رصانة القيام بالكيّ في العلاقات العاطفية
School of life
ترجمة: دعاء خليفة
تؤلف العلاقات بين الأشخاص النبِهين والحساسين الذين يسترشدون بالرومانسية وتجعلهم يميلون إلى الاتفاق على تسلسل هرمي ضمني لتمييز المهم من غيره في سبيل نجاح علاقتهم العاطفية وإمكانية استمرارها. فنراهم يميلون لكونهم على دراية بالغة بأهمية الرفقة (ربما في زيارة المتاحف أو الاستجمام على شاطئ البحر)، والمضاجعة المُرضية، وتكوين دائرة من الأصدقاء تسترعي الانتباه، وقراءة الكتب المحفزة. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يفكروا مليًّا في مسألة من سيتولى مهمة كيِّ الملابس. نتج أحد الأسباب عندما تنبه الكتّاب الرومانسيون إلى مشاكل العلاقات في أعمالهم، دون أن يفطنوا للحديث عن الغسيل أبدًا، ولفتوا الانتباه إلى مجموعة مهمة، سوى أنها قاصرة، من القضايا. فقد صوّر الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين قضية الحب من طرف واحد في رواية يفغيني أونغين، وتناول غوستاف فلوبير مسألة الملل والخيانة الزوجية في رواية مدام بوفاري، وكانت جين أوستن يقظة تجاه الكيفية التي يمكن أن تشكل بها التباينات في المكانة الاجتماعية عقبات أمام فرصة رضا الزوجين. في إيطاليا، ناقشت أكثر رواية رواجًا في القرن التاسع عشر “المخطوبة” لأليساندرو مانزوني كيف يمكن للفساد السياسي والأحداث التاريخية الكبيرة أن تطغى على العلاقة العاطفية. اهتم جميع الكتاب الرومانسيين العظماء، كل بأسلوبه، بالعقبات التي قد تعترض سير العلاقة الزوجية بنجاح. ومع ذلك افتقروا لإدراج أمر مهم إلى قائمتهم، فلم يولوا كبير اهتمام بأي من التحديات التي تقع في نطاق ما يمكن أن نطلق عليه اسم “المنزل”، وهو مصطلح يشمل جميع الجوانب العملية للعيش المشترك ويمتد عبر مجموعة من القضايا الصغيرة التي لا تخلو من كونها حاسمة، بما في ذلك مَن تجب زيارته في عطلة نهاية الأسبوع، وتحديد موعد الإيواء إلى الفراش، وعدد مرات استضافة الأصدقاء على العشاء، وعلى من تقع مهمة شراء المنظفات. من الجانب الرومانسي لا يعول على مدى جدية أو أهمية مثل هذه الأمور، فالعلاقات العاطفية تنجح أو تفشل نتيجة أمور كبيرة ومصيرية مثل الإخلاص والخيانة والشجاعة في مواجهة المجتمع بشروطه المفروضة، أو مأساة الانهزام أمام متطلبات التقاليد، تبدو التفاصيل الصغيرة اليومية للتدبير المنزلي غير لافتة وتافهة على نحوٍ يقصيها من الاكتراث. نتيجة لهذا الإهمال جزئيًا، فإننا لا ننخرط في علاقة عاطفية بوعي مدرك للقضايا المنزلية على أنها مواقف محتملة مهمة قد تثير السخط ويجب الانتباه إليها والاعتناء بها. ولا ندرك مدى أهمية ما إذا كان بإمكاننا في نهاية المطاف حل المشكلات المتعلقة بقرض الخبز المحمص في السرير، أو معضلة ما إذا كان من الأناقة أو من التكلف تنظيم حفل منزلي بأسلوب ناضج. عندما تكون القضية ذات اعتبار، نستعد لبذل قصارى جهدنا ولإتاحة الوقت في السعي لحلها، ومآل هذا الاحترام نتيجة غير متوقعة ولكنها حاسمة. فنحن لا ينتابنا الذعر في مواجهة التحديات لإدراكنا صعوبة ما نحاول القيام به، ونغدو أكثر هدوءًا مع المشاكل المعتبرة. إن المشاكل التي نشعر بأنها تافهة أو سخيفة ولكنها مع ذلك تشغل أجزاءً من حياتنا هي التي تدفعنا إلى حالات عالية من الهياج، وهذا الانفعال هو بالضبط ما دفعه الإهمال الرومانسي للحياة المنزلية عن غير قصد، فتتجلى عواقبه في الحديث الطائش حول درجة حرارة غرفة النوم المناسبة، والملاحظات الفظة حول القناة المتفق عليها للمشاهدة، وهي أمور يمكن أن تؤول على مدى سنوات إلى نهاية العلاقة العاطفية.
غالبًا ما يدور الاضطراب المنزلي طويل الأمد والمرهق بشأن ما يبدو وكأنها تفاصيل متكلفة. ما الطريقة الصحيحة لطهي الدجاج؟ هل يجب الاحتفاظ بالصحف في الحمام؟ إذا قلتِ إنك ستهمين بأمر ما بعد دقيقة واحدة، فهل من المقبول إنجازه بالفعل بعد التراخي ثماني دقائق؟ هل من الإسراف شرب المياه الغازية المعبأة كل يوم في المنزل؟ إنها تثير بطبيعة الحال فكرة أنه من السخف إلى حد ما أن تنزعج منها، ولذا فإن المسار الذي غالبًا ما يوصى به من أجل علاقة أكثر اتزانًا هو الكف عن الاهتمام بمثل هذه الأمور- أن نتجنب الهوس بالتفاصيل. في ممارسة الفنون، ندرك أن تفاصيل الأشياء الصغيرة كلها أهمية، والتفاصيل المنزلية أيضًا تبدو صغيرة ولكنها تحوي بداخلها أفكارًا كبيرة ومهمة. قد يبدو من الغريب بداهةً إجراء مثل هذه المقارنة، لكن التدابير المنزلية تشبه إلى حد كبير الأعمال الفنية، فهي تكثف المعنى المعقد في تفاصيل رمزية مهيأة بإحكام. قد نربط عادةً بين الذعر ووجود مهمة صعبة أو طلب عاجل، لكن هذا ليس صحيحًا تمامًا. إن ما يسبب الذعر في الواقع هو تعسر أمر لم توضع ميزانية له أو طلب لم يتدرب المرء أو يستعد لتلبيته. لذا فإن الطريق إلى علاقات أكثر اتزانًا لا يتعلق بالضرورة بإزالة نقاط الخلاف، إنما بافتراض حدوثها وأنها ستتطلب حتمًا الكثير من الوقت والتفكير لمعالجتها.
إذا اعترفنا بصعوبة الحياة المشتركة -وحسبناها مع ذلك جديرة بالاهتمام وتستحق الالتفات- فإننا سنواجه الصراعات بموقف مختلف تمامًا، سنتجادل بشأن من يلقي القمامة في سلة المهملات، ومن يحصل على طرف أكبر من اللحاف وما نشاهده على التلفاز. لكن طبيعة الصراع ستتغير، فلن نتعامل بالضرورة وعلى الفور بصبر نافدٍ وفظاظة، بل نسمح بشجاعة أن تثير الأمور استياءنا، ونجلس بتمهل مع شريكنا في نقاش لطيف ساعتين (ربما مع عرض تقديمي على برنامج باوربوينت) حول أمور نظافة حوض الغسيل وفتات الخبز ورمي القمصان على الأرض، وعليه سنساهم بدعم حبنا.