ثلاث قصص قصيرة لتولستوي 

ترجمها عن الروسية: عمران أبو عين 


حجم الخط-+=

من أين يأتي الشَّر في العالم؟ 

عاش ناسكٌ في الغابة بين الحيوانات، يتواصلُ معها وتتواصل معه، تفهم عليه ويَفهمُ عليها. في إحدى المَرَّات استلقى الرّاهبُ تحت شجرة، واجتمعَ غُرابٌ وحمامةٌ وغزالٌ وأفعى، وقرّروا قضاء الليلة في ذات المكان. وبدأت هذه الحيوانات تتحدّثُ عن سببِ الشَّرِ في العالم.

قال الغُراب:

كُلُّ الشُّرُورِ سببها الجوع، عندما تأكل حتّى الشَّبع تذهب وتحط على إحدى الأغصان، تنعقُ، كُلّ شيءٍ مَرِحٌ تسعدُ بكلِّ شيء، وعندما تجوع يوما أو اثنين يبدأ كلَّ شيءٍ على النقيض، لن تستقرَّ في مكانٍ وتبدأ تبحث عن الراحة من مكانٍ لآخر. ستشعرُ بالحُرقة لرؤية اللّحم وتزدادُ تعباً وتبدأ برمي نفسك كيفما كان. في مرّاتٍ كثيرة تُرمى بالعصيّ والحجارة، وتحاول الذئاب والكلاب خطفك. لكم خَسرنا إخوةً لنا بسبب الجوع؟ أصلُ كُلِّ الشّرور هو الجوع.

قالت الحمامة: 

أما أنا فلا أرى الجوع السبب وإنما هو الحُبّ. لو عِشنا بمُفردنا لكان حزنُنا أقل، إلّا أنّنا نعيشُ أزواجا. ستُحبُّ صديقتك ولن تَدعكَ بسلامٍ وستظلُّ تفكر فيها: هل أكلتْ جيداً، هل تشعرُ بالدفء؟ وعندما يطيرُ صديقك لمكانٍ ما، عندها ستضيع، وستظلُّ تفكر، التّفكير في أنّ صقراً قد يُطارده أو أنّه اصطيد من النّاس، ستذهب بنفسك للبحث عنه، وتتعرض لخطرِ صقرٍ أو كمين. وإذا اختفى صديقك، فلن يكونَ ذلك لطيفا حقا. عندها لن تأكل ولا تشرب، تبكي لا غير وتنتظر. فَقدنا العديدَ بسبب ذلك، أصلُ الشّرورِ ليس الجُوع وإنّما الحُبّ. 

قالت الأفعى:

لا، فالشّرُ لا يأتي من الجُوع ولا من الحُبِّ، بل من الغضب. لو أنّنا عشنا بانتباهٍ ولم نغضب، فكُلُّ شيءٍ سيكون جيداً. عندما يحدثُ شيء مُخالف لك، تبدأ بالغضب ولن يجلبَ ذلك الخير. تبدأ تُفكِّر على مَنْ تَصُبُّ جَامَ غَضبك، ولن تتذكر نفسك هُنا، فقط تبدأ بالزَّحفِ والفَحيح بحثاً عن مَنْ تعضُّه. لن تأسف على أحد، ستظلُّ غاضباً حتّى تُدمّر نفسك. كُلُّ شُرورِ العالم تأتي من الغضب. 

قالت الغَزالة: 

لا، ليس من الغضب وليس من الحُبِّ ولا الجوع، كُلُّ الشّرور في العالم تأتي من الخوف. لو لم نكن نَخاف، لكان كُلُّ شيءٍ جيداً. لدينا أرجلٌ رشيقة وقوّة جيدة، سنقاتلُ الحيوانات الصغيرة بالقرون، ونهربُ من الحيوانات الكبيرة. لا يُمكنك إلّا أن تخاف، ما إن يُخرخش غصنٌ أو يُسمع صوتُ حفيفِ الأوراق، ستضيعُ من الخوف. سيبدأ قلبُك بالنبض كأنّه يريد أن يقفزَ من صدرك، وتطير بأقصى سُرعتك. ومرّة أُخرى، لو ركضَ أرنب أو انكسر غصنٌ جاف أو رفرف عَصفور، ستظنُّ بأنّه وَحش. وإذا هربتَ من كلبٍ سُتواجهُ شخصاً، غالباً ما تظلُّ خائفاً وتركض ولا تدري إلى أين، ورُبّما ستواجه مُنحدراً وتسقط فيه وتتعرض للموت. تنامُ بعينٍ واحدة، وتسمعُ كُلَّ حَركةٍ وتشعرُ بالخوفِ، لن تحصُلَ على الهُدوء والسّلام. كُلُّ الشُّرورِ تأتي من الخوف. 

عندها قال النَّاسِك: 

ليس من الجُوع ولا من الحُب ولا من الغَضب ولا من الخَوف تأتي عَذاباتُنا، فكُلُّ الشُّرورِ تأتي من أجسادِنا. من جَسدنا يأتي الجُوع والحُبّ والغَضب والخَوف. 

**

البستاني وأولاده 

أراد بستنجي أن يعلم أبناه البستنة، ولما حضرت وفاته، جمع أولاده وقال: “حسناً أيها الأولاد، عندما أموت ستبحثون هناك في حديقة العنب عن شيء مخفي”. ظن الأولاد بأن هنالك كنز، وعندما توفي الأب بدأوا بحفر الأرض  كلها. لم يجدوا الكنز، ولكنهم حرثوا الأرض جيدا، حتى أصبح الإنتاج من الثمار جيداً. وأصبحوا بعد ذلك في بحبوحة.

**

عجوز حكيم 

بدأ الرجل بزراعة أشجار التفاح. 

قالوا له: ما لك ولهذا التفاح؟ سيستغرق وقتاً طويلاً حتى ينمو، ولن تتمكن من أكل تفاحة. 

قال الرجل العجوز: نعم، لن آكل التفاح، سيأكله الآخرون ويشكرونني. 

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى