العالم لا ينحني لذوي الإعاقة من الأطفال أو ذويهم
كاتي روز بريال
ترجمة: بلقيس الكثيري
طُرد طفلايَّ من العديد من الأماكن لأنهما مختلفان- تمامًا كما حدث معي.
“كنتِ طفلةً يصعب تربيتُها” هذا ما كانت تردده أمي. كنتُ عدائيةً عنيدةً وسريعة الغضب. وكل هذا بدأ حين كنتُ أبلغ العام والنصف. كنتُ أعاني من مرض الاضطراب ثنائي القطب، الذي كان من أعراضه الهيجان. الآن لدي طبيبةٌ رائعةٌ وأدويةٌ ممتازة، وما يكفي من الوعي الذاتي لأدرك أنني كنت بحاجةٍ إلى كليهما. عندما كنتُ طفلةً صعبةً، استعانت أمي بإحدى أفضل طبيبات الأطفال النفسيين في البلاد، والذي صادف أنها كانت تعيش في بلدتنا الجنوبية متوسطة المساحة. في سن الرابعة طُردت من سيارة نقل الأطفال في الحضانة وشعرتْ أمي بالخجل والقلق على حدٍ سواء. كانت تعلم أننا بحاجةٍ إلى مساعدة.
بعد سنوات، عندما كنت في المدرسة الثانوية، أخبرتني عن قصة طردي من سيارة الحضانة. ظننتُ أن القصة لا تعدو عن كونها حادثة شغب. كنت أعرف أي نوعٍ من الأمهات أولئك اللواتي طردنني من السيارة… متعجرفاتٌ ومتكبرات. طردنني لأنني كنت مسببة للفوضى. كان يمكنني أن أَراهُنَّ بوجوههن المعقوفة، يخشين أن ألوّث الصورة اللامعة لأطفالهن بغرابة سلوكي. كان من السهل أن أضحك، فقد كنتُ في طريقي لأداء الدراسات العليا في الخريف، وكان المستقبل أمامي مشرقًا. لم أكن أفهم لماذا لا تزال أمي مهتمةً بما حدث في الحضانة. حاولتْ أن تجعلني أفهم أن قصة سيارة الحضانة -في نظرها- لا تدعو للضحك على الإطلاق. كانت قصةً مؤلمة. إنها تشبه قصة الفتيات اللئيمات اللاتي طردنها من طاولة الغداء، فيما عدا أن الطفلة المنبوذة هذه المرة لم تكن هي، بل طفلتها. والآن بعد أن أصبحتُ أمًا، أدركتُ لأي مدىً يصبح الأذى الذي يصيب طفلك -عندما يهاجمه أحدهم- أشد وطئًا عليك. الأمهات الأخريات جعلنَّ أمي تشعر بأن اللوم بالكامل يقع عليّ. وكان لديهن قائمةٌ طويلةٌ من الأسباب: أتحدث كثيرًا في السيارة، لا أقعد هادئة، لا أقف ساكنةً في الممر، أتحرك أكثر من اللازم… أنا متأكدةٌ أنني قمت بكل الأشياء التي تبرّمنَ منها. فطفليّ -اليوم- يقومان بالأشياء ذاتها.
*
عندما أفضتْ أمي بمشاعرها لطبيبة الأطفال النفسية، كانت في غاية القلق بشأني.
سألتْها: ما مشكلتها؟ كيف يمكن أن أقوم سلوكها؟
أجابت الطبيبة: المشكلة ليست في ابنتكِ. لقد جعلوكِ تشعرين وكأنها المشكلة. لا تسمحي لهم بذلك.
كيف؟
كانت أمي بحاجةٍ إلى شيءٍ تستند عليه. ولحسن الحظ قدمت لها الطبيبة النفسية الإجابة: هناك اختبارٌ يسير يتمثل في الرد على هذه الأسئلة، هل عرّضتْ ابنتكِ أحد الأطفال للخطر؟ هل عرّضتْ نفسها للخطر؟ هل أتلفت شيئًا من الممتلكات؟
وبحسب رأي الطبيبة إذا كانت الإجابة عن كل الأسئلة الثلاثة بـ لا، فإن العقوبة التي عوقبتُ بها -الطرد- كانت في منتهى القسوة.
قالت الطبيبة: ليس كل الأطفال متشابهين. ولا يجب أن نتوقع منهم أن يكونوا كذلك. لا سيما عندما يبلغون سن الرابعة. يجب أن نفسح لهم بعض المجال.
سألتْ أمي: ماذا يجب أن أفعل؟
أجابتْهَا: جِديْ أشخاصًا أفضل يرافقونها في السيارة.
*
في الصيف كنتُ امرأةً ناضجةً ولديَّ طفلان، في سني السادسة والثامنة، أُمًّا مثل والدتي. في السنوات الثلاث الأخيرة، طُرد طفلاي من العديد من الأماكن لأنهما مختلفان. كنتُ أراقب ابني الأصغر الذي يبلغ من العمر ست سنوات “سكس” وهو يأخذ درسًا في السباحة. كان الوقت مبكرًا ولا يوجد بالمسبح غيرنا. رتبتُ لأخذ هذه الدروس لغرضٍ معيّن. “سكس” كان يريد أن يكون في فريق السباحة الخاص بأخيه “إيت” ذي الثمان سنوات، ولكن في البداية كان يلزمني أن أراقب الهيئة التي يكون عليها فريق السباحة، ولهذا السبب جاءت فكرة الدرس هذه. إذا كنتم من ذوي الإعاقة مثلي -مثل حالتي- أو إذا كنتم قد رُزقتم بأطفالٍ ذوي إعاقةٍ مثلي، ففي الأرجح ستدركون أهمية المعاينة والمراقبة. إنها عمليةٌ مهمةٌ جدًا؛ فالأشخاص في مثل حالتي وحالة طفليّ ذوي الست والثماني سنواتٍ لا يحسنون استقبال المفاجآت. المشكلة ليست في تعلم السباحة. فسكس يسبح بنحوٍ جيدٍ لكن ينبغي أن يتعلم كيف يتعامل مع الفريق، وكيف يستمع إلى المدربين، وكيف يتبع التوجيهات، وكيف يبقي النظارات الواقية على عينيه، وكيف يبقي رأسه فوق مستوى الماء عندما يتحدث المدربون، وكيف يبقى في المكان المخصص له، وكيف يقوم بكل الأشياء التي يعرف الأطفال الآخرون كيف يقومون بها بنحوٍ طبيعي. لكن سكس لا يعرف كيف يقوم بأيٍ من هذه الأشياء على نحو طبيعي. ينسى ما تطلب منه أن يفعله بمجرد أن تطلب منه ذلك. وهو يدرك أنه ينسى. صحيح أن سكس ما زال صغيرًا لكنه يدرك أنه مختلف.
بحسب ما يقوله أبي لقد كنت أشبه سكس عندما بدأت السباحة. كان على أبي أن يجد مدربين لا يغضبون مني أثناء تدريبي. كان الأمر صعبًا، لكنهم كانوا كذلك. قال أبي: “حدث ذات مرة، أنكِ كنتِ مع مدرب السباحة، وقفتِ وكنتِ في السادسة وبدأتِ تحدثينه عن العالم في نظركِ. استمع المدرب إليكِ وأنتِ تتحدثين، ثم قال: كاتي إنه أمرً مذهل” أدركت أمرًا آخر في القصة التي حكاها أبي، إنها فرحةٌ من نوعٍ خاص -شعرتُ بها أيضًا- عندما ينظر شخصٌ بالغٌ لطفلي على ما هو عليه، وليس بحسب الأمور التي يفشل في القيام بها.
حين كنت أراقب درس السباحة، كنتُ أريد أن أتدخل. عندما كان سكس يتحدث وقد توقف عن السباحة وتشتت انتباهه حين أخذ يقول أشياء عن العالم لمدربته، وهي امرأةٌ في أوائل العشرينات من عمرها، أشياء مثل النبضات الكهرومغناطيسية والجاذبية، لكنني لم أتدخل. وقلتُ لنفسي: إذا كانت مدربةً جيدةً، ستعرف كيف تتصرف. لقد دفعتُ مالًا مقابل درس سباحةٍ خاصٍ لسبب. ونحن هنا في المسبح لوحدنا لسبب، ألا وهو أن تتمكن المدربة من معرفة طفلي وفهمه. حتى ترى مدى براعته وكيف يكافح، وما الشيء الذي يجعله استثنائيًا وما الذي يجعله عاديًا. ينبغي أن تعرف كيف تنحني لمستواه وتخفض له جناحها. وعلى كل حالٍ فهو كثيرًا ما ينحني. لقد دفعتُ المال حتى لا يضطر طفلي للانحناء هنا أثناء تعلّمه. هنا أستطيع سماع نبرة صوتها، ونفاد صبرها، وانحدارها إلى ما هو أسوأ. ولذا أراقب من كثبٍ اللحظة التي تتغير فيها نبرتها وتتجاوز الحد المفترض. أتغاضى عن نفاد صبرها لكن لا أسمح بالبذاءة وسوء التصرف أبدًا.
لقد قال لها “أنا آسف” ما لا يقل عن عشر مرات.
كان يعتذر ردًا على غضبها المتفاقم عندما تعيد توجيه سلوكه. وعندما تأمره بشيءٍ يجيبها: حسنًا، بإذعانٍ وابتهاج. لم يكن يعاندها، ويحاول أن يسعدها. وعندما تطرح عليه سؤالًا مفتوحًا يبدأ بالتحدث عن ضغط المياه وعمقها، وأدركتُ حينها أنني لستُ واثقةً فيما إذا كانت المدربة تعلم أنه في السادسة فحسب. كان طويل القامة مثلي، مفرداته وفيرة، ويمكن أن يبدو لمن لا يعرفه بأنه في الثامنة أو حتى التاسعة.
في الأسبوع الماضي، لم يستطع السباحة إلى الجانب الآخر من المسبح. وفي هذا الأسبوع، بدأ يحث نفسه على الغوص في الجزء العميق وكأنه كان يفعل ذلك منذ الأزل. لم أكن أنا ووالده نعرف لماذا قرر السباحة، غير أنه هكذا قرر على نحوٍ إرادي. وهكذا هو على الدوام بمجرد أن يقرر أنه يريد القيام بشيءٍ ما، يقوم به والعكس صحيح. اجتماعات أولياء الأمور مع معلمي سكس كانت لا تحتمل. اتصلت بنا معلمته في الروضة في منتصف العام، وطلبت منا حضور اجتماعٍ خاص. قالت لنا: منذ ثلاثين عامًا وأنا أدرِّس، لكني لم أواجه طالبًا صعبًا مثله. لقد طفح بي الكيل. شعرت بأنني تحطمت. ماذا يعني ذلك؟ هل يعني هذا أنها يئست منه؟ ماذا تقصد عندما تقول لأحد الوالدين أنها في كل السنوات التي مارست فيها التدريس لم يمر بها -من قبل- طالبٌ يصعب التعامل معه مثله؟
قالت: لا أستطيع أن أجعله يقوم بالأشياء التي يفترض أن يقوم بها الطلاب.
عندما كانت تتحدث، كنت أكتب الملاحظات. لم استطع الكلام. تركتُ زوجي يجيب، بكلماتٍ فارغةٍ لا معنى لها لاسترضائها. كل ما كنت أقوله لنفسي: هذا صحيحٌ ليس باستطاعتكِ أن تجعليه يفعل شيئًا، لماذا تكون لديكِ الرغبة -من الأساس- في أن تجبري أي شخصٍ على فعل شيءٍ ما؟ لا يمكنكِ أن تجعلي الأشخاص الذين تحبينهم يفعلون الأشياء. ولا يمكن أن تجبري الأطفال على فعل أي شيء. المفترض أن تعملا معًا، أن تشرحي له، أن تعلّميه. ربما كنت أفكر في هذه الأمور حين كنت أكتب ملاحظاتي لأنني أعرف مدى رغبة ابني في أن يجعل هذه المعلمة سعيدة. كان يقول لي على الدوام: أريد أن أسعدها يا أمي، لكنه لم يكن يعرف كيف.
أثناء درس السباحة، كانت المدربة تحاول تعليمه كيفية القيام بالتنفس الجانبي. كان خائفًا من وضع إحدى أذنيه في الماء. كانت تقول له: إنه أمرً سهل، وتشرح له ذلك بقولها: فقط افعلها هكذا. هز رأسه نفيًا، لم يكن لكلماتها معنىً في نظره، أجاب: المقصود بالشيء السهل أنه سهل. والصعب صعب، وهذا صعب. بدت المدربة متحيرة. وابتسمتُ. يثير ولداي إعجابي جدًا.
قال لها مرةً أخرى: كما قلتُ لكِ سهلٌ يعني سهل. ثم فجأةً بدأ في البكاء: التنفس الجانبي يضع ثقلاً بوزن ستون رطلًا عليً.
قلتُ لنفسي: فعلًا لا يبدو هذا سهلاً على الإطلاق.
وأصرّت المدربة: حاول مرةً أخرى.
أخذ يقول لها والعَبَرات تخنقه: توقفي عن إعطائي الأوامر.
ضحكت المدربة أخيرًاً: هذا هو عملي.
لاحظتُ أن دموع سكس جعلتها أخيرًا تشعر بالراحة. يمكنها التعامل بسهولةٍ مع شعوره بالخوف والضعف، لكن لا يمكنها التعامل مع قوته.
في أول يومٍ من بدء تدريبات السباحة في الصيف -وعلى الرغم من جميع الدروس الخصوصية- واجه سكس صعوبةً في تذكر ما يجب القيام به. لم أشعر بالقلق. أعرف أنه أحيانًا يستغرق بضعة أيامٍ قبل أن يألف القيام بالأشياء الجديدة. نحن أعضاءٌ في نادي السباحة هذا، وقد دفعنا المال لنكون ضمن هذا الفريق، وسينال ابني فرصة القيام بها كما يجب. في المنزل أضطر أحيانًا إلى تدريبه من خلال قيامه بالمهام الأساسية، مثل ارتداء ملابسه في الصباح أو تنظيف أسنانه أحيانًا. وفي أحيانٍ أخرى يقوم بالمهام من أول مرةٍ أطلب فيها. وعندما ينسى، يبدأ بما أسميه “العبث” مبتعدًا عن الهدف، وتُشتت أصغر الأشياء انتباهه. لكنه دائمًا يعمل عن طيب نية. عندما أجده يعبث، يعود إلى ما كان يفترض أن يفعله معتذرًا، ويحاول أن يفعل الشيء على الوجه الصحيح لإرضائي وإرضاء والده، مدركًا أنه أخطأ. إنه يدرك! في اليوم الأول لتدريب السباحة مع فريق السباحة الصيفي الخاص بنا -ومن المهم أن أذكر أنه لا يخص التصفيات المؤهلة للأولمبياد- واجه سكس صعوبةً في تذكر تعليمات المدربين. أي طريقةٍ للسباحة؟ السباحة في كلا الاتجاهين أو الخروج والسير؟ هل أستخدم حاجز القفز أو لا؟ أي مسارٍ أسلك؟ بوجود الكثير من الأطفال في المسبح كان هناك الكثير من الصراخ باستمرار، وكان يومه الأول. تدريب السباحة يشتت انتباهه تمامًا.
كنت قاعدةً على أحد الكراسي المخصصة للاستلقاء، أضع نظارتي الشمسية وأتصرف كأنني غير مبالية، ولكنني لم أكن غير مباليةٍ على الإطلاق. لا يمكنني أخذ سكس أو أخاه إيت إلى مكانٍ جديدٍ دون أن أولي اهتمامًا وثيقًا للطريقة التي يتعامل بها البالغون معهما. لقد تدربت على يد بالغين يتعاملون بقسوةٍ مع الأطفال وبلا مبالاة، وعلى وجه الخصوص الأطفال الذين في مثل حال ولديّ. لذا قليلًا ما أثق بأحدهم. واتضح في هذا اليوم أنني لم أكن على خطأٍ في شكّي وارتيابي. كان سكس يقف على حافة المسبح وبسرعة البرق وقفت المدربة أمامه -وهي امرأةٌ شابةٌ أيضًا في أوائل العشرينات من عمرها- وصاحت وهي تشير إلى الجهة الأخرى من المسبح حيث كان الأطفال في سن السادسة يتخبطون كالجرِاء: من المفترض أن تكون في المسار الآخر!
من بين صراخ المدربات ورذاذ الماء المتطاير من الأطفال وصراخهم، رد سكس: أنا آسف.
عكّرتها مبادرته للاعتذار. مثلها مثل الكثيرين في حياة سكس ظنت أن سوء تصرفه كان متعمدًا، ظنت أنه ارتكب الخطأ عن قصد، لكنها كانت مخطئة.
سألته: ما مشكلتك؟
ابني أبعد ما يكون عن الرد التعبيري للإجابة عن الأسئلة الاستنكارية. انفجر باكيًا وهو يقول: أنا أنسى.
عند هذه النقطة بالذات كان الأمر لي إما أن أقتلها وإما أبكي. فوجئتْ المدربة بكلماته وأعادته إلى المسار الخاص به فقفز إلى الماء. أما أنا وقفتُ واتجهتُ إلى السياج المعدني الأسود الذي يطّوّق المسبح، قبضت على اثنين من القضبان المعدنية المربعة، وذرفتْ عيناي الدمع من خلف نظارتي الشمسية. باستعادة ما حدث في الماضي كان يجب أن أُخرج سكس من المسبح في ذلك اليوم. كان يجب أن أتبع نصيحة الطبيبة النفسية لأمي قبل خمسةٍ وثلاثين عامًا، أن أبحث له عن شخصٍ مختلفٍ أو أفضل، لكنني لم أفعل. كنت أريد لطفلي أن يفرح ويستمتع بوجوده في فريق السباحة. كان يبدو سعيدًا جدًا لوجوده هناك. وأراد أن يُسعد مدربته. لذلك أبقيته حتى ينهي تدريبه.
*
لم يسبق أن حاز التصنيف المخصص لـ “آباء الأطفال ذوي الإعاقة” على إعجابي، يبدو لي مثل صناعةٍ ريفية، حيث يكتب الآباء عن أطفالهم المصابين بإعاقةٍ ما. يكتبون الكثير من المقالات والكتب والمدونات حول إعاقات أطفالهم بإفراطٍ لغرض الاستثمار وجني الأموال من إعاقات أطفالهم. يتوق الكثير من معلمي المساعدة الذاتية لاستغلال يأس الآباء الذين لديهم أطفالٌ مصابون بإعاقة. وفي أفضل الأحوال يمكن لهذا النوع من المصنفات أن يغذي هراء الآباء الذين يشعرون بالرضا الذاتي حين يتحدثون عن مدى عظمتهم في تربية أبنائهم. وفي أسوأ الأحوال يصنع من بعضٍ وحوشًا، من الآباء والأمهات الذين يبررون إساءة معاملة أطفالهم ذوي الإعاقة -عاطفياً أو جسدياً- بحجة أن أطفالهم يجعلونهم بائسين. يصفون لأي مدىٍ حياتهم فظيعةً -غالبًا على وسائل التواصل الاجتماعي- ويصطف مجموعةٌ من الآباء خلفهم داعمون لهم إلى حد تحريضهم على إبداء المزيد من الإساءة أحيانًا. إذا ألقيتم نظرةً على عناوين هذا الصنف لمذكرات آباء الأطفال ذوي الإعاقة الشائعة (ببحث سهل على الإنترنت) فستجدون أن العناوين تتضمن ذات المحاور. محاور الضرر والأذى من قبيل: “الفوضى والجنون ومحطم والثمن والصمت” ومحاور الرحلة: “بحثٌ ورحلة والانحدار والنضال” ومحاور التجاوز: “عبر ووراء وإنقاذ والأمل” يمكنكم التلاعب بهذه الكلمات لتكوين عباراتٍ من نوع: “رحلةٌ عبر الفوضى” امزجوهن معًا، واربطوهن برابط معين وسيكون لديكم عنوان جديد.
على مدى سنوات، لم تكن لدي رغبةً في كتابة أي شيءٍ يتعلق بهذا الصنف. كنت دائماً أتساءل “كيف كان من الممكن أن يكون شعوري إذا كان أحد والديّ قد كتب عني؟ واعتقدتُ أن من حسن حظي أنهما من نوع الباحثين الرجعيين الذين لا تكون لديهم أدنى رغبةٍ في الثرثرة عن ابنتهما المخبولة على شبكة الإنترنت. وإنني كنت محظوظةً بما يكفي لأني كبرتُ قبل ظهور الفيس بوك. هل يمكن لإعاقتي تغيير هذا الصنف؟ أن تطوّعه بما يكفي لتجعل منه صنفًا مستساغا؟ لا أعرف، ليس لدي علمٌ بعد. لا أعتقد أن معظم هؤلاء الآباء والأمهات يهدفون إلى استغلال أطفالهم. أعتقد أن معظمهم يناضلون بشدةٍ والكتابة تخفف آلامهم. ولكن أعتقد أيضًا أنه من الصعب أن تعبّر عن تجربة طفلك ذي الإعاقة ما لم تكن أنت نفسك تعاني ذات الإعاقة.
*
بعد يومين، في اليوم الثالث من تدريب السباحة، يبدو أن سكس اعتاد الروتين. قفز مباشرة إلى مساره الصحيح. وكما يبدو لي فقد نفّذ كل ما تطلبه المدربات. كان يدور مع الأطفال الآخرين الذين يبلغون السادسة مثله، ويسبح بنحوٍ رهيب ورائع كما يفعلون، إلى الأمام وإلى الخلف. كان يقفز بفرح، حريصًا كل الحرص على تكرار ذلك، كنتُ سعيدة جدا لأجله. لقد فعلها! حين كنت أقف في ظلال مظلة المسبح، أتأمل في دهشة مدى نجاحه في التكيف مع فوضى تدريب السباحة خلال ثلاثة أيام فقط، جاءت إلي إحدى المدربات. دعونا نطلق على هذه المدربة اسم ريجينا جورج. ريجينا هي المدربة نفسها التي دفعتُ لها مقابل إعطاء سكس دروس خاصة في السباحة قبل بدء فريق السباحة في ممارسة السباحة حتى ينسجم مع الروتين. دفعتُ لريجينا تكلفة سيارة صغيرة من أجل أن تعطي دروس السباحة الخاصة لسكس وإيت، ومراقبة فريق السباحة كل صباح مدة أسبوعين. استقطعتُ وقتًا من عملي لأوصلهما، وأراقب سير الدروس، وأن أسلي أحدهما حين الآخر يسبح- كل ذلك لأجل أن أضمن نجاح فريق السباحة. لقد دفعتُ لريجينا حتى تتعرف على سكس وأيت. وكنت أحسب أنها إذا قضت بعض الوقت معهما على انفراد، ستعتاد على عاداتهما الغريبة. على سبيل المثال إذا عرفت سكس جيدًا، سترى روحه الجميلة وتحدياته. لكنني كنت مخطئة في ذلك. لا تقلل أبدًا من رغبة الشخص في أن يسهل حياته على حساب شخص مصاب بإعاقة. اقتربت ريجينا مني قبل نهاية تدريب السباحة بخمس عشرة دقيقة وقالت لي: أنه لم يعد مرحبّا بـ سكس في فريق السباحة. صُعقت وأصابني الذهول، لكن أخفيتُ ردة فعلي وسألتها بهدوء: لماذا؟
أجابت ريجينا: لقد اجتمعنا جميعًا وقررنا. مشيرةً إلى فريق التدريب بأكمله إذ يوجد ما لا يقل عن عشرة مدربين. تركتها تتحدث وأنا أتخيل كل المدربين الذين يقفون حول المسبح وهم يعقدون اجتماعًا سريًا لمناقشة عدم استحقاق طفلي لمكانه.
قالت: يتطلب الكثير من الاهتمام الشخصي، وهذا ليس عدلاً بالنظر لبقية الأطفال.
ثم قالت إنه من أجل أن يكون سكس في الفريق، ينبغي أن يثبت قدرته على أداء قائمة المهام التي لم أسمع بها من قبل. كنتُ أقول لنفسي لن أبكي أمام هذه المدربة العشرينية.
أخرجتُ المحامي الذي في داخلي وقلت لها: المتطلبات الأساسية مذكورة على الموقع الإلكتروني. وتنص على أنه لكي يكون الطفل في الفريق، يجب أن يكون قادرًا على السباحة في دورة مفردة حول المسبح دون مساعدة.
هزت ريجينا كتفيها بلا مبالاة. وكان هذا كل شيء!
أظهرتُ ابتسامة كبيرة على وجهي وأخرجتُ سكس وأيت من تدريب السباحة. لم أخبرهما عن سبب مغادرتنا مبكرا. لم يهتما بالأمر. كانا يدردشان مع بعضهما في طريقنا إلى المنزل. وكنت أقود السيارة والأفكار تدور في رأسي في سلسلة طويلة.
عندما ينظرون إلى طفلي، ماذا يرون؟ لمَ لا يعطونه فرصة ليوم آخرحتى يحاول أن يفعلها بنحوٍ صحيح؟ ألم يسبق لهم من قبل أن قابلوا طفلاً لا يشبه الآخرين في تصرفاته؟ دفعت لهذه المدربة آلاف الدولارات لتعلّم طفلي كيف يكون في فريق السباحة، والآن تُظهر أنها متفاجئة بما هو عليه؟ في هذا اليوم عند الساعة الثامنة صباحًا، حين كان الماء شديد البرودة، صعد سكس على حاجز البدء وقفز مثل بطل خارق بذراعين هزيلين؛ قفز في الماء بشجاعة وفعل أفضل ما يمكنه، -ولو أن أحدًا أعاره الاهتمام لأدرك بأن ما فعله لا يختلف عن أفضل ما يمكن أن يفعله معظم الأطفال في سن السادسة، لأن معظم الأطفال في سن السادسة لا يوجدون في المسبح عند الثامنة صباحًا- الآن طُرد من الفريق! الآن عندما وصل إلى هنا وأخذ يحاول؟ وقررتُ أنه لا ينبغي أن يعرف سكس عن هذه القسوة العابرة! لكن أهي عابرة حقًا؟
عندما كنت طفلة ما أكثر عدد المجموعات والأماكن والفِرق التي طُردت منها ولم يخبرني والداي عنها قط؟ إلى أي مدى استطاعا أن يخفيا هذه الأسرار عني؟ ذات مرة أخبرتْ معلمتي في الصف الأول والديّ بأنّها تريد إخراجي من صفها لأن التعامل معي صعب وأكبر من أن تحتمله. يكاد يكون وصفها لي مطابقًا تمامًا للطريقة التي يصف بها المعلمون الآن سكس. عنيد وغير متعاون ولا يحترم دوره في الحديث. الجدير بالذكر أنني في الصف الثاني أصبحتُ الطالبة المفضلة لمعلمتي. كانت ترسل لي بطاقات تهنئة في عيد ميلادي وتعانقني إذا التقينا في البقالة حتى يوم وفاتها. كان اسمها السيدة روبرتس. جعلتني السيدة روبرتس أشعر أن ما من خَطْب فيَّ. على العكس أشعرتني أنني مثالية. ما زلت أتذكر كيف كانت تجعلني أشعر -حتى هذه اللحظة- وعلى مدى الحياة. أريد أن أحيط طفليّ بأمثال السيدة روبرتس.
*
في الصف الثامن، كنت أشعر بالاكتئاب الشديد وخرجتْ تصرفاتي عن المألوف، كنت أقوم بأشياء مثل التصحيح لمعلماتي في الصف- قضيت نصف العام وأنا أقعد في الردهة. ومع ذلك، لا يعرف أحد معدل درجاتي الكاملة، ولم يستطع أحد تعليمي كيف ألتزم بقواعد الصف.
هل ألحقتُ ضررًا بأي من الممتلكات؟
لا.
هل عرّضت نفسي للأذى؟
لا.
هل آذيت الآخرين؟ – حسنا باستثناء مرة واحدة فقط وقفت فيها في وجه أحد المتنمرين وتلقيت لكمة على وجهي- لا.
لكنني كنت أطلق لساني (بما للكلمة من معنى) وغير متعاونة، وأتغيّب عن المدرسة. كنتُ أتسكع مع مثيري المشاكل لأن أمثال ريجينا جورج في مدرستي لم يرغبن في تكوين صداقة معي. الشعور بالاكتئاب الشديد في الصف الثامن كان أسوأ مما يبدو. عندما انتحر طفل في باص مدرستي، قام والداي بخلع باب غرفة نومي من مفاصله، كانا في غاية القلق بشأني. ثم في يوم من الأيام، حاول نائب المدير -هذا المتخلف الكرتوني ذو الشارب الأسود الرفيع- طردي بعد البحث في خزانتي. أثناء البحث في الخزائن (أبلغت شبيهة ريجينا جورج عن وجود شيء من الممنوعات في خزانتي) فوجد زجاجة لمثبت الشعر وأصر على أنها تحتوي على إيثانول قابل للشرب. استدعاني إلى المكتب واتصل بأمي. أشار إلى الزجاجة الأرجوانية قائلًا: هذا المشروب ممنوع. وقفت أمي ووضعت يديها على مكتبه قائلة: اشربه إذًا. في الوقت الذي كنت فيه في الثالثة عشرة من عمري، كانت أمي تعرف كيف تتعامل مع البالغين الذين لا يستوعبون حالة ابنتها.
*
عندما شُخِّصت إعاقة طفليّ أول مرة، مع قائمة غير منتهية من الكلمات الطويلة والاستهلالية، اتصلت على الفور بأمي. طلبتْ مني أن أستعين باستشاريَ أطفال. وأخبرتني عن طبيبة الأطفال النفسية الرائعة التي ساعدتْهَا. ووصفتْ أول مقابلة لها مع الطبيبة، وكيف طلبت منها أمي طلبها الوحيد: أريدها فقط أن تكون مثل غيرها من الأطفال في ساحة اللعب. هزت الطبيبة رأسها وابتسمت قائلة: لكنها لن تكون أبداً مثل غيرها من الأطفال الآخرين في ساحة اللعب.
قالت أمي: لكن الأمهات الأخريات سيعتقدنَ أن ابنتي طفلة سيئة وأنني أم سيئة.
وعلّقت الطبيبة: هذا صحيح سيعتقدنَ ذلك، وهذا بالضبط ما سيفكرنَّ به. وليس هناك ما يمكنكِ فعله حيال ذلك.
أخبرتني أمي تلك القصة في اليوم الذي أدركت أن طفليّ لن يكونا كغيرهم من الأطفال في ساحة اللعب. أدركت أنني أمضيت سنوات عديدة وأنا أتجنب ساعات الازدحام في ساحة اللعب نظرًا لشدة الضغط. لم أستطع تحمل رؤية الوجوه المعقوفة للآباء وهم ينظرون إلى طفليّ وتشغلني أفكار فظيعة.
بعد أن أخبرتني أمي قصة لقائها الأول مع الطبيبة، قالت لي: لقد جعلتني كلمات الطبيبة أتحرر، لأنني لم أعد أهتم بما يعتقده الآخرون. لم أصل إلى تلك النقطة بعد، ما زلت أهتم بما يفكر به الآخرون حول طفليّ- لكن ليس بذات الدرجة السابقة. أحاول تجاوز ذلك. ما يهمني أكثر هو أن يعامل الآخرون طفليّ جيدًا، وأن يكونا سعيدين. هذا ما أتمناه مثلي مثل أي أم أخرى.
*
طُرد طفلاي من المخيم الصيفي. طردَهما معلمو البيانو. ولم يُسمح لهما بالانضمام إلى مجموعة الرياضيين وأُقصيَ لأخذ دروس خاصة بدلا من ذلك. ثم هُدّدا بالطرد من نادي الشطرنج. كنتُ أعيش في خوف دائم من أتلقى مكالمة هاتفية يخبرني فيها مدرس آخر أو مدرّب أو مُوجّه أنه قرر طردهما لأنهما شديدا الحركة أو ثرثاران أو عنيدان أو غير مهذبين. هذا لا يعني أنهما لم يحظيا بمدرّسين ومدرّبين وموجهين رائعين. بلى. أول معلمة بيانو لطفليّ انتقلت. والثانية توفيت شابة على نحوٍ مأساوي. ولأن سكس وأيت يحبان العزف على البيانو، استأجرت لهما معلمة بيانو أخرى. استقالت منذ بضعة أيام بعد ثلاثة دروس فقط، قائلة إن طفليّ لا يحبان البيانو.
بعد أن تجاوزتُ مشاعري المدمرة -شعوري بالخزي، والإحراج، والألم- فهمتُ كلماتها على حقيقتها. محض هراء! اتصلت بمديرتها في مدرسة البيانو والتي قالت لي إنه ينبغي علي إرسال طفليّ إلى جوقة المرتلين بدلاً من العزف على البيانو، مما يدل على أن طفليّ ليسا منضبطين بما فيه الكفاية للعزف. طلبتُ منها إحالتي إلى معلمات أخريات. قالت لي: لا يوجد. سكس وأيت كانا طالبين في هذا الأستوديو سنوات، وأخبرتني المديرة أنهما لم يعودا كذلك بعد الآن.
في بعض الأحيان أتساءل كيف للعالم أن ينهكنا ويستنزفنا؟ ماذا لو كان لدي مراجع أقل؟ لربما كنت سأكون قد استسلمت بالفعل. من السهل جدا أن تصدق الجميع عندما يقولون لك إن الخطأ خطؤك. ماذا لو لم أكن باحثة في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؟ ماذا لو لم أكن أقاتل هذا التحيّز طيلة حياتي كشخص مصاب بالإعاقة أنا نفسي؟ لقد بدأت دروس العزف على البيانو وأنا صغيرة جدًا. كنت كثيرة الحركة وجريئة وكثيرة الكلام ويسهل تشتيت انتباهي. معلمتي في العزف على البيانو التي أسست مدرسة موسيقية بارزة في المجال ثم اشتهرتْ جدًا لدرجة أنه يصعب تصديق أنها علّمت موسيقية عادية مثلي، كانت تتركني أقف خلال الدروس. وتسمح لي بالتحدث وأنا أعزف وأن أبدّل بين الأغنيات. لم تكن تهتم بأي من هذه الأشياء، لأنها كانت تعرف كيف تغذي المواهب والفرح. كان تلك وظيفتها، وكانت تتقنها ببراعة. ولأنني أردت أن أجعلها سعيدة -لأنها السبب الذي جعلني أشعر بالفرح- كنت أتدرب وأتدرب وأتدرب حتى أصبحت أفضل بكثير في العزف مما لو كنتُ قد حظيت بمعلمة أخرى غيرها. لم تكن معلمة بيانو لذوي الاحتياجات الخاصة. كانت معلمة جيدة فحسب.
*
عندما أتلقى رسائل على البريد الإلكتروني أو أتلقى مكالمات هاتفية لإخباري أن طفلاي أُقصيا من نشاط آخر، فأول شعور ينتابني دائمًا هو شعور بالحزن على طفليّ. ففي نهاية المطاف أريد أن تتاح لهما فرصة للتعرف على العالم وتجربة أشيائه المذهلة. وكلما أوصد باب بدا لي أن تلك الفرص تتقلص.
شعوري الثاني هو الغضب.
أعيد الأسئلة الثلاثة التي طرحتها الطبيبة على أمي.
هل من العدل أن يُطرد طفلٌ في السادسة من عمره من فريق السباحة لأنه سبح في المسار الخاطئ؟ لأنه سبح بطريقة حرة بدلاً من السباحة على الظهر؟ رغم أنه لم يعرّض نفسه للخطر، ولم يؤذِ أي من الأطفال الآخرين، أو يتلف شيئًا من الممتلكات. أعرف صحة هذه الأشياء لأنني كنت أسأل. إن ريجينا وزميلاتها من المدربات حسبنَ سكس مزعجا. كنَّ يردن من كل الصغار أن يصطفوا في صف واحد، ولم يكن هناك مكان بينهم لسكس لأنه مختلف. كنَّ يردنَ بشدة إخراجه من الفريق لدرجة أن ريجينا كذبت بخصوص المتطلبات الأساسية لفريق السباحة لكي أغادر. لم تدرك أنه لم يكن عليها أن تكلف نفسها عناء ذلك. ما كنتُ لأترك طفلي في مكان لا يرغب في وجوده أبدًا.
السؤال الذي يطرح نفسه بوضوح: هل هناك مكان للأطفال ذوي الإعاقة في مدرسة البيانو؟ في فريق السباحة؟ في معظم الفصول الدراسية؟ ويبدو أن الجواب في الوقت الحالي هو: لا.
في اليوم الذي طُرد فيه سكس من فريق السباحة، وصلنا إلى المنزل، وأخذت طفليّ إلى الطابق العلوي ليغيرا ملابسهما. ثم اتصلت بأمي. طلبت منها أن تخبرني بالقصة القديمة عن سيارة نقل أطفال الحضانة. أخبرتني أنها كانت في حفل عشاء عندما أخبرتها “الفتيات اللئيمات في سيارة النقل” بأنه لم يعد مرحبًا بي في سيارتهم. قالت لي أمي: إحدى الأمهات المتفاخرات حكت لي كم أسأتِ التصرف في سيارتها. (استخدمت هذه العبارة حرفيًا “الأمهات المتفاخرات”.) وأكملت: لذا في اليوم التالي، ذهبت إلى الحضانة في وقت مبكر لأخذكِ قبل وصول الأم صاحبة السيارة، لأنني لم أستطع تحمل رؤيتها.
قعدت أمي في الحضانة في الغرفة التي يمكن للآباء والأمهات مشاهدة أطفالهم فيها عبر مرآة أحادية الاتجاه. كانت الغرفة مظلمة حتى يسهل رؤية الأطفال. قعدت أمي هناك تبكي، وتراقبني وهي تعلم الأشياء السيئة التي قالتها الأمهات المتفاخرات عني سرًا، احتفظت بذلك لنفسها حين كنت ألعب في الغرفة ببراءة، لا أعرف شيئًا. عندما أخبرتني هذه القصة، عرفتُ شعورها بالضبط. إنه مثل شعوري عندما أخبرتني ريجينا عن الاجتماع السري الذي عقدته المدربات.
عندما تحدثت ريجينا إليّ في ذلك الصباح، كنت أراقب سكس وهو يقفز من حاجز الغوص، وهو يشعر بالبرد في الساعة الثامنة صباحًا، يتدرب باذلًا قصارى جهده. كنت أراقبه وهو يعمل بجد، لأنني كنت أعلم أنه لن يكون هنا في اليوم التالي. حين كانت تسرد أخطاءه، كان يبذل كل ما في وسعه ليسعد مدربيه، لم يكن يعرف أن هذا لم يكن كافيًا على الإطلاق.
سألتني أمي: ماذا ستقولين له؟
– ماذا كنتِ تقولين لي؟
– لم أقل لكِ شيئًا حتى أصبحتِ في المدرسة الثانوية. في ذلك الوقت كنت تظنين أن الأمر مضحك.
لهذا لن أخبر سكس الآن. سأحمل ألم نبذهما وحدي، مثلما فعلت أمّي. سأعلِّمهما القوة والحب، ويومًا ما عندما نكبر جميعًا، ربما حينها سنضحك.
- كاتي روز بريال: هي روائية وكاتبة، سبق لها العمل أستاذة في القانون في تشابل هيل، كارولاينا الشمالية. من بين أعمالها الروائية: الورطة (ENTANGLEMENT)، مطاردة الفوضى (CHASING CHAOS) والفتاة لآيلة للسقوط (FALLOUT GIRL). أما أعمالها غير الروائية تتضمن: حياة العقل القاصر (LIFE OF THE MIND INTERRUPTED) الصحة الذهنية والإعاقة في التعليم العالي (MENTAL HEALTH AND DISABILITY IN HIGHER EDUCATION.) شاركت كاتي في الكوارتز، ووقائع أحداث التعليم العالي، ونخب (الأخير والعظيم)، ومجلة Dame، ومجلة PASTE، وغيرها الكثير.
- يمكنكم التواصل مع كاتي على الانستقرام، والفيس بوك وتويتر على حسابها المعرفي @krgpryal أو في مدونتها على موقع:https://katieroseguestpryal.com/ أو من خلال بريدها إلكتروني على الموقع: https://katieroseguestpryal.com/pryal-free-library-secret/