ثلاث قصائد لجبران خليل جبران

ترجمة: شذا صعيدي


حجم الخط-+=

جبران خليل جبران (1883- 1931) الملقب بشاعر القطرين والفيلسوف النحات وألقابٍ أخرى عاش حياة صعبة جدا رواها في قصائده ونصوصه الفلسفية جعلت منه أبرز شاعر عربي – أمريكي مغترب. نشرت له دار ألفرد كنوبف دواوين شاملة له أبرزها ديوان “النبي”. وفي عام 1920 أسس جبران ورفاقه منهم ميخائيل نعيمة ما عُرِفَ بالرابطة القلمية التي هدفت إلى تعزيز الهوية العربية في المهجر. ها هنا ترجمة لثلاث من قصائده: خوف، عن الموت، ابتسامة ودمعة.

الخوف

يُقال: يرتعشُ النهر خوفاً قبل ولوجهِ إلى البحر 

تَنظُرُ خلفها إلى الطريق الذي قطعته من قمم الجبال 

من دروبٍ طويلة تتخللها قرى وأدغال 

أمامها محيطٌ عظيم الامتداد 

الدخولُ فيهِ اختفاءٌ أبديٌّ وزوال 

لكن حتماً لا يمكنُ للنهر الرجوعُ إلى الوراء 

ولا أحد يمكنه الارتداد فالسبيل إلى الوراء مُحال 

على النهر أن يُغامرَ بالولوج في المحيط 

بلا خوفٍ بلا ارتعاد 

حيث سيدرك النهر أن الخوف لا في الولوج

بل أن تكون المحيط.  

*

عن الموت 

تقدمّت ألميترا وقالت: نود سؤالك عن الموت 

فأجاب: تريدون معرفة سر الموت 

ولكن كيف ستهتدون إليه إن لم تفتشوا عنه في أعماق الحياة؟ 

أتُبصرُ البومةُ نورَ النهار وهي لا تُدركُ سرَّ الضياء! 

وإن أردتم حقاً أن تتجلى لكم حقيقة الموت فاجعلوا قلوبكم فسيحة لاستقبال أسرار البقاء 

فما الموت والحياة إلا سواء

كما النهر والبحر من ماء

 

في أعماق آمالكم ورغباتكم تكمن معرفتكم الصامتة بخفايا الموت 

وكما تحلم البذور المدفونة في الثلج، يحلم قلبك بالربيع 

فامنحوا أحلامكم الثقة ترشدكم إلى بوابة الخلود 

خوفك من الموت كارتعاشة راعٍ يقف أمام ملكه في ارتجاف، ويداه في شرف تُكرماه،

‏‎أليس مبتهجا في ارتعاشه يلبس شارةَ مولاه؟

أليس مبتهجا في ارتعاشه؟ وأكثر إدراكا لكل هذا الخوف؟ 

 

ما الموت إلا أن تقف عارياً في مهب الريح وتذوب في وهج الشمس 

وما انقطاع النَّفَس إلا تحريرٌ للجسد من المدّ والجزر، 

وصعود الروح متحررة من قيودها باحثة عن الله بلا عُسر 

لن تغني الروح إلا إذا ارتشفت من نهر الصمت المديد 

وعندما تبلغ قمة الجبل؛ تبدأ رحلة الصعود البعيد 

وحين تستعيد الأرض جسدك تبدأ روحك بالرقص من جديد 

*

ابتسامة ودمعة  

لا أستبدل أحزان قلبي بأفراح الجميع 

ولا دموعي الجائشة بالحزن بضحكاتٍ عابرة 

أريد أن أُكمِلَ حياتي في ابتسامة ودَمْع 

دمعةٌ تطهر قلبي وتُرشِدُني نحو خفايا الوجود وأسراره

وابتسامة تقربني من أبناء جنسي وتَحولُ شعارَ تعظيمي للآلهة  

دمعة تجمعُني بذوي القلوب الكسيرة الحائرة 

وابتسامة تَحولُ شعار فرحي في الوجود 

أفضلُ الموتَ مشتاقاَ يملؤني الحنين على أن أعيش في البؤس والعوز

أجوع للحب والجمال ليتجذرا في أعماق الروح، 

فقد رأيت القانعين هم أشقى الناس 

وسمعتُ أنينَ ذوي الشوق والتوق، وكان أعذبَ أعذبَ الألحان 

حينَ يحلّ المساء تطوي الوردةُ بتلاتها، وتنام محتضنةً الشوق  

وحين يُقبل الصباح تنفرجُ شفاهها لقبلة الشمس  

حياة الوردة شوقٌ ورضا بَحْت.. ابتسامة ودَمْع 

مياه البحر تتصاعدُ بخاراً وتتجمع لتكون غيمةً- 

تحوم الغيمة فوق الوديان والتلال حتى تجتمع والنسيم العليل فيهطل المطر، 

ثم تنضم إلى الجداول والنَّهْر عائدةً إلى البحرِ بيتِها الأَصْل 

حياة الغيوم فراقٌ ولقاء.. ابتسامة ودمع 

هكذا الروح، تنفصل عن روح خالقها فتعيش في دنيا الأشياء 

وتمرُّ فوق جبل الأحزان 

وفي سهل البهجة الفرح والألم تلاقي نسيم الموت 

وتعود إلى خالقها.. 

خالق الجمال والحب.. رب الكمال 

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى