الشّبابُ هو الحَياة – ديمتري ليخاتشوف

ترجمها عن الروسية: عمران أبو عين 


حجم الخط-+=

كُلُّ مُحادثة بين شيخٍ وشَابٍ تَتحولُ إلى دَرسٍ، هكذا كانَ الوَضع دائماً ورُبَّما سيبقى كذلك. سأحاولُ أن أكونَ مُوجِزاً وأتحدَّثُ عن الأمورِ المُهمة في نظري بمُشاركة خِبرات وتَجارب حياتي. من بين أشكال المُحادثات مع القُرّاء، اخترتُ شَكلَ الرَّسائِل، وهو بِالطَبع شكلٌ مَشروط. أتخيّلُ قُرّاء رسائِلي أصدقاء، فالرّسائلُ إلى الأصدقاء تسمحُ لي بالكتابة ببساطة. لماذا وضعتُ رسائلي بهذا الشكل بالتحديد؟ [كتب ليخاتشوف عشرات الرسائل، وهذه واحدة منها] أَولاً فأنا أكتبُ في رسائلي عن مَعنى الحَياة وغَرضِها، وعن جَمال السّلوك، ثم أنتقلُ إلى الجمالِ المُحيط بنا في العالم، إلى الجمال الّذي يتكشفُ لنا من خلال الأعمال الفنيّة. أفعلُ ذلك، لأنّه ولكي نستطيع فَهم الجمال الّذي حَولنا، لا بُدَّ للشخص من أن يكونَ عميقاً وجميلاً في رُوحِهِ، ويقف في موقعٍ صحيحٍ في الحياة. جَرِّب أن تُمسك مِنظاراً بيدٍ مُرتعشة، فلن ترى شيئاً! 

رسالة: الشّبابُ هو الحَياة

في المَدرسة وثم الجَامعة خُيّل لي بأنّ “حياتي البالغة” ستكونُ في مكانٍ أو بيئةٍ مُختلفة تماماً، كأنّني في عَالم مُختلف، وبأنّني سأكونُ مُحاطاً بأُناسٍ مُختلفين تماماً. لن يبقى شيئاً من الحَاضر. وعُموماً لقد تَغيّر كُلُّ شيء، بقيَ أقراني معي، ليس جميعهم بالطّبع، فقد ماتَ الكثيرُ منهم. تبيّن أنَّ أصدقاء الشّباب هُم أكثر الناس إخلاصاً وحُضوراً، وتوسَّعتْ دائرةُ المَعارف بنحوٍ كَبير، إلّا أنّ الأصدقاء الصدوقين هُم المُسنون، فالأصدقاء الأصلاء هُم الّذين يُصنَعونَ في زمن الشّباب. أتذكّرُ أنَّ زُملاء وَالدتي الأصلاء هُم أصدقاؤها من نادي الألعاب الرياضيّة، وزُملاء وَالدي هُم زُملاء الجامعة. وقد لاحظتُ كثيراً أنَّ الانفتاحَ على الصَّداقات يتناقصُ مع تَقدُّم السن، فزمن الشّباب هو زمن الالتقاء والتقارب. عليكَ أن تتذكّر هذا دائماً وتعتني بأصدقائك، فالصّداقات الحقيقيَّة تَجدُها دائماً في حالات حُزنك وفَرحك. فأنتَ بحاجةٍ إلى المُساعدة حتّى في حالات الفَرح، المُساعدة على الشعور بالسّعادة من أعماق رُوحك ومُشاركتها وإلّا لن يكون الفَرح فرحاً، فالشخص يُفسدُ سعادته وفَرحه في حال عَاشها وَحيداً. وعندما تأتي أَوقات الشِّدة والخَسارة، مُجدّداً لا يُمكنكَ أن تكونَ وَحيداً، فالوَيلُ للشخصِ إِنْ عاشَ ذَلك وَحيداً. لذلكَ اِعتنِ بِشبابك حتى أَقصى حَد، قَدِّر كُلَّ خَيرٍ مَرَّ في شبابك، ولا تُبدد ثَروات الشّباب، فلا شيء اكتسبته في شبابك سَيمرُّ من دُون أن يَترُكَ أَثراً. فالعادات الّتي اكتسبتها في شبابك سَتبقى معكَ مَدى الحَياة. تعوّد على العَمل، وسيجعلك العملُ دائماً في سَعادة، وما مَدى أهميّة ذلك لسعادةِ الإنسان! فلا يوجدُ شخصٌ أكثرَ تَعاسةٍ من الكَسول الّذي غالباً ما تَجنَّبَ العَمل والمَشقَّة. في مَرحلةِ الشَّباب أو الشيخوخة، فالمَهارة الجيّدة تجعلُ الحَياةَ أسهل، والمهارات السَّيّئة تَجعلُها أصعب وأكثر تعقيداً. وهُناك مَثلٌ روسيّ يقول “حافِظ على شَرفكَ من الصِّغر”. جميعُ الأفعال الّتي ارتكبتها في الشّباب ستبقى في الذَّاكرة، فالأفعالُ الخَيّرة سَتُسعدُك، والأفعال الشِّرّيرة والسَّيّئة لن تَدعك تَنام!

*

ولد ديمتري سيرجيفتش ليخاتشوف (1906-1999) في مدينة سانت بطرسبرغ، وصار عالِما لغويا وبَاحِثا في الأدب الرّوسيّ القَديم. لليخاتشوف كتاب بعنوان “رسائل في الخير والجمال” مؤلّف من عشرات الرسائل تحدث فيها الكاتب عن شتى الموضوعات. ورسالة “الشباب هو الحياة” هي الرسالة الثانية في الكتاب. سنترجم إن شاء الله تعالى رسائل أخرى في قادم الأيام. 

المقدمة هي جزء من مقدمة الكتاب الأصلي، وما بين القوسين [] إضافة من عندي. 

أظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى