كيف تكتب أكثر الكتب مبيعا
آدم أوفالون
ترجمة: فلاح حسن
لديّ صديق -أسميه توم– وهو أيضا كاتب مثلي. كتب توم العديد من الروايات طوال مسيرته المهنية الطويلة الناجحة، ويمكن تلخيص فلسفته في كتابة الروايات، حسبما كان يخبرني بها ونحن نحتسي المشروبات المختلفة على موائد عديد الحانات التي كنا نرتادها، على النحو التالي: اكتب أيًا كان ما تكتبه، أيًا كان المفهوم أو الشخصية أو الموقف الذي يكمن في أعماقك يجب أن تحرره إلى العلن. انسَ أمر المبيعات، انسَ أمر الجمهور- احسبْ نفسك تكتب لجمهور واحد، سواء كان المحرر أو القارئ يجب أن يثير الكتاب اهتمامه، وسيكون ذلك أفضل. لذا وجب أن يكون أفضل الكتب مبيعاً، من وجهة نظر توم، هو دمج ومقاربة سعيدة لرغبات العالم مع اهتمامتك الخاصة، لا يوجد قاعدة أو نموذج مهيمن يمكن تسميته أساسًا. إنه شيء لا يمكن التخطيط له على أي حال.
تتميز فلسفة توم بالعديد من المزايا. إنها نقية، غير ناقصة ولا يمكن المساومة عليها. ومن المفترض أن تؤدي إلى أفضل فن، في الأقل إذا افترضت نظريا أن أكثر فن ميلاً إلى المغامرة، عادة ما يأخذ المال في الاعتبار. ويمكن اتباعها بسهولة أيضًا، بسهولة عن طريق التمسك بمفهوم فلسفة ثيلميا الوحيد: افعل ما يحلو لك. بلا شك إنه لموقف فني مريح لفنان أن يبيع ما يبدعه، لكن إذا كنت متسلحا فقط بدوافعك الفنية، فلا يمكنك أن تتفاجأ أو تفكر كثيرًا عندما لا تبيع قطعة فنية ما. فأنت لم تنتجها لغرض البيع بالأساس. فإذا استطعت بيعها، فهذا عظيم، ولكن سواء حصل ذلك أم لم يحصل فهو مسألة حظ، ضربة يسيرة في دولاب الحظ. علاوة على ذلك، فإن الأمر ينطوي على الحتمية العفوية بأثر رجعي- فإذا لم يستطع الفنان طوال مسيرته الفنية بيع أي لوحات، ولا ألبومات، ولا كتب، فلماذا يغضب؟ فأنت في النهاية، كنت ستفعل الشيء نفسه الذي دائما ما كنت ستقوم به، وإنك لن تفعل الشيء الذي لم تكن لتقوم به، فبالتأكيد الشيء الذي فعلته لم يكن أبدا غير ناجح أو غير مرغوب، وهذا هو المطلوب اثباته .
قد يكون هذا موقفًا صلبًا من الناحية الفلسفية، ولكن هل هذا الموقف صحيح بالضرورة؟ لقد بدأت أطرح هذا السؤال بعد النشر وعدم النجاح في روايتي الأولى. لقد كتبت كتابي الأول، كما يفعل العديد من الروائيين في أولى أعمالهم، نوع من البراءة المتخلِّفة، غير واعٍ بالمخاوف العملية للنشر بسبب الجهل والحقيقة المنقوصة عن كتابة الرواية في المقام الأول. ففي البداية، لم أكن أقصد حتى كتابة رواية، كنت بوضوح أعمل على قصة قصيرة وبمرور الوقت تراكمت الصفحات تلو الصفحات، فبعتها إلى دار نشر تجاري، وكانت التجربة كلها كحُلم مشوش، وهو انطباع عُزِّز من خلال الطريقة الغامضة لعملية النشر.
في التحضير لكتابة الرواية الثانية، لم يكن لدي مثل هذه الأحلام أو الأوهام. كنت قد رأيت كمية الآلات اللازمة لصنع كتاب، كما رأيت جميع أذرع التجارة العنيدين الذين يجب أن تلاطفهم في حياتك، لقد استلمت الجداول النهائية للنشر، والتواريخ المستقبلية الهامة مدة عامين سلفا، الأدهى من ذلك إن كتابي الأول الذي خرج إلى النور مؤخرا لم يفعل الكثير من أي شيء غير الحصول على بعض التعليقات والاستعراضات اللطيفة المتملقة. هذه هي الدروس والملاحظات التي لا يمكن تجاهلها، وتتسلل بحذر حول جميع المشاريع التي تنوي تخصيص وقتك واهتمامك بها. فجأة تسللت إليَّ الكثير من الاعتبارات المتعلقة بالسوق والتي لم تحدث لي في المرة الأولى. بدأت أتساءل، عزيزي توم: هل يمكن للكاتب أن يكتب كتابًا ناجحا؟
في محاولة كبيرة للإجابة عن هذا السؤال (على الرغم من أنني أعده أكثر جدية مما أود أن أعترف به)، قررت أن أتخذ منهجًا أكثر حرفية ممكنة وأن أتصفح (قوائم النيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا) عدة سنوات. ففي النهاية، لكتابة أكثر الكتب مبيعا، عليك أن تعرف ما الذي حقق أفضل المبيعات. قد تبدو قائمة “أفضل الكتب مبيعا” في التايمز مثل المرشحات، ولكنها تحتسب الأعمال الأدبية التي تحقق المراكز الأولى، فقد بقيت تقريبًا مع روايات (كل الضوء الذي لا يمكننا رؤيته) و(العندليب). لذا فكرت أن أطلِّعَ على العشرة الأوائل في الأسبوع على مدار الخمس السنوات السابقة. وبمزيد من العودة إلى الوراء، ستواجه تغييرات تاريخية في الذوق. هناك قضية هامة حصلت عليها من خلال هذه الممارسة، مسألة أكبر بكثير من نطاق هذه المقالة، وهي تحديد ما مؤهل “الخيال الأدبي”. فيما يخض أغراضي، فقد ضمَّنتُ أي شيء تقريباً ليس له علاقة بالمؤامرات العالمية والقتلة المتسلسلين والذئاب الضارية والمتحولين والعفريت الثلاثي، بمعنى أي شيء ليس نوعا أدبيا معروفا بوضوح. وعلى الرغم من وجود (Bard of Avon) -يقصد شيكسبير-، فإن سلسلة حرب النجوم في وليام شيكسبير، (The Empire Striketh Back) ،(Jedi Doth Return)، فأنا لم أختلق أيا من هذا، ولم أتخذ قراري بعد.
قبل الانتقال إلى نتائج فعلية، لدي عدة ملاحظات بعد أن قضيت ساعات طويلة وأنا أتصفح ما يقارب ألـ 300 أو نحو ذلك من هذه القوائم الأسبوعية لأفضل الكتب مبيعا.
أولاً: أدركت أن هذا هو قمة الابتذال في مراقبة النشر- لكن بحق السماء! جيمس باترسون يفعل هذا أيضا، أو بالأحرى المجمع الصناعي-العسكري الخاص بجيمس باترسون أو أيًا كان، ينتج الكثير من الكتب. لست متيقنا من أنني لاحظت أكثر من بضعة أسابيع في السنوات الخمس الأخيرة التي لم تكن فيها بعض نتاجات باترسون في القائمة. كما هو الحال مع ديفيد بالدتشي.
ثانياً: قد يكون براد ثور المؤلف صاحب الكتب الرائجة الوحيد الذي شهرته أقل من شهرة اسم بطل رواياته الممل نسبيا “سكوت هورفاث”. ستعتقد بلا شك أنه يجب تسمية بطله بشيء مثل أودين، هرقل، لكن لا.
بعد أن جمعت قائمة طويلة من النتائج الأدبية الأخيرة، ما الذي تعلمته؟ حسنا، إنه شيء واحد! بدءُ العنوان الخاص بك بـ(أل التعريف) نحو ثلث هذه أكثر الكتب مبيعا هي “أل + كلمة”. (الحسون)، (العندليب)، (المريخي)، (الاهتمامات)، (المصطافون)، (الفتاة على متن القطار) من المفترض أنَّ (أل) هي كلمة شائعة إلى حد ما في الاستخدام العربي، لكنني أشك في أنها تحمل أيضًا بعض القوة اللا واعية للقراء المحتملين، معلنة كتابًا رسميًا في الموضوع والغرض- إنها أداة التعريف. فقط تخيل عدد النسخ الإضافية التي كان من المفترض أن يبيعها كتاب (كل الضوء الذي لا نستطيع رؤيته) لو سُمِّيَ، على سبيل المثال، (الضوء الذي لا نستطيع رؤيته كاملا) أو (الضوء الخفي كاملا)!
حركة ذكية أخرى وهي أن تكون مشهورا بالفعل. من الناحية المثالية، لقد كتبت رواية (أن تقتل طائرا محاكيا) قبل 50 عاما، بطبيعة الحال هنا تظهر مشكلة أخرى وهي معضلة (الدجاجة أم البيضة)، أي كيف لهؤلاء الكتَّاب أن يصبحوا معروفين قبل أن يكونوا كذلك؟ على أي حال، يبدو أن عددًا قليلاً من المؤلفين حققوا أفضل الكتب مبيعا من العدم.
جديا، اكتب أحد هذين النوعين من الكتب: ألغاز أو روايات تاريخية، أو كلاهما إذا أمكن. في أي من هذين النوعين، وستكون في حال أفضل إذا كنت تستطيع العمل على شيء ما بمعية لوحة أو رسام مشهور أو فنان أو عمل فني جدير بالملاحظة. أي شيء يتعلق بالزواج والسفر إلى أماكن غريبة. مرارًا وتكرارًا، برزت مجموعة من هذه العناصر، والموضوع المشترك الواضح هو الهروب: الهروب إلى الماضي، والهروب إلى لغز، والهروب إلى الجمال والثقافة، والهروب إلى علاقات متخيلة، والهروب من منزل شخص ما إلى أماكن مجهولة. اتَّضح أن غريزة الهروب هي التي تجعل من مبيعات الرواية الأدبية حية وجيدة لقراء الأدب الروائي- فهي بوضوح تتطلب جملًا أفضل وأوضح و(عادة) زخارف أقل روعة.
مع وضع هذه الملاحظات والإرشادات في الاعتبار، توصلت إلى عدد قليل من الروايات المحتملة التي لم تكن تبدو في غير مكانها الصحيح في القائمة. وإليك واحدة: لغز تاريخي قائم على حياة وموت (بول غوغان). لكن من وجهة نظر زوجته المتعسفة (مايت صوفي)، عبر مذكرات تحتفظ بها أثناء سفرها إلى العالم، تحقق في حياة زوجها المفلسة فنياً والمفلسة أخلاقياً بعد أن ترك عائلته. اسمتها (اليوميات للسيدة الأولى غوغان). خلاصة هذا الكتاب المخيف هو في الأسلوب المستخدم في استجواب العملاء وكما يلي:
عندما اُكتشفت لوحة بول غوغان غير المعروفة سابقاً في شقة مهجورة في شيكاغو، كُلِّفت مؤرّخة الفن لينا ويكسلر بمهمة تتبع أصلها. يعود التحقيق عبر الزمن والمكان- من شيكاغو إلى ميامي، من الدنمارك إلى فرنسا، وأخيرا من تاهيتي إلى جزر الماركيز، كل ذلك بمساعدة من (اليوميات للسيدة الأولى غوغان)
هل يبدو هذا وكأنه كتاب يشتريه الناس؟ أظن ذلك. يمكنني بسهولة أن أتخيل هذا الكتاب على طاولة قهوة حماتي، وهي قارئة كتب نهمة جامعة لأكثر الكتب الأدبية مبيعًا، والكلاسيكيات، والقصص الخيالية التي تخدم نادي الكتاب الشهري. أنا واثق تمامًا لو أني تناقشت مع عشرين وكيلًا بشأن هذا الموجز، فسيطلب واحد أو اثنان قراءته. يبدو وكأنه كتاب شعبي.
المشكلة الوحيدة هي أنه لكي تكون روايتي موجودة، كان علي أن أكتبها. وهي ليست كتابًا يمكنني كتابته. لقد أثبت العمل من خلال هذه التجربة الفكرية الصغيرة ما كنت أعرفه بالفعل عن كتابة الرواية أنها تتطلب: شعلة متقدة مثيرة للاهتمام تفوق الوصف وتشتعل بالنار وتحترق بثبات حتى إنها لا تنطفئ بالشك والعجز الخلاق. شعلة تتجلى بمرور الوقت كفضول حول الموضوع والمشروع نفسه، هكذا سيكون مآل الأمور. الافتقار إلى هذا الاهتمام العميق، فإن مشروعًا ساريَ المفعول، ممتعا ومثيرًا للاهتمام ومربحا تجاريًا يظل فكرة جيدة نظريًا، كحلمك بالذهاب إلى كلية الطب أو الإقلاع عن وسائل التواصل الاجتماعي.
منذ استهلال هذا المقال، نشرت رواية أخرى وأكملت أكثر من مرحلتين من مراحل المراجعة، وقد قبلت برحابة صدر وجهة نظر توم بالكامل: يجب أن تكتب ما تحب أن تكتبه، حتى إذا كان ما تريد كتابته ليس بالضرورة أن يكون ما يريد الناس قراءته. لا يمكنك قضاء عامين إلى خمسة أعوام على شيء ما وتنتظر بالمقابل مكافأة خارجية.
آدم أوفالون هو كاتب في مجلة The Millions ومؤلف روايتين: The Grand Tour (Doubleday 2016) و The Hotel Neversink (2019 Tin House Books). ظهرت روايته القصيرة في The Paris Review و VICE و The Iowa Review والعديد من المواقع الأخرى.