توقفتُ عن استخدام مواقع التواصل مدة شهر وكان هذا ما تعلمته
ميل بورك
ترجمة: بلقيس الكثيري
أرادت ميل بورك المزيد من الوقت للعمل على روايتها، لذلك حذفت تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي من هاتفها. وعندها أدركت ما أكثر استهلاكها للوقت بجلوسها قُبالة الشاشة.
“تعلمتُ خمسة دروس مثيرة للدهشة عندما توقفتُ عن استخدام مواقع التواصل مدة شهر”.
جلستُ وأغلقت تطبيق تيك توك في هاتفي وأنا أحدق بعدم تصديق إلى غروب الشمس خارج نافذتي. كانت الشمس ساطعة في الخارج عندما جلست لأستريح لمدة عشر دقائق على مواقع التواصل الاجتماعي في هاتفي بعد العمل. كنتُ أريد أن أسترخي وأتصفح التطبيقات لبضع دقائق فقط، قبل الشروع في الكتابة. والآن انقضى المساء بأكمله. وقررتُ في حالة من الإعياء والجوع أن أعد العشاء وأنطلق من هناك. لكنني لم أكتب أي شيء في تلك الليلة. لقد أصبح هذا روتيني، العمل طوال اليوم، والجلوس على مواقع التواصل طوال المساء، وتناول الطعام إذا لم أكن منغمسة بالكامل في تلك الدوامة. وفي وقت النوم أتصفح المزيد من تطبيقات التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى نتفليكس. كنت أعلم أنه يجب عليّ استغلال وقتي بنحوٍ أفضل، لكني أنهي عملي خلال النهار، وأنام بنحوٍ كافٍ في الليل. لذا لم يكن لدي دافع للتغيير حتى وصلني تقرير عن الوقت المستهلك على الشاشة يوم الأحد التالي.
كنت أقضي أكثر من أربعين ساعة أسبوعيًا على هاتفي، حيث يمضي معظم ذلك الوقت على تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل الإنستغرام والفيسبوك. ونظرًا لأن وظيفتي تحتم علي العمل بدوام كامل واختيار مهام حرة من جانبي، فليس من المستغرب أن أكون منهكة جدًا لدرجة عدم الخوض في العمل على أي مشاريع إبداعية- وظيفتي الثالثة كانت التحديق في هاتفي. إذا كان القول المأثور الذي ينص على أن استهلاك عشرة آلاف ساعة في شيء معين يمنحك الخبرة فيه وإتقانه صحيحًا، فأنا في طريقي للوصول إلى مستوى الحزام الأسود في تطبيق تيك توك والإنستغرام. لكن لم يسبق أن كتب أحدهم رواية حازت على جوائز، وهو يحدق في مزامنة شفاه المراهقين في العروض الغنائية. لذا اعتزمت أمرًا، وهأنا أنشره: “سأنقطع عن مواقع التواصل مدة من الزمن، في حال احتجتم شيئًا، اتركوا لي رسالة نصية” ثم حذفتُ تطبيقات الفيسبوك والإنستغرام وتيك توك من هاتفي (طبعًا التطبيقات فقط دون حساباتي الشخصية، فأنا لستُ مجنونة). أبقيت تطبيق تويتر، واحْسبوه قطعة الحلوى التي أنالها في نهاية اليوم بعد اتباعي لحمية غذائية بنجاح. أثناء فرض قيود على نفسك، لا بد من وجود تسهيلات بين مدة وأخرى، وإلا فإنك ستعاود الأمر بإفراط. عاهدتُ نفسي أن يدوم الانقطاع لشهر واحد كإعادة ضبط، وبعد ذلك يمكنني العودة. لكن ما تعلمته في الثلاثين يومًا لم يكن كما توقعت.
1) كنت ألمس هاتفي بكثرة
لم يكن لدي فكرة عن هذا الرقم قبل أن أتوقف، ولكن حتى بعد عملية إعادة الضبط الصعبة، ما زلت ألتقط هاتفي مائة وثلاث عشرة مرة في اليوم، وفقًا لتقرير الوقت المستهلك على الشاشة لهاتف الآيفون الخاص بي. ومما لاحظته خلال عملية الضبط تلك أنني كنت أمسك هاتفي من مرتين إلى ثلاث مرات خلال الربع ساعة، وأحدق إليه للحظة قبل أن أدرك أنه لا يوجد شيء يمكنني القيام به، ثم أضعه جانبًا. هناك الكثير من الأشياء في هذا العالم التي أحبها أكثر من هاتفي، وبالتأكيد لا أنظر إليها أو أمسها أو ألمسها بهذا القدر.
2) كنتُ أقل إجهادًا خلال النهار
أعمل عادة على مستوى عال من التوتر. اخترت أن أكون كاتبة في أحد أغلى الأماكن معيشة في البلاد – أو في العالم تقريبًا-. هذا بحد ذاته كفيل بأن يفرز مستوى شبه ثابت من الأدرينالين، يقذف القلق في وجهك بكل شكل تقريبًا وأنا أشتد أكثر من خيط يتجاذبه متسابقو شد الحبل في اتجاهين متعاكسين. ولكن بمجرد أن قللتُ من وقت جلوسي على الهاتف، تلاشى شيء من هذا التوتر. لم يعد يشغلني ما يفعله الآخرون في الوقت الحالي، والأهم من ذلك شعرت أنني لستُ مضطرة لإخبار الجميع بما أفعل. وكانت قدرتي على الابتعاد عن هذا التفاعل كبيرة.
3) كنت أشعر بالوحدة أكثر مما كنت أتوقع
كثيرًا ما يربط فن الكتابة بالعزلة. إذ إنها عملية تجري في صمت، يؤديها الشخص وحده على وجه العموم، وبدون مشاركة كبيرة في المراحل الأولى. تفاقم لدي هذا الشعور بالوحدة بنحوٍ خاص حيث أعمل عن بُعد، لذلك لا يوجد وقت فراغ في المكتب للتواصل الاجتماعي مع من حولي. وبمجرد أن توقفت عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحتُ وحيدة. بعد الأسبوع الأول اشتقت للصوت الرقمي لأحبائي الذين يتواصلون معي يوميًا. لذلك اعتمدت على التواصل المباشر أكثر من ذي قبل. كانت استراحة الغداء مخصصة لإرسال رسائل الحب، ومراجعة خطط عطلة نهاية الأسبوع، وقراءة جميع تلك الرسائل الواردة في المجموعة.
4) نَمَت ثقتي بنفسي وتضاعفت بنحوٍ هائل
ربما كانت النتيجة غير المتوقعة لعملية ضبط استخدامي لمواقع التواصل هي تحسن شعوري بقيمة الذات.
أتذكرون حديثي عن التوتر والقلق؟ ذلك الصوت الضئيل في الجزء الخلفي من رأسي الذي يخبرني أنني “لست جيدة بما يكفي من الناحية الشخصية أو المكانية أو في أي شيء هنا” خَفَتَ فجأة بنحوٍ ملحوظ – وغاب في أحيان كثيرة. أصبحت قادرة على الابتعاد عن اللقاءات الاجتماعية دون ذلك التذمر المزعج المتردد في رأسي باستمرار “لقد قلتِ الشيء الخطأ”. لقد بحثت عن سبب ذلك واتضح أن – عدم قضاء أربعين ساعة في الأسبوع أو أكثر في مقارنة نفسي بالآخرين، ساعدني في تقليل نسبة قلقي من الفشل الشخصي. لقد قللتُ حاجتي إلى أن أتصرف بمثالية أمام الآخرين طوال الوقت.
5) نعم، لقد كتبتُ أكثر
لم أنتهِ من الكتاب بعد، لكنني تمكنت من زيادة عدد الكلمات بنحوٍ كبير. كما أنني أخيرًا أحدثتُ قفزة كبيرة وأكملت مقالة عاطفية طويلة مكونة من ألفين ومائتي كلمة قمت بتحريرها قبل أشهر. كل ذلك بسبب امتلاكي القدرة على إتاحة الوقت للمشاريع الشخصية، ثم الانغماس فيها فعليًا. وهنا ستنتهي قصتي بشيء من الإحباط، فقد انتهى بي الأمر إلى إعادة تنزيل التطبيقات الاجتماعية في وقت أبكر من الموعد المخطط له. حين كنت في رحلة جبلية، تذكرت أن أصدقائي الذين يجلسون مع كلبي ينشرون قصصاً في الإنستغرام عن جروي الصغير ليؤكدوا لي أنه بخير. وبعد أن تلقيت رسائل قلقة بشأن عدم الرد في الفيسبوك على الدعوات التي تصلني لنوادي السينما وأعياد الميلاد وغيرها من التجمعات الاجتماعية المتنوعة ، انتهى بي الأمر لإعادة شبكة التواصل الاجتماعي، لكنني حافظت على فوائد انقطاعي عنها، وتركتُ العادات السيئة، وعلى الرغم من أنني لم أتصدر قائمة أفضل الكتب مبيعًا بعد فإنني في الأقل في طريقي إلى ذلك.
ميل بورك: كاتبة تتعدد هواياتها بين الغناء لكلبها، والكتابة عن الكتب والطعام والتأريخ والسفر ومغامراتها الغريبة التي تعيشها في كاليفورنيا.