المهمش الذي نريد التعامل معه”.
قرر الفريق إنشاء المكتبة في حي باناكشاري جنوب بنغالور لكون منظمة هاسيرودالا تعمل في ذلك الحي منذ عدة سنوات، فأرادوا -إضافة لذلك- معالجة عدد من المشكلات في الحي والتي تتطلب تدخلًا عاجلاً كزواج القاصرين، وإساءة معاملة الأطفال وإدمان المخدرات، وقد برز مشروع تحديد المكان الخاص لمكتبة أكبر التحديات التي واجهتها كاروناكاران، فكما تقول: “توفير المساحة أحد العقبات في الأحياء الفقيرة، إذ إنك لا تجد سوى عددًا قليلًا جدًا من الخيارات”.
كان عليها أيضًا أن تتعامل مع الآثار المترتبة على وجود جامعي الخردة في أحياء الطبقة العليا، فعلى الرغم من كل مساهماتهم، غالبًا ما يُنظر إلى جامعي الخردة على أنهم لصوص ويعاملون بعدوانية، وكان الجيران ينظرون إلى أطفالهم على أنهم غير نظيفين، ويمنعونهم من اللعب في الشوارع، “في الهند، تحدد الطبقات الديموغرافية المدينة بنحوٍ كبير، وفي هذا الموقف، استغرقنا شهورا في البحث عن مكان، وكان إيجاده بمثابة معجزة”، فقد نجحوا في إيجاده حينما تفاوضوا مع قادة المنظمة الدينية المهيمنة والقوية في الحي وأقنعوهم بتخصيص غرفتين صغيرتين في الطابق العلوي من منزل قديم يملكونه.
عندما فتحت مكتبة بوجوري أبوابها لأول مرة، قالت كاروناكاران إنها لاحظت أن غالبية الأطفال لديهم مهارات قرائية محدودة، فبدأت كاروناكاران وفريقها من المتطوعين بتحسين أدائهم القرائي وتدريبهم على القراءة بصوت عالٍ سواءً في مجموعات أو بشكل فردي، وفي اليوم الثاني من افتتاح المكتبة زارها ما يقرب من 50 طفلاً في مرحلة ما بعد المدرسة لطلب الكتب، وقالت كاروناكاران إن قرابة 20 إلى 35 طفلاً أصبحوا يأتون برغبتهم بعد ظهر كل يوم للمشاركة في مجموعات القراءة “نحن نسمح بهذه المرونة التي تمكن الأطفال من الدخول والخروج في أي وقت يريدونه، إذ أشعر بأن الأطفال يقدرون ذلك حقًا وأنه أحد الأسباب التي جعلت مكتبة بوغوري نموذجًا ناجحًا، فمنذ البداية رأيت المكتبة مساحة للتعلم فقط إلا أنني أدركت تدريجياً أنها أصبحت ملاذًا لهم، فاضطررت إلى تقليص البرنامج لمنح الأطفال وقتًا لامتلاك مساحتهم الخاص، ولكي ينعمون بفكرة كونها هادئة، مهدئة، وجالبة للفرح”.
وقالت كاروناكاران متذكرة الأيام الأولى عندما اعتادت أن تصل إلى المكتبة وتجد العديد من الجيران ينتظرونها هناك بشكاوى مختلفة أن المجتمع الآن أصبح أقل مقاومة واعتراضًا على وجود المكتبة، فالوضع “أكثر سلمية الآن، إذ لم تستقبل أية شكاوى في الأشهر القليلة الماضية”، معترفة بأن الأمر سيستغرق الكثير من الوقت حتى ينضم الجيران ويشاركون في برامج المكتبة.
وتصف كاروناكاران مكتبة بوجوري بأنها “تجربة اجتماعية كبيرة حيث يمكنك سد الفجوات بين الفصل والانقسام الطبقي بين الناس”، وقد حدث بعض التفاعل بين أطفال الأحياء الراقية والأحياء الفقيرة، ففي الشهر الماضي، استضافت المكتبة حدث قراءة مسموعة شارك فيه 150 طفلاً، نصفهم من أطفال مكتبة بوجري والآخر من مجتمعات أخرى من ضمنهم أطفال يعيشون مع والدين مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، وأطفال عاملات المنازل، وأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.
تفتح مكتبة بوجوري مدة أربع ساعات كل يوم وتلعب أدوارًا عديدة في المجتمع، وتستضيف أنشطة أخرى مثل ورش العمل الفنية وجلسات العلاج بالفن، وبعد أن أقيمت جلسات العلاج بالفن أسبوعيا بنحوٍ منفصل للبنين والبنات خلال العام الماضي، قالت الطبيبة المعالجة بالافي شاندر إن المكتبة “احتوت الأطفال وحفزتهم للتعبير عن مشاعرهم وأنفسهم باستخدام القصص والموسيقى والفنون البصرية” وتتيح تلك الجلسات مساحة للأطفال للتفاعل مع الأحداث في المجتمع.
وقالت: “لقد ارتبط الأطفال ببعضهم ببعض من خلال هذه القضايا، فهم يقولون ‘إننا لا نتحدث أبدًا في المنزل، لكننا نتحدث هنا'”.