ابنة أرضَيْن 2-2
Cradesaver
اقتباساتٌ وتحليلٌ لرواية “نحتاج إلى أسماء جديدة”
ترجمة: بلقيس الكثيري
– ولدٌ أم بنت؟
– ولد، يفترض بالطفل الأول أن يكون ولدًا.
– لكنكِ بنتٌ رغم كونكِ المولود الأول.
– قلت يُفترض، ألم أقل؟
حوار دارلينغ مع باسترد، الصفحة الخامسة.
يعد نوع المولود عنصرًا هامًا جدًا في حياة الناس في زيمبابوي، وخاصةً في منطقةٍ فقيرةٍ مثل الجنة، حيث يلعب الرجال دور العائل المعيل لأسرهم. يسلط هذا الاقتباس -الوارد في بداية الرواية- الضوء على أهمية النوع الاجتماعي، من حيث صلته ببطلة الرواية دارلينغ التي تلمح إلى خيبة أمل ذويها بمولدها كابنةٍ في حين أنهم كانوا ينتظرون ابنًا. ونرى هذا جليًا -لاحقًا- عندما يناديها والدها بصيغة الذكر بصفتها ابنًا له.
كنا نصرخ ونصرخ ونصرخ. نريد أن نأكل الشيء الذي كانت تأكله، كنا نريد أن نسمع أصواتنا ترتفع، ونريد للجوع أن يبتعد. كانت المرأة تنظر إلينا في حيرة، وكأنه لم يسبق لها أن سمعت شخصًا يصرخ، ثم هرولتْ مسرعةً إلى الداخل، ولكن صوت صرخاتنا لحقها، صرخَنا حتى شممنا رائحة الدم تفوح من حناجرنا.
– دارلينغ، صفحة 12
أحيانًا تطغى المشاعر العاطفية على الأطفال، ويتصرفون متأثرين بها دون إدراك، ولعل السبب في ذلك يعود إلى افتقارهم إلى توجيه الوالدين، وإبداء عجزهم أمام الطريقة التي تغيرت بها حياتهم. في هذا المشهد، كانوا يتصرفون بنحوٍ جيدٍ مع المرأة الغريبة التي تعيش في بودابست، لكنهم فجأةً سأموا من طعامها الذي تهدره وأسئلتها وصورها. غلبتْهم رغبتهم في الصراخ والصراخ، حتى وإن كلفهم ذلك إيذاء أنفسهم.
خلف الستار يوجد التقويم الزمني. رغم قِدمه إلا أن السيدة أم بونس تحافظ عليه لأنه يحمل صورة المسيح الذي يظهر بشعرٍ نسائيٍ طويلٍ ويبتسم بخجل، رأسه يميل إلى الجانب قليلاً؛ يمكن للرائي أن يرى أنه يحاول أن يبدو لطيفًا في الصورة. كان لديه عينين زرقاوين لكنني قمتُ بتلوينهما باللون البني حتى يبدو طبيعيًا مثلي ومثل الآخرين. وقد ضربتني أمّ بونس كثيراً بسبب ذلك، حتى أنني لم أستطع الجلوس لمدة يومين كاملين.
– دارلينغ، صفحة 25
كان الدين عنصراً بالغ الأهمية في النصف الأول من الكتاب، وخاصةً في الأجزاء التي كانت فيها دارلينغ تحت رعاية السيدة المتدينة أم بونس. وكان لدى دارلينغ العديد من الأسئلة والأفكار المثيرة للاهتمام حول الدين والتي تكشف وجهة نظرها حول المجتمع من خلال تصرفاتها الطفولية. تطرح أسئلةً عن التاريخ الاستعماري الإشكالي المرتبط بالمسيحية في أفريقيا -لماذا يكون الإله المخلّص للأشخاص ذوي البشرة السمراء والأعين البنية مختلفًا عنهم؟
من أجل أن نلعب لعبة البلدان يلزمنا رسم دائرتين: دائرةٌ خارجيةٌ كبيرةٌ، وبداخلها دائرةٌ أصغر، حيث يقف الشخص المنادي، ثم يختار كل شخصٍ جزءًا من الدائرة الكبرى ويكتب اسم البلد فيه، ولهذا السبب تسمى لعبة البلدان. لكن قبل ذلك نتشاجر حول أسماء البلدان، فالجميع يريد اسم دولةٍ بعينها، مثلًا كلنا يريد أن يكون الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا وسويسرا وفرنسا وإيطاليا والسويد وألمانيا وروسيا واليونان وغيرها. هذه البلدان التي تحمل معنى بلد. من يخسر الشجار، يضطر للقبول ببلدٍ آخر مثل دبي وجنوب إفريقيا وبوتسوانا وتنزانيا وغيرها. ليست كتلك البلدان، لكن على الأقل الحياة فيها أفضل من هنا. لا أحد يريد أن يكون بلدًا ممزقا مثل الكونغو والصومال والعراق والسودان، وهايتي، وسريلانكا، ولا حتى هذا البلد الذي نعيش فيه -من يريد أن يكون مكانًا فظيعًا مليئًا بالجوع تتردى فيه الأحوال إلى الأسوأ؟
– دارلينغ، صفحة 51
اللعب وسيلةٌ مهمةٌ يمارسها الأطفال في “الجنة” للتعاطي مع العالم، ويعد نافذةً مهمةً للقارئ يبصر من خلالها حالة الأطفال النفسية المعقدة والمضطربة إلى حدٍ ما. في هذا المقطع، يتصارع الأطفال في مدار السياسة العالمية وتفاوت المستوى المعيشي بين القوى العالمية والبلدان الفقيرة وغير المستقرة سياسيًا مثل بلدهم. ويمثل هذا الاقتباس أيضًا الأسلوب السردي للرواية ككل، حيث تحكي دارلينغ الأحداث باستخدام ضمير المتكلم بأسلوبٍ حواري، تنتقل فيه من نطاق الفكر الفردي إلى الجماعة، وتسرد قوائم طويلة، وتطرح أسئلةً بلاغيةً حلوها مُر.
هذه المنظمات غير الحكومية لا يهمها غير التقاط الصور، وكأننا أصدقاؤهم المفضلون أو أقاربهم، وأنهم عندما يعودون إلى أوطانهم سينظرون لهذه الصور ويذكرون أسماءنا لأصدقائهم الآخرين. لا يأبهون بمدى الحرج الذي نشعر به حول قذارتنا وملابسنا الممزقة، وأننا نتمنى لو أنهم لا يفعلون ذلك. يلتقطون الصور هكذا بدون أدنى اهتمام، صورةٌ تلو أخرى. ونحن لا نبدي تذمرًا لأننا نعلم أنه بعد التصوير سنستلم الهدايا.
– دارلينغ، صفحة 54
من النقاط اللافتة للنظر التي أثارتها بولاوايو في روايتها “نحتاج إلى أسماء جديدة” الطريقة التي يتعامل بها العالم وتنشغل بها وسائل الإعلام عن أفريقيا. التُقِطت الصور للأطفال مرتين في الفصول الأولى من الرواية، عبر أفراد المنظمات غير الحكومية التي توزع المساعدات، وعبر امرأةٍ تعيش في بودابست، وهي ابنة أحد المهاجرين من زيمبابوي إلى إنجلترا. وفي الحالتين تجاوب الأطفال على الرغم من عدم رغبتهم في أن يُصوَّروا. وفي أجزاء متقدمةٍ من الكتاب تتحدث دارلينغ إلى مجموعةٍ من الأشخاص ممن كانوا يشاهدون الفوضى السياسية في أفريقيا في الأخبار ويبدو أنهم يرمقون بإعجابٍ الخطر المحدق بها، ويهيمون بالجمال الغريب في تلك القارة. في هذا الاقتباس، بدت دارلينغ بنحوٍ خاصٍ ناقمةً على هذا النوع السطحي من التعامل مع ما يحدث في أفريقيا، على الرغم من صغر سنها، كانت تشارك في ذلك فقط لكونه جزءًا من النظام الذي تعتمد عليه هي ومجتمعها.
يزداد سعاله أكثر وأسمع ذلك الصوت الفظيع الذي يمزق الهواء. جسده يهتز وينطوي مع كل سعالٍ يصدره، لكنني لا أتعاطف معه. كنت أقول لنفسي: أنا أكرهك، أكرهك لأنك ذهبتَ إلى جنوب إفريقيا وعدتَ منها مريضًا… هزيلًا، أكرهك لأنه بسببك توقفتُ عن اللعب مع أصدقائي … وتتردد في ذهني: متْ. متِ الآن حتى أتمكن من اللعب مع أصدقائي، متِ الآن لأن هذا ليس عدلاً. متْ…متْ… متْ!
– دارلينغ ، صفحة 98
قليلًا ما استخدمت بولاوايو مصطلح “الإيدز” في كتابها “نحن بحاجة إلى أسماء جديدة ” كانت تشير إليه بلفظ “المرض” أو تستخدم ببساطةٍ صورًا متكررةً وواضحةً حول أعراض الإيدز كما ورد في الاقتباس أعلاه. تمنّت دارلينغ موت والدها بعد رؤيته يعاني ببطءٍ كل يوم، ولأن رعايتها له كانت تشغلها عن اللعب مع أصدقائها. يعد الإيدز في إفريقيا موضوعًا مهمًا جدًا بالنسبة إلى بولاوايو لذا تعمل حاليًا على مشروعٍ أدبيٍ يركز على هذه المسألة بنحوٍ خاص.
-لا، أنت استمع إليّ.
قالها الرجل الأبيض كما لو أنه لم يسمع تحذير رئيسه من أن يطلب من رجلٍ أسود أن يصغي إليه. كان يقول: أنا أفريقي، هذا البلد بلدي أيضًا، هنا ولد أبي، وهنا ولدت أنا، مثلك تماما! كان صوته مثقلًا بالألم كما لو أن شيئًا في جوفه يحرقه، ويغلي بشدةٍ في دمه…
سأل كودنوز: ما معنى أن تكون أفريقيًا أصلًا؟
– دارلينغ ، صفحة 121
تثير رؤية الشؤون السياسية الكبرى في تاريخ زيمبابوي عبر عيون الأطفال أسئلةً كبيرة. فهذا الاقتباس جزءٌ من المشهد الذي تكون فيه دارلينغ وأصدقائها أعلى شجرةٍ جوافة، ويشهدون بأم أعينهم عملية الاستيلاء على منزل زوجين أبيضين يعيشان في بودابست بالقوة والنهب.
من الطبيعي أن يسأل الأطفال -الذين عاشوا حياتهم كلها في زيمبابوي وكانوا يتعاملون حصرًا مع غيرهم من السود- عما يعنيه أن تكون أفريقيًا؛ لأي مدى تؤثر مكانة الفرد كشخصٍ أفريقيٍ على أصله العرقي وتتداخل مع التاريخ الاستعماري لزيمبابوي ؟
انظر إليهم وهم يغادرون بأعدادٍ كبيرةٍ مع علمهم بأنهم سيُستقبلون بسخطٍ في تلك الأراضي الغريبة لأنهم لا ينتمون إليها، مع معرفتهم أنه سيتعين عليهم الجلوس على ردفٍ واحدٍ بنحوٍ غير مريحٍ خشية أن يطلب منهم النهوض والمغادرة، ومع معرفتهم بأنهم سيتكلمون في همسٍ لأنه لا ينبغي لأصواتهم أن تعلو على صوت أصحاب الأرض العريقة، ومع علمهم أنهم سيضطرون إلى المشي على أصابع أقدامهم لئلا يتركوا آثارًا على الأرض الجديدة.
انظر إليهم وهم يغادرون بأعداد كبيرة
ذراعا بذراع
بالحسرة والضياع،
انظر إليهم وهم يغادرون بأعدادٍ كبيرة!
– الراوي، صفحة 148
في ثلاثة فصولٍ من كتاب “نحتاج إلى أسماء جديدة” ينفصل السرد الروائي عن سرد دارلينغ، وينساب في صوتٍ شاعريٍ أكثر شموليةٍ يتبع الاتجاه السائد لشعب زيمبابوي. يشير هذا المقطع إلى الهجرة الجماعية لسكان زيمبابوي إلى بلدانٍ أخرى في عام 2008، عندما تنتقل دارلينغ أيضًا من زيمبابوي للعيش مع خالتها في أمريكا. ويتطرق هذا الاقتباس إلى الطريقة التي ضحى فيها الناس براحتهم وهوياتهم للخروج من زيمبابوي، مع معرفتهم بأنه قد لا يُقبولون في الأراضي الأجنبية، فقد كانوا يبحثون عن حياةٍ جديدةٍ بأي طريقةٍ كانت.
لو كنتُ في وطني، لما كنتُ سأقف هنا لأن شيئًا اسمه الثلج يمنعني من الخروج لممارسة حياتي … ولكن أيضًا لما كان عندي ما يكفي من الطعام، ولهذا السبب سأتحمل أمريكا بثلوجها طالما أن الطعام موجودٌ هنا، كل أنواع وأصناف الأطعمة. على الرغم من ذلك ثمة أوقاتٌ أشعر فيها أن الطعام لا يؤثر بي بغض النظر عن المقدار الذي آكله، كما لو أنني أتضور جوعًا لوطني، وليس من شيء يستطيع إشباعي.
– دارلينغ صفحة 155
عندما وصلت دارلينغ لأول مرةٍ إلى أمريكا، كانت تشعر بالتناقض حول مشاعرها. من ناحيةٍ كانت لسنواتٍ تتمنى العيش مع خالتها فوستالينا في أمريكا. لقد تحققت بعض رغباتها في هذه الحياة، مثل امتلاك منزلٍ آمنٍ ودافئٍ به الكثير من الطعام. ومع ذلك لم تستطع دارلينغ التكيف بالكامل مع الحياة الأمريكية، مثل عدم شعورها بالارتياح تجاه أشياء مثل الثلج وقلة الأصدقاء مما يجعلها تتوق إلى الحياة التي كانت تتمتع بها سابقًا.
لستِ أنتِ من يعاني. هل تظنين أن مشاهدة ال بي بي سي تعني أنكِ تعرفين ما يحدث هنا؟ لا يا صديقتي أنتِ لا تعرفين شيئًا. المجروح وحده يعرف حدة الألم؛ نحن الذين بقينا هنا نشعر بالمعاناة الحقيقية، لذلك نحن من نملك الحق في قول أي شيءٍ عن هذا الشيء أو ذاك. إذا كان هذا البلد وطنكِ، عليكِ أن تحبيه، وأن تعيشي فيه، وأن لا تتركيه. عليكِ أن تقاتلي من أجله مهما حدث، لتصحيح مساره.
– تشيبو صفحة 287
في مشهدٍ من أكثر مشاهد هذه الرواية روعة، تهاجم تشيبو دارلينغ وتتهمها بأنها تركت زيمبابوي خلفها، وبأنه لم يعد لديها الحق في أن تشير إلى هذا البلد على أنه وطنها بعد الآن. بمعنى آخر فإن تشيبو تضع دارلينغ في كفةٍ واحدةٍ مع الأشخاص الذين لم يكونوا ليسامحوهم عندما كانوا أطفالًا، مثل أفراد المنظمات غير الحكومية الذين كانوا يتعاملون مع مشاكل زيمبابوي على المستوى السطحي وعن بعد. لم تستطع دارلينغ أن تقرر فيما إذا كانت تتفق مع تشيبو بأن زيمبابوي لم يعد وطنها، لكن كلمات تشيبو أزعجتها جدًا، وتنتهي الرواية باسترجاع دارلينغ لبعض الذكريات الغريبة عن طفولتها في الجنة (منطقةٌ عشوائيةٌ فقيرةٌ في زيمبابوي تكدّس فيها الذين أخرجوا من منازلهم).