ما الذي يجعل مستوى الكتابة رديئًا
أكبر خطأ يرتكبه معظم الكتّاب ظنهم أنه لم يعد ثمة ما يتعلمونه.
توبي لِيت
ترجمة: بلقيس الكثيري
النص الرديء هو -في المقام الأول- نص يثير الملل. إما لأنه فوضوي وإما منطقي أكثر من اللازم، أو لأنه مكتوب على نحو هستيري أو بطيء، وقد يكون مملًا لأنه لا يحتوي على حدث. إذا أعطيتك نصًا مكتوبًا يتكون من أربعمئة صفحة لرواية غير منشورة – مما أعده رديئًا- قد تقرؤه حتى النهاية، لكنك ستتكبد معاناة أثناء ذلك. لعله لم يسبق لك أن اضطررت أبدًا إلى قراءة نص رديء يتكون من ثمانين ألف كلمة. لكنني فعلت في مناسبات عديدة. وإذا سألتَ حولك فأنا متأكد من إنك ستعثر على رواية رديئة بكل سهولة. أعني رواية لشخص قضى سنوات في العزلة؛ لكتابة كتاب يظن بأنه عمل رائع في الأدب. وعندما تقرؤه تدرك أنه عمل رديء، وتعرف معنى الرداءة حقًا. قد يكون لهذا النوع من الروايات بعض الخصائص مثل الجمل الغريبة التي تكتب بهيئة جميلة، والصور البراقة الشاردة. لكن من العبث أن تجبر نفسك على الاستمرار في القراءة في حين أن الكتاب لا يخبرك بشيء لا تعرفه. لدى الكتّاب الذين يستمرون في الكتابة بنحوٍ سيئ العديد من الأسباب -وهي في نظرهم أسباب وجيهة جدًا – ليكتبوا بالطريقة التي ينتهجونها. هم يكتبون بنحوٍ سيئ ورديء لأنهم يتشبثون بأسباب الكتابة الرديئة. الكتابة الرديئة أشبه بقصيدة حب موجهة من الشخص إلى ذاته ليكون أول وآخر وأكثر من يُعجب بالقصيدة الكاتب نفسه. مع إن الكتّاب السيئين قد يقرؤون الكثير من الأعمال الخيالية المتنوعة، فإنهم غير قادرين أو غير راغبين في مواكبة الأشياء التي تقوم بها هذه الأعمال، والتي تفشل كتاباتهم في الوصول إليها. لذا فإن أخطر نوع من الكتب يمكن أن يقرؤه الكتّاب السيئون هو ما أسميه كتب الأعذار، ذلك النوع من الكتب الذي يبدو أنه يمنح للآخرين حق تقليد أو تلميع إخفاقاتهم. لنأخذ على سبيل المثال الكتّاب اللامعين: جاك كيروك، وجون أبدايك، وديفيد فوستر والاس، وفرجينيا وولف، ومارغريت آتوود، ومايا أنجيلو. يتخذ الكتّاب السيئون لأنفسهم تروسًا ويضعون أنفسهم في مواجهة بالرجوع إلى كتّاب آخرين يشعرون أنهم يتشاركون خصائص معينة جديرة بأن يُتمسك بها ويدافع عنها. ويتبنون أسلوب المعجَب المدافع: “إذا استطاع أبدايك إجادة وصف صدور النساء في نصف صفحة، فيمكنني فعل ذلك” أو “إذا كانت فرجينيا وولف مُقلة في وصف الناحية المكانية، ووضع الأشياء بنحوٍ ملموس، أنا سأدع الأشياء تطفو بحرية”. إذا خلق عمل ما لكاتبه هالةً سحرية، تأكد أنك لن تتمكن أبدًا من سرقته، ستقوم فقط بمحاكاته وتقليده بطريقة شديدة الوضوح والإحراج.
الكتابة الرديئة تُكتب على نحو دفاعي. أما الكتابة ذات الجودة العالية تعدُّ وسيلة لجعل النفس تخاطر وتخوض في المجهول أكثر. فالخطر النفسي لكتابٍ مثل رواية الأمواج لفرجينيا وولف كبير- خاصة لشخص من المحتمل أن ينهكه الخطر النفسي. وعندما بدأ أبدايك في كتابة رحلة رابت، مستخدمًا الزمن المضارع كان بين احتمالين اثنين إما أن يكون إنجازًا فنيًا رائعًا وإما سوء تقدير مريع.
(تنويه اعتذار: لا نقصد بالكتّاب السيئين إنهم سيئون في ذواتهم، لا أبدًا، الوصف مقتصر على ما يقدمونه).
يشعر الكتّاب السيئون في كثير من الأحيان بأن لديهم قصة معينة يريدون حكايتها. قد تكون قصة سمعوها من جداتهم، أو قد تكون حدثًا مرّ بهم عندما كانوا أصغر سنًا. ويشعرون أنهم لا يستطيعون المضي قدمًا ما لم يقصوا هذه القصة بالذات. ولكن نظرًا لأن المادة متاحة وشديدة القرب منهم، لا يستطيعون العبث بها بما يكفي لمعرفة كيف يقومون بصياغتها في كتاب. وفي النهاية يفتقدون القدرة على إفشائها بما يكفي لجعلها قصة حقيقية. كثيرًا ما يفكر الكتّاب السيئون بإعادة كتابة كتاب صدر لكاتب آخر؛ كَتبَه في حقبة زمنية مختلفة، وفي ظل ظروف اجتماعية مختلفة تمامًا. ونظرًا لأنه كتاب جيد، لا يرون أي سبب يمنعهم من إعادة فعل الشيء نفسه من جديد. ولا يفهمون أن مثل هذه الروايات التاريخية أو روايات الخيال العلمي كُتبت استجابة للحظة معينة. وفكرة التظاهر بأن العالم اليوم ليس كما هو-أو إنه كما كان من قبل- تعدُّ فكرة كارثية على الخيال الأدبي الجاد. وفي المقابل يكتب الكتاب السيئون أحيانًا من أجل التوجيه أو لنشر الوعي والإشارة لقضية اجتماعية معاصرة. إن أي محاولة لكتابة رواية خيالية من أجل جعل العالم مكانًا أفضل وأكثر عدلاً من شبه المؤكد أن تفشل. التمسك بالقيم على إنها أهم من تعلم أسلوب الكتابة الجيد أمر محفوف بالخطر. بعبارة سهلة جدًا يجب أن تبعث في شخصياتك الحياة قبل أن تستخدمهم لتحقيق العدالة. غالبًا ما يظن الكتاب السيئون أنه ليس هنالك ما يتعلمونه، وأن ذنب العالم الأدبي لأنه لم يكتشفهم ويساهم في شهرتهم وتقديرهم وتكريمهم. من المدمر جدا أن تصدق أنك على وشك أن تكون كاتبًا لامعًا، وأن كل ما عليك فعله هو الاستمرار بما أنت عليه، عوضًا عن محاولة الابتكار وتطوير ما تقدمه. الكاتب السيئ يقول: “أريد أن أكتب هذا” والكاتب الجيد يقول: “هذا ما أكتبه”. لكي تنتقل من كونك كاتبًا مؤهلاً إلى كاتب عظيم، يجب أن تجرؤ على النظر إلى نفسك على إنك كاتب سيئ. قد تكون الكفاءة مهلكة لأنها تمنع الكاتب من المجازفة التي يحتاجها ليتجاوز خط الكفاءة. أن تكتب بكفاءة يعني أن تقوم ببعض الحيل السحرية للأصدقاء والعائلة، أن تكتب بنحوٍ جيد، أن تلحق بركب السيرك. سيحب أصدقاؤك وعائلتك حيلك، لأنهم يحبونك. لكن حاول أن تمارس هذه الحيل في الشارع. جرب أن تمارسها إلى جانب ساحر مضطلع بهذا العمل مدة عشر سنوات، ويتخذه مصدرًا للعيش. إن الناس عندما يشاهدون ساحرًا، لا يريدون أن يقولوا “عمل جيد”، يريدون أن يهتفوا بانبهار “Wow”. في أسوأ الأحوال، في دورة الكتابة الإبداعية، سيوضح لك المعلم كيفية القيام ببعض الحيل السحرية؛ وفي أحسن الأحوال، سوف يعلمك كيف تكون ساحرًا متقنًا؛ وبعيدًا عن كل هذا هناك سحر يتعين عليك أن تتعلمه بنفسك. فما لا يستطيع المعلم إظهاره لك هو كيفية القيام بالأشياء التي لا ينبغي لك القيام بها.
*توبي لِيت: كاتب يقيم في لندن. صدرت له روايته الأخيرة “المشفى” عن طريق مؤسسة النشر هاميش هاميلتون.