قرصنة الإنسان
يوفال نوح هراري
ترجمة: مؤمن الوزان
إنَّ أفضل نصيحة يمكن أن أمنحها لمراهق بسن الخامسة عشرة في مدرسة ما في المكسيك، أو الهند، أو ألاباما هي: أن لا تعول على البالغين كثيرا. الكثير منهم قد تكون نيته طيبة لكنهم لا يفهمون العالم. في الماضي، كان من السليم أن تتبع أقوال البالغين لأنهم عرفوا العالم المتغيّر ببطء على نحو أفضل، أما عالم القرن الحادي والعشرين فإنه يمضي بنحوٍ مختلف. وبما أن مسار التغيير يتنامى فإنك لن تكون واثقا أبدا فيما إذا كان البالغون يخبرونك بنصائح أبدية أو منتهية الصلاحية. إذًا، على من يجب أن تعتمد بدلا من هذا؟ ربما على التقنية الحديثة؟ إلا أنها مقامرة خطرة. بإمكان التقنية الحديثة أن تساعدنا كثيرا لكنك إذا منحتها السلطة اللا محدودة على حياتك فإنك ستتحول إلى رهينة في قائمة أعمالها. اخترع البشر جميعا الزراعة منذ آلاف السنين إلا أن التقنية الحديثة اشتد عودها بيد نخبة قليلة استعبدت الشريحة الكبرى من البشر. وجد أغلب الناس أنفسهم يعملون منذ شروق الشمس حتى غروبها، وهم يحملون دلاء الماء ويحصدون الذرة تحت أشعة الشمس اللاهبة. وهذا قد يحدث لك أيضا. التقنية الحديثة ليست سيئة إذا عرفت ماذا تحتاج في حياتك، فبإمكان التقنية الحديثة أن تساعدك للحصول على ما تحتاجه. أما إذا كنت لا تعرف ما الذي تحتاج إليه في حياتك، سيكون من السهل على التقنية الحديثة أن تشكّل أهدافك وتمسك بزمام السلطة في حياتك، ولا سيما بأن فهم التقنية الحديثة للإنسان في تزايد مستمر وتحسّن، وفي هذه الحالة قد تجد نفسك في خدمتها لا العكس. هل شاهدت الزومبي الذي يتجولون في الشوارع ويحدقون إلى شاشات هواتفهم الذكية؟ أتعتقد أنهم يسيطرون على التقنية الحديثة أم التقنية الحديثة من تسيطر عليهم؟ هل يجب أن تعتمد على نفسك إذًا؟ تبدو هذه الأصوات عظيمة في Sesame Street أو في أحد أفلام دينزي ذات الطراز القديم لكنَّ في أرض الواقع هذه الأصوات بلا قيمة. حتى وإن بدأت ديزني تفهم هذا كما في Riley Andersen، كثير من الناس بالكاد يعرفون أنفسهم، وحين يحاولون “الإصغاء إلى ذواتهم” يصبحون فرائس سهلة للتلاعبات الخارجية. الأصوات التي نسمعها داخل رؤوسنا لن تكون جديرة بالثقة أبدا لأنها دائما ما تعكس الدعاية الإعلامية للدولة، وغسيل الدماغ الأيديولوجي، والإعلانات التجارية، لا البعوض البيولوجي الذي يطن في رؤوسنا. كلما تحسنَت التقنية الحيوية والتعليم الآلي (المكائني)، أصبح من السهل التلاعب بأعمق عواطف الناس ورغباتهم، وسيصبح الوضع مهددا بالخطر أكثر من مجرد “اتبع قلبك”. عندما تعرف كولا كولا، وأمازون، وبايدو، أو الحكومة، كيف تسحب أوتار قلبك، وتضغط على أزرار دماغك، هل سيكون بإمكانك وقتها أن تخبرنا الفرق بين صوتك الداخلي وصوت خبرائهم التسويقيين؟ لكي تنجح في مهمة شاقة كهذه، عليك أن تبذل قصارى جهدك من أجل أن تعرف كيف يعمل نظام التشغيل في داخلك على نحو أفضل، لتعرف من أنت، وماذا تريد من الحياة. حثَّ الأنبياء والفلاسفة الناس لآلاف السنين لكي يعرفوا أنفسهم إلا أن هذه النصيحة لم تكن يوما من الأيام ضرورية كما هي الآن لأنك في أيامنا المعاصرة تملك منافسة جدية أكثر مما كانت عليه في أيام سقراط أو لاو تسي. تتسابق اليوم كوكا كولا وبايدو والحكومة جميعا من أجل قرصنتك. لا يتسابقون لأجل قرصنة هاتفك الذكي ولا حاسوبك الشخصي ولا حسابك المصرفي بل في سباق لقرصنتك أنت ونظام تشغيلك الحيوي. ربما قد سمعت بأننا نعيش في عصر قرصنة الحواسيب لكنَّ هذا نصف الحقيقة. في الواقع نحن نعيش في عصر قرصنة الإنسان! الخوارزميات تراقبك الآن. وهم يراقبونك في كل مكان تذهب إليه، وماذا تشتري، ومن تقابل. وسيتحكمون بخطواتك قريبا، وكل أنفاسك، وكل نبضات قلبك. ويعتمدون في هذا على البيانات الكبرى والتعليم الآلي لمعرفتك أفضل وأفضل. وفي يوم ما ستعرفك الخوارزميات أفضل مما تعرفه عن نفسك، ووقتها سيكون بإمكانهم أن يتلاعبوا بك ولن يكون بمقدورك فعل الكثير تجاه هذا الأمر. ستعيش في The matrix أو في The tureman Show. الأمر في النهاية مسألة تجريبية يسيرة، فإذا فهمت الخوارزميات الذي يحدث في داخلك أفضل مما تفهمه ستنتقل السلطة إليهم. قد تكون سعيدا تماما بالتأكيد لو انتقلت السلطة إلى الخوارزميات وتثق بها في تقرير شؤون حياتك وشؤون بقية العالم. لذا فإن كنت تريد هذا فكل ما عليك فعله هو الاستمتاع بالرحلة. أما لو كنت ترغب بالحفاظ على بعض السيطرة على وجودك الشخصي ومستقبل حياتك، عليك أن تجري أسرع من الخوارزميات، وأسرع من أمازون، وأسرع من حكومتك، لكي تعرف نفسك قبل أن يعرفوك. ولأجل أن تركض سريعا عليك أن تخفف متاعك. خلّف جميع أوهامك وراءك لأنها ستثقلك كثيرا.